عقد اللقاء الاقتصادي الاول تحت ادارة ترامب حيث اجتمع كبار المسؤولين الاقتصاديين. قاد المناقشات عن الجانب الاميركي روس منوشين، وعن الجانب الصيني نائب الرئيس وانغ يانغ. كذلك حضرت جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي جزء من الاجتماع مع المديرين التنفيذيين لـ Alibaba وستيفن Schwarzman عن Blackstone.
لكن، وعلى ما يبدو، لم تنته الامور كما يتمنى الطرفان سيما وان ادارة ترامب لديها توقعات غير واقعية لما قد تفعله الصين من اجل احداث توازن في الميزان التجاري. لذلك، يبدو ان شهر العسل انتهى بين الدولتين، وهناك مؤشرات على زيادة التوترات والتي لا توحي بأي تغيير محتمل في اي وقت قريب، سيما وان الصادرات الاميركية للصين زادت الى نحو ١٤ بالمائة سنويًا في المتوسط على مدى الـ ١٥ عامًا الماضية، بينما ارتفعت الشحنات الصينية الى الولايات المتحدة لتشكل نحو ٥٠ بالمائة من اجمالي العجز التجاري. مما يعني علاقات تجارية غير متوازنة ومنصفة، وهذا بالفعل ما دعى اليه روس، والذي قال بالحرف الواحد: «لقد حان الوقت لكي تستعيد العلاقات التجارية والاستثمار توازنها. مسلطاً الضوء على عدم التوازن في العلاقات التجارية وامكانية الوصول الى الاسواق غير المتكافئ. هذا الوضع يجب معالجته. بينما يرى الجانب الصيني ان انعدام هذا التكافؤ مرده الى ان الدولتين في مراحل مختلفة من مراحل التنمية.
وللتذكير فقط كان ترامب وفي وقت مبكر مشغولًا بالـ NAFTA وبمنافسين تجاريين مثل المانيا معطيًا الصين، اكبر شريك تجاري، فسحة للتنفس ولاسباب كثيرة قد تكون السياسية منها مهمة جدًا سيما ان الصين تساعده في السيطرة على برنامج الاسلحة النووية لكوريا الشمالية، واعدًا اياها بشروط تجارية افضل اذ ما ضيقت الخناق على كوريا الشمالية.
والاخيرة اصبحت تشكل خطرًا مباشرًا على الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في شرق اسيا. ولا مجال للاستغراب كون الرؤساء يربطون العلاقات الخارجية والامن القومي بالتجارة. ولكن ترامب اعلن مرارًا وتكرارًا ان قضية كوريا الشمالية تأتي في المقدمة لدرجة ان ادارته هددت مؤخرًا بفرض عقوبات على الدول التي تتعاطى مع كوريا الشمالية.
وحسب علماء الاقتصاد، فإن ترامب وضع نفسه في موقف صعب سيما وان العجز التجاري الاميركي لا يمكن تفسيره فقط بازدياد حصة الصين في هذا المجال انما قد يعود الى النقص في المدخرات الوطنية المتعلقة باستثمارات طويلة الاجل والتي لا يمكن ان تتغير في وقت قريب. اضف الى ذلك، وضعية الدولار الاميركي في الاسواق العالمية والتي تجعل من اميركا فاعلة في مختلف النشاطات الاقتصادية والمالية.
اذا جاءت المحادثات عكس ما يتوقعه ترامب وادارته وخلافا لما فعله اوباما مع الصين حين سعى الى زيادة التعاون من اجل لجم برنامج ايران النووي، فإن ترامب انسحب من اتفاق باريس بشأن التغيير المناخي ووافق على مضض على ان تمتثل طهران للاتفاق النووي الدولي.
لذلك ليس من المستبعد ان تتوجه الادارة الاميركية الجديدة نحو اجراءات عدائية وتطبيق تعريفات جديدة على اساس ان الواردات تشكل خطرًا على الامن الاميركي. ولكن المحللين يشككون في مثل هذا الامر سيما وان مثل هذه الخطة يمكن ان تدفع الصين ودول اخرى معها نحو عمليات انتقامية ضد اميركا، وكلها امور تخالف قواعد وقوانين منظمة التجارة العالمية. وقد يكون الحل من خلال المفاوضات بدلًا من اللجوء الى هذه السبل والتي يمكن ان تؤدي الى حرب تجارية.
حسب العديد من المحللين، كل الدلائل تشير الى ان الصينيين يريدون علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وان تكون مستقرة ومثمرة مع ترامب. لكن وعلى ما يبدو، تتجه الامور نحو التصعيد سيما وان العلامات التي يرسلها البيت الابيض غير منتظمة ومشوشة.
واذا كانت اميركا غير مدركة لاهمية هذا التأرجح في علاقتها مع الدول ورفضها للعديد من الاتفاقات او نقضها فان الصين بحاجة الى الاسواق الاميركية سيما وانها تصدر الى اميركا كميات هائلة من السلع ويعد العجز حاليًا بأنه قد يتجاوز ٣٦٠ مليار دولار لهذا العام.
هذه الامور برزت في التجارة ولكنها تأخذ حيزًا كبيرًا من الاهتمام منذ ان اعلن الرئيس الاميركي عن نيته الانسحاب من اتفاقية باريس والذي يعني وبشكل واضح ضعف الجهود العالمية الرامية الى معالجة تغير المناخ، سيما وان اميركا هي ثاني اكبر دولة باعثة للكربون والامر الايجابي انها اهم مصدر عالمي لتكنولوجيا الطاقة وخفض الانبعاثات. والسؤال المطروح وبوضوح كيف سيتم التعاون الاميركي الصيني في هذا المجال دون دعم الحكومة للفدرالية الاميركية.
هذه الامور جميعها تضع العلاقات الثنائية على المحك وتجعل من الصعب القيام باعمال واستثمارات بين الدول الامر الذي يلقي بثقله على الكثير من المعاهدات التي وضعت في اواخر القرن الماضي واوائل القرن الحالي. والطريقة التي تجري فيها الامور تجعل من اميركا الشريك الصعب، ومن الادارة الاميركية ضبابية الرأي، وهذا ما يخشاه المستثمرون في انحاء العالم ولا يستطيعون التأقلم معه بل على العكس.
اذا ما ارادت اميركا السير بجميع الامور التي اصدرتها الادارة الاميركية منذ تولي ترامب الرئاسة قد تكون النتائج غير اكيدة سيما وقد رأينا كم قرار اتخذ في هذا العهد، وكم من مرة أُعيد النظر فيه او تراجعوا عنه. وبالخلاصة، اميركا في وضعية غير مؤكدة ومناخ التعاون الاميركي الصيني قد يصل الى طريق مسدود بما يعني ان اكبر اقتصادين في العالم على شفير الحرب التجارية.
واذا كان ترامب قد سكت على مضض عن اتهام الصين بتلاعبها بالعملة ولم يفرض عليها أية عقوبات لغاية الآن، فإن الامر قد يتغير وقد يلجأ الى عقوبات اقلها رفع التعرفة على الحديد المستورد من الصين وعلى الواردات الصينية بالعموم الامر الذي يعقد الوضعية العالمية اكثر واكثر، ويعيدنا سنوات الى الوراء ويجعل من منظمة التجارة العالمية منتدى غير فاعل سيما وان قوانينها ومبادئها ضرب بها عرض الحائط.
في المختصر، ان شهر العسل الاميركي الصيني قد يكون انتهى وليس مستبعدا ان تكون العقوبات اول الحلول التي يلجأ اليها ترامب للخروج من مأزقه هذا.