طالما أن الحياد مستحيلٌ والنأي بالنفس شاقٌ، إزاء الإشتباك الحالي بين حزب الله وجبهة النصرة، فإنه لا يبقى سوى الرجاء بان يكون الانحياز، أي إنحياز ولأي جهة كان، واعياً يحترم أبسط قواعد العقل والمنطق، ويفسح للراغبين بالمتابعة من بعيد، ان يحققوا رغبتهم المتواضعة، من دون تشويش أو تشويه.
لعل أدهى ما في الانحيازات الراهنة بين طرفي ذلك الاشتباك الالهي بين أقصى التطرفين المذهبيين، أنها تجرف معها الان الكثيرين ممن التزموا في الفترة السابقة بادعاءات المدنية والديموقراطية بل والعلمنة، وأطلقوا مزاعم  بالبقاء على مسافة واضحة وواحدة من الحزب والنصرة، وأيدوا الفكرة القائلة أن ثمة لعنة (سماوية) تحل على الحركات الاسلامية كافة وعلى جمهورها الذي يستل اليوم خناجر الفتنة كما لم يسبق أن فعل في التاريخ.
ليس الوقت الان للمساواة بين الحزب والنصرة، او حتى للمفاضلة. هكذا يقال. ويمضي النقاش في خرافات وطنية، لبنانية وسورية، وأساطير ما قبل وطنية، ليصل الى إكتشاف "مبكر" للفاجعة الكبرى، والمتمثلة هيمنة الحزب على الدولة اللبنانية من جهة، وسيطرة النصرة على المعارضة السورية من جهة أخرى..من دون اي تفسير ينتمي الى السياسة، او يقاربها.
وهكذا يبدو أن حزب الله محظوظاً بمعارضيه أكثر مما هو محمي بمريديه وحلفائه اللبنانيين وغير اللبنانيين. ويصبح تيار المستقبل وكتلته وبياناته مزحة سمجة لا تثير حتى السخرية لا سيما عندما يعلن في تعليقه على معركة جرود عرسال أنه لم ولن يغطي تورط الحزب في الحرب السورية.. برغم انه في سلوكه السياسي طوال الاعوام الثلاثة الماضية قدم الغطاء الاهم لذلك التورط، بل أنه اعطى ضوءاً أخضر لتلك المعركة بالذات، زاعماً أنه يقصد الجيش اللبناني، الذي لم يدع مجالا للشك أنه يقف خلف الحزب ومعه.
من حظ الحزب ايضاً أنه يخوض اليوم معركة تحظى بغالبية لبنانية واضحة، تنتشر في مختلف  الطوائف والمذاهب. وهي الى حد ما تكسب شرعية وطنية أقوى من تلك التي حصل عليها عندما دخل الى عمق الاراضي والجبهات الداخلية السورية. الدفاع عن الحدود اللبنانية شعار جذاب للبنانيين، لا يشوبه سوى ذلك الكم الهائل من الكراهية والحقد على السنة عموما، حسبما يعبر الشريط المرعب لمقاتلين من الحزب على جبهة الجرود، يختمونه بالقول أنهم زاحفون مباشرة من عرسال الى مكة، لإستردادها من آل سعود. لكن ، هنا أيضاً لا مجال للمفاجأة ولا للاستغراب لتلك التعبئة الشيعية التي تجد مثيلتها السنية في كل مكان.
مع ذلك، فإن الحزب، وإستناداً الى حظه لا الى سطوته فقط، لن يجد صعوبة في نفي تلك التعبئة المذهبية، وفي إنكار الطابع المذهبي  لمعركة الجرود تحديداً التي تخاض اليوم ضد تكفيريين يتلقون الدعم من الخليجيين والصهاينة والاميركيين الذين يتآمرون على سوريا ونظامها المقاوم، مع العلم ان الحزب كان يحاور ويفاوض تلك الفئة الضالة، وكان يميزها بوضوح عن تنظيم داعش.
على الجهة الاخرى من الحدود، بدا الحياد أو النأي بالنفس مستحيلاً أيضاً. مواطنون سوريون طبيعيون، معارضون بلا أدنى شك، مدنيون وعلمانيون على الارجح ، قرروا فجأة الانتصار  للنصرة، على نحو ما فعل كثيرون من قادة حركاتهم وأحزابهم المعارضة في مجالس خاصة وعلنية، قبل ان يكتشف بعضهم فقط، ان ذلك التنظيم الارهابي، هو رديف نظام الاسد ونصيره الضمني ومبرر وجوده الاقوى.. حتى قبل أن يسيطر على معظم المساحة السورية ويصفي جميع التنظيمات والتشكيلات الاسلامية وغير الاسلامية ويتمدد حتى الحدود مع تركيا ومع الاردن.
لعلها الخيبة او الهزيمة او العصبية الوطنية المزعومة، هي التي تحكم الانحيازات اللبنانية والسورية، برغم أنه كان ولا يزال يمكن الاكتفاء بتأمل تلك المعركة العابثة بين النصرة وبين الحزب، من مسافة معقولة، تسمح بالتمني بألا يخرج التطرفان الشيعي والسني إلا منتصرين معاً، بإذن واحدٍ أحد.