في غضون أربعة أيام، حققت المقاومة إنجازاً يمكن وصفه بالتاريخي: للمرة الأولى منذ عام 2011، انتهى وجود تنظيم القاعدة (المسمّى في سوريا «جبهة النصرة») على الحدود اللبنانية السورية. وفي المرحلة المقبلة، ستُنهي أيضاً وجود تنظيم «داعش»، لتصبح كامل منطقة الحدود آمنة من الوجود المسلّح المعادي للبنان وسوريا، بكافة نسخه.
وسبق للمقاومة أن أتمّت، إلى جانب الجيش السوري، تأمين عمق كبير داخل الأراضي السورية، يحفظ أمن لبنان، حاضراً ومستقبلاً. ما جرى في منطقة الحدود تجاوز تحقيق ردع في وجه المسلحين، إذ وصل إلى إبعاد الخطر تماماً.
يوم أمس، أنجزت المقاومة المرحلة الثانية من عملياتها العسكرية التي تستهدف «جبهة النصرة» في الجرود اللبنانية. ومنذ اليوم، ستنتقل إلى المرحلة الثالثة من العملية، وهي الإجهاز على ما بقي من مقاتلين، مع «أميرهم» أبو مالك التلّي، بعدما باتوا محصورين في مساحتين ضيقتين: وادي حميّد والملاهي من جهة، ووادي العويني من جهة أخرى. ما يمكن أن يرجئ إتمام العملية بدءاً من اليوم، هو إعلان الاستسلام، بلا أي شرط. وفي هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن التلّي طلب تدخّل عدد من الوسطاء لإتمام عملية استسلام مقاتليه. وقالت مصادر أمنية رسمية لـ«الأخبار» إن التلّي اتصل بالشيخ العرسالي مصطفى الحريري («أبو طاقية»)، طالباً منه التوجه إلى الجرود لمحادثته. وبحسب المصادر، التقى الحجيري التلّي أمس، بعد تنسيق عملية انتقاله إلى الجرود مع الجيش اللبناني. وقالت المصادر إن خطوة التلي تعني أنه أيقن أن معركته انتهت، وأنه بات يبحث عن سبل للحفاظ على حياته وحياة ما بقي من مسلّحيه.
وفي مقابل طلب الوساطة، تستكمل المقاومة عمليتها، على أن تبدأ، بعد إقفال ملف «جبهة النصرة»، مرحلة القضاء على وجود تنظيم «داعش» في الجرود. وتلفت مصادر ميدانية إلى أن توقيت بدء العملية ضد «داعش» سيبقى مفاجأة، مشيرة إلى أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وعد بتحرير كافة الجرود وكامل السلسلة الشرقية، لا تلك التي يحتلها مسلّحو «جبهة النصرة» وحدهم. يُذكر أن الجزء الأكبر من الأراضي التي يحتلها مسلحو «داعش» تقع قبالة بلدتي راس بعلبك والقاع في الجانب اللبناني، وفي جرود بلدة قارة في سوريا.
ميدانياً، وفيما يقترب عناصر النصرة من المنطقة الخارجة عن سلطة الجيش التي تضم مخيمات للنازحين السوريين، قرب منطقة الملاهي في جرود عرسال، أكدت مصادر عسكرية لبنانية رسمية أن مسلّحي «سرايا أهل الشام الذين انسحبوا سابقاً إلى هذه المخيمات يأخذون على عاتقهم حمايتها ومنع تسلل «النصرة» إليها. وبالتالي، لا خوف من محاولة «النصرة» استعمال النازحين كدروع بشرية. إلا أن الوضع يبقى هشّاً في هذه المنطقة، ولا ضمانة حقيقية بألّا يحصل هذا الأمر».
وكانت المقاومة قد شنّت صباح أمس هجوماً واسعاً من عدة جهات باتجاه وادي الخيل وحصن الخربة في شرق عرسال اللبنانية، وسط تقدم لرجال المشاة ترافق مع اشتباكات عنيفة مع إرهابيي جبهة النصرة. ولاحقاً، تقدّمت مجموعات كبيرة من رجال المقاومة وأحكمت السيطرة بنحو كامل على وادي الخيل، أهم معاقل جبهة النصرة في جرود عرسال، ليرفع بعدها المقاومون رايات «تحية المجاهدين إلى شهداء المؤسسة العسكرية» حملت صور الشهداء الذين ذبحهم إرهابيو النصرة، وهم: الشهيد علي السيد والشهيد محمد حمية والشهيد علي البزال والشهيد عباس مدلج. كذلك رفعوا لافتة مشابهة على مدخل غرفة عمليات النصرة في جرود عرسال المعروفة، في مرتفع حقاب الخيل، التي كان التلّي يدير عملياته منها.
من ناحية أخرى، تمكنت المقاومة من بسط سيطرتها على كامل وادي المعيصرة في الجرد، في موازاة سيطرتها على مرتفع قلعة الحصن الذي يشرف مباشرةً على مثلث معبر الزمراني شرق الجرد، وذلك بعد كسر دفاعات مسلحي جبهة النصرة الذين انهاروا بشكل كامل. وقد أدى هذا التقدم العسكري الواسع إلى تحرير مواقع النصرة في وادي معروف ووادي كحيل ووادي زعرور ووادي الدم ووادي الدقايق. وعلى الأثر، انسحب المسلحون وفروا بواسطة دراجات نارية باتجاه خطوط التماس مع داعش في شرق جرد عرسال، فيما انسحبت مجموعات آخرى باتجاه وادي حميد والملاهي حيث مخيمات النازحين.
وكانت قيادة عمليات المقاومة قد أعلنت أن «المعركة مع جبهة النصرة أصبحت على مشارف نهايتها»، داعية جميع المسلحين في ما بقي من جرود عرسال إلى «حقن دمائهم وإلقاء سلاحهم وتسليم أنفسهم مع ضمان سلامتهم».