ينقسم الناس ما بين مؤيّد ومعارض لفكرة الزواج التقليدي، الذي يقوم على تدبير العائلة أو الأصدقاء عروساً لشاب يريد الزواج. كثيرون في عصرنا ما عادوا ينتظرون أن يعرّفهم أحد الأقارب الى شريك الحياة أو أن ينصحهم أحد الأصدقاء بـ»بنت عيلة»، أو «شب منيح» ليتزوّجوا، لأنّ الزواج عن حبّ أساسيّ بالنسبة لهم. هم رومانسيون يؤمنون بالحب من أول نظرة أو أقله ينتظرون مَن يزيد عدد دقات قلوبهم ويجرف مشاعرهم بشكل لا يتحكّمون به. ولكن يبقى السؤال: أيهما أنجح من حيث الاستقرار والاستمرار، الزواج عن حبّ أو الزواج القائم على نصيحة الآخرين وآرائهم؟انتظر العالم حتّى نهاية القرن التاسع عشر حين تمكّنت الزيجات المبنيّة على الحبّ من غلبة المبنية على العقل والمصالح وذلك بفضل صعود الحركات النسائية، التي أعطت أهمية للعواطف وللكلمة.
هل الزواج التقليدي زواج مصلحة؟
المؤرِّخة والكاتبة الفرنسية «سابين ملكيور بونيه» مؤلّفة كتاب Histoire du mariage: entre raison et fortune, la place de l’amour تربط بين زواج العقل وزواج المصالح.
وتلفت إلى أنّ «زواج العقل» أو المصالح كان أكثر اعتماداً في العصور السابقة. ويقوم على فكرة تدبير العائلة أو الأصدقاء عروساً لعريس من المستوى العلمي والمالي نفسه، ومن الطبقة الاجتماعية عينها. وترى أنّ هذا التدبير غالباً ما لا يترك للرغبة وللمشاعر مكاناً بين الشريكين، لأنه يتمّ بطريقة عقلانية.
إلى أيّ مدى الحبّ أساس؟
من جهته، توصّل الطبيب النفسي الإنكليزي توني ليك في دراسة أعدّها إلى أنّ الزواج التقليدي محكومٌ بالفشل وعدم الاستمرار لعدم معرفة الشريكين لبعضهما جيداً. ويرى في المقابل أنّ الحبّ يكلّل العلاقة الزوجية بالنجاح، لأنّ الارتباط العاطفي معناه اتفاق الشريكين على كل شيء في الحياة، مما يشعرهما بالأمان والاستقرار لتقاسمهما الحياة سوياً.
ويؤكد توني ليك في دراسته أنّ زواج المغرومين يُشعر كلّ طرف بأنه محبوب ومقبول لشخصه بكلّ ما يحمله من صفات حسنة وسيّئة، على عكس الزواج التقليدي بدون حب والذي تشوبه انتقادات من كل طرف للآخر.
صحيح أنّ الحبّ المتبادل بين الزوج والزوجة مهم لبناء عائلة. فالحبّ يدفع كل طرف إلى تحمّل الطرف الآخر وتجميل سيّئاته وتقبّلها، كما أنّ الأجواء العاطفية بين الشريكين في المنزل تنعكس على أولادهما.
فلطالما تحدّث العديد من علماء النفس عن معادلة الأهل المغرومين والأولاد السعداء. وتؤكد المستشارة الفرنسية بالشؤون العائلية ستيفاني مارشان أنّ الهجر والانفصال هما مسبّب القلق الأول بالنسبة للأولاد، أما أكثر ما يطمئنهم فهو رؤية أبيهم وأمهم متحابَين وسعيدَين مع بعضهما البعض.
ولكن تجدر الإشارة إلى أنّ الحبّ الأعمى بدوره يهدّد بناء علاقة زوجية سليمة في المستقبل. فلا يجب أن يُقدِم أحد الطرفين على الزواج فقط لأنه متيّم بمَن لا يعامله بشكل جيد أو بمَن يشك أنه لن يتمكّن من العيش إلى جانبه لفترة طويلة بسبب طباعه الصعبة. فالحب الحقيقي الذي يُسعد الطرفين ويبني عائلة جميلة يكون أساسه التفاهم والودّ والتقارب النفسي بين الطرفين.
في هذا السياق تنقل سارة (29 عاماً) تجربتها لـ«الجمهورية»، هي تزوّجت بمَن كانت مغرمةً به بجنون، ولكنّ الحب الأعمى جعلها وزوجها يغضّان الطرف عن الكثير من نقاط الاختلاف بينهما والتي ظهرت قبل الزواج.
وتوضح «بعد الزواج اختلف الأمر وانفجرت كل نقاط الاختلاف. هذه مشاكل لا تنتهي أدّت بنا إلى الطلاق»، وتشدّد: «لا يكفي الحب وحده لبناء بيت ناجح بل يجب أن يسود العلاقة التفاهم والصبر واستعداد كل طرف لتحمّل المسؤوليات الجديدة التي يرتّبها الزواج».
الحبّ والعقل لبيت ناجح
يُذكر أنّ زيجات العقل والمصالح ما زالت قائمة في عصرنا ولكنّ الكثير منها اتّخذ طابعاً مختلفاً. انفتاح المجتمعات سمح للرجل والمرأة أن يخرجا سوياً فترة طويلة دون الرضوخ لضغوط المجتمع والخوف من عيون الناس، وبالتالي يتسنّى لهما الوقت ليدرسا عقلية بعضهما وفرص نجاح هذا الزواج قبل الإقدام عليه، ولربما كانت هذه اللقاءات فرصةً لاشتعال الحب بينهما، فالحب لا يكون دائماً ثمرة النظرة الأولى بل هناك احتمال أن يولد بفعل المعاشرة والمعاملة والتقارب.
وبالتالي يمكن أن يراهن الشخص على علاقة مدبَّرة تتحوّل بعد بضع لقاءات إلى قصة حبّ، تكسر الفتور، كما يمكن لأيّ قصة حبّ أن تنجح إذا أتت مبنيّة على العقل والتفاهم والاحترام وليس على الهيام وحده.
ففي غالبية الأحيان يتمتّع الزواج المبني على الحب والعقل بفرص نجاح عالية، لأنه يأتي متوازناً عاطفياً وفكرياً تسوده القناعة العقلية وتحميه المشاعر القوية من الانهيار.