عرسال قد تمتد أسابيع وخوف من تداعياتها داخليا
المستقبل :
لا تزال تتوالى ردود الفعل الرافضة للمحاولات الاسرائيلية تكريس احتلال مدينة القدس ولا سيما من خلال فرض إجراءات عقابية تعسفية حول المسجد الأقصى، الذي اعتبرته جامعة الدول العربية «خطاً أحمر» محذرة اسرائيل من اللعب بالنار. وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقف التنسيق الأمني مع تل أبيب قائلاً إنها «ستخسر حتماً لأننا نقوم بحماية الأمن عندها».
فقد أعلن مجلس الجامعة العربية في بيان عن اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية يوم الاربعاء المقبل بناء على طلب من الاردن لمناقشة الأوضاع في القدس. ولاحقا أعلنت الجامعة في بيان ثان تأجيل الاجتماع الطارئ إلى «يوم الخميس بدلا من الأربعاء لضمان مشاركة أكبر عدد من الوزراء».
ونقل بيان عن الامين العام للجامعة أحمد أبو الغيط ان «القدس خط احمر لا يقبل العربُ والمسلمون المساس به». واعتبر ان الحكومة الإسرائيلية «تلعب بالنار وتغامر بإشعال فتيل» أزمة كبرى مع العالمين العربي والإسلامي من خلال فرضها اجراءات امنية للدخول الى الحرم القدسي.
وتأتي تصريحات أبو الغيط بينما يستمر الانتشار الكثيف لجنود الاحتلال في القدس الشرقية مع استمرار آلاف الفلسطينيين في أداء الصلوات
في شوارع القدس وأزقتها في تحدّ علني للإجراءات الاسرائيلية، خصوصا في محيط المسجد الاقصى.
وأضاف البيان نقلا عن أبو الغيط أن «الأيام الماضية أثبتت أن الاعتبارات الأمنية لا تمثل الباعث الحقيقي وراء الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة»، مشيرا إلى أن «ما يجري هو للأسف استكمال لمشروع تهويد المدينة المقدسة، والاستيلاء على البلدة القديمة التي لا تعترف أي دولة في العالم بسيادة إسرائيل عليها».
وحذر الأمين العام الحكومة الإسرائيلية من «الانجراف وراء دعاوى القوى اليهودية المتطرفة التي صارت - كما يتضح للجميع- تقبض على زمام السياسة الإسرائيلية».
وفي القدس قتل خمسة فلسطينيين في مواجهات مع القوات الاسرائيلية خلال اليومين الماضيين، كما قتل شاب فلسطيني ثلاثة اسرائيليين في احدى مستوطنات الضفة الغربية.
ويعقد مجلس الامن الدولي جلسة طارئة بطلب من فرنسا والسويد ومصر وفق ما افاد ديبلوماسيون.
وفي الجانب الفلسطيني أكد عباس ان السلطة اوقفت التنسيق الامني مع اسرائيل التي حذرها من انها «ستخسر حتما لاننا نقوم بحماية الامن عندها».
وقال الرئيس الفلسطيني ان «القرار الذي اتخذناه بوقف جميع أنواع التنسيق سواء الأمني أو غيره ليس سهلا إطلاقا، ولكن عليهم (الإسرائيليين) أن يتصرفوا وأن يعرفوا أنهم هم الذين سيخسرون حتماً، لأننا نقوم بواجب كبير جداً في حماية الأمن عندنا وعندهم».
وكان عباس اعلن مساء الجمعة «تجميد» الاتصالات مع اسرائيل اثر مواجهات دامية بسبب وضع بوابات لكشف المعادن على مداخل الحرم القدسي.
وأوضح أن «هذه البوابات ليس من حقهم وضعها على أبواب الأقصى، لأن السيادة» على المكان «من حقنا، لذلك عندما اتخذوا هذه القرارات، أخذنا موقفا حاسماً وحازماً، وخصوصا في ما يتعلق بالتنسيق الأمني، وكل أنواع التنسيق بيننا وبينهم».
وتابع «نحن نحارب العنف والإرهاب، أما إسرائيل فتريد محاربة الإرهاب من خلالنا وتعتمد علينا ولا تقوم بواجباتها، فهذا ما لا نقبله، لذلك إذا أرادت إسرائيل أن يعود التنسيق الأمني عليهم أن يتراجعوا عن هذه الخطوات التي قاموا بها».
وتوقع الرئيس الفلسطيني ان «تكون الأمور صعبة جدا (...) نحن لا نأخذ قرارات عدمية، وإنما قرارات محسوبة، نأمل أن تؤدي إلى نتيجة». وقال ان «القرار بوقف جميع أنواع التنسيق مع إسرائيل اتخذ بالإجماع من قبل القيادة الفلسطينية».
وفي هذه الأثناء تزايدت الضغوط على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأشار مسؤولون اسرائيليون إلى إمكانية تغيير الاجراءات التي تم فرضها على مداخل الحرم القدسي بعدما أغضب الفلسطينيين وضع سلطات الاحتلال بوابات لكشف المعادن اثر اعتداء ادى الى مقتل عنصري شرطة اسرائيليين.
ولا تزال بوابات الكشف عن المعادن في مكانها الأحد، لكن تم وضع كاميرات مراقبة قرب مدخل واحد على الأقل من مداخل الحرم القدسي في المدينة القديمة في القدس، في إشارة محتملة إلى أنها قد تشكل بديلا لبوابات كشف المعادن.
وعقد نتنياهو اجتماعا حكوميا صباحا. وقال في مستهل الاجتماع «منذ اندلاع الأحداث، أجريت سلسلة من التقييمات مع عناصر الأمن بمن فيهم من في الميدان».
وأضاف «تصلنا منهم صورة محدثة عن الوضع إضافة إلى توصيات بشأن الخطوات القادمة التي سنتخذ قراراتنا بناء عليها».
وأشار الجنرال يواف موردخاي، منسق شؤون الحكومة الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية، إلى إمكانية إحداث تغيير في الاجراءات. وقال موردخاي في مقابلة مع قناة الجزيرة «ندرس خيارات أخرى وبدائل لضمان الأمن».
وانشغلت المؤسستان السياسية والعسكرية في اسرائيل في الامكانيات المتوفرة للتوصل الى حل لأزمة الاقصى، يمنع تسجيل اي قرار لازالة البوابات الالكترونية وكأنه تراجع لاسرائيل، وذلك عشية انعقاد مجلس الامن لبحث ازمة الاقصى، بطلب قدمته مصر وفرنسا والسويد.
وتدرس حكومة نتنياهو، مختلف الوسائل المتاحة كبديل عن البوابات الالكترونية. وحذر وزير الأمن الداخلي غلعاد اردان من احتمال حدوث «اضطرابات واسعة النطاق»، وقال ان إسرائيل قد تستغني عن البوابات الالكترونية للمسلمين الداخلين إلى الحرم بموجب ترتيبات بديلة يجري بحثها. وربما يكون من هذه الترتيبات تعزيز وجود الشرطة عند المداخل وتركيب كاميرات دوائر تلفزيونية مغلقة مزودة بتكنولوجيا التعرف على ملامح الوجوه.
وحذر رئيس اركان الجيش غادي ايزنكوت، من انفجار الوضع عبر مختلف العمليات: إطلاق نار وطعن ودهس، مشيرا الى ان الدافع الذي يقود تنفيذ مثل هذه العمليات هو دافع ديني، وفي ذلك الوضع اخطر من اية فترة سابقة شهدتها القدس.
وحتى مساء امس، واصل البيت الأبيض محادثاته مع اسرائيل، الأردن والسلطة الفلسطينية وجهات أخرى في العالم العربي، في محاولة للتوصل الى حل ينهي الأزمة ويمنع التصعيد حسب ما قالت مصادر اسرائيلية.
ويقوم بتركيز الاتصالات من جانب الادارة الاميركية، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونسيبه جاريد كوشنر، الذي يعمل على حل الأزمة مع المبعوث الأميركي لعملية السلام جيسون غرينبلات.
واشارت المصادر الاسرائيلية الى انه مع وقوع احداث يوم الجمعة ومقتل ثلاثة مصلين في القدس وثلاثة مستوطنين في حلميش، كثف الاميركيون جهودهم للتهدئة كما جرت اتصالات مكثفة بين الاردن والسلطة الفلسطينية وبقية الدول العربية من اجل تنسيق المواقف في موضوع الأقصى. واتصل عباس في نهاية الاسبوع بقادة مصر والاردن والسعودية والمغرب.
وفي اعقاب تنفيذ عملية حلميش ومقتل ثلاثة مستوطنين اتسع الشرخ داخل المؤسستين السياسية والعسكرية الاسرائيلية وهناك من حمل نتنياهو المسؤولية مباشرة لرفضه توصية الجيش والشاباك بإزالة البوابات الالكترونية.
وفي سياق تبادل الاتهامات تبين أن قرار القيادة السياسية بنشر البوابات الالكترونية على مداخل الاقصى تم بناء على توصية الشرطة من دون اجراء مشاورات مع بقية الاجهزة الأمنية.
وبرز الخلاف بين القائد العام للشرطة روني ألشيخ ورئيس الشاباك نداف ارغمان ورئيس الأركان. وادعى ألشيخ انه على خلفية مقتل شرطيين بأسلحة تم تهريبها الى الحرم، يجب اتخاذ الوسائل الكفيلة بمنع تكرار عملية التهريب. اما ايزنكوت فذكّر رئيس الحكومة والوزراء كيف ساهم دخول رئيس المعارضة اريئيل شارون في ايلول 2000، الى الحرم باندلاع الانتفاضة الثانية في اليوم التالي.
وغالبية الوزراء الذين دعموا موقف الشرطة اكدوا بشكل خاص تخوفهم من ان تظهر اسرائيل وكأنها استسلمت للضغط الفلسطيني اذا ازالت البوابات. وقال لهم الوزير يوآف غالانت انه في نهاية الأمر وتحت الضغط الدولي، ستضطر اسرائيل الى إخلاء البوابات، وحذر من ان العالم العربي والمجتمع الدولي لن يسلما بوضع يتم فيه منع صلاة المسلمين في الاقصى لفترة طويلة.
الديار :
حافظت معركة تحرير الجرود المحتلة على زخمها وديناميتها، في اليوم الثالث لانطلاقها، الامر الذي سمح للمقاومة بتطهير ثلثي مساحة جرود عرسال من ارهابيي «النصرة»، والسيطرة على كامل جرد الفليطة في القلمون الغربي بالتعاون مع الجيش السوري.
وقياسا الى ايقاع المواجهة وحصيلتها في الايام الماضية، يمكن الاستنتاج ان الوقت لن يطول قبل ان تستكمل المقاومة الاطباق التام على آخر المواقع التي لا تزال «فالتة»، ضمن حيز جغرافي لا يتجاوز الـ 30 بالمئة تقريبا من النسبة الاجمالية لمساحة جرود عرسال التي كانت تحتلها «النصرة».
ومع انتهاء اليوم الثالث من المعركة، يمكن تظهير الصورة الآتية:
-قيادة حزب الله مرتاحة جدا حتى الآن الى نتائج الهجوم المطابقة للتوقعات، إن لم تكن أفضل، وهي تعتبر ان المعركة تدور وفق ما هو مرسوم ومخطط لها أصلا، ولا توجد اخطاء معينة او مكامن خلل في مسارها.
-القيادة السياسية للحزب فوضت المستوى العسكري فعل كل ما يلزم لتنفيذ القرار المتخذ بتحرير الجرود، وفق ما هو مناسب وضروري، على قاعدة تحقيق «افضل الانجازات باقل الاكلاف».
-المقاومة تخوض المعركة «على ساعتها»، حيث انها هي التي تتحكم بالوقت وليس هو الذي يتحكم بها، وبالتالي فقد تُرك لمجموعاتها ان تتصرف وتدير المواجهة وفقا لما تفرضه الظروف الميدانية، من دون ان تتأثر باي ضغط سواء كان زمنيا او سياسيا.
-الخسائر في صفوف المقاومة هي معقولة جدا، بل تكاد تكون اقل مما كان منتظرا، وفق اوساط حزب الله، وذلك قياسا الى تركيبة العدو الشرس والمتحصن، والى التضاريس الجردية الصعبة والقاسية لدرجة انه نُقل عن أحد قياديي المقاومة قوله: نحن نقاتل الجغرافيا أكثر مما نقاتل «النصرة».
-التكامل بين دوري المقاومة والجيش اللبناني كبير ومنتج، ولو انه مزود بـ «كاتم للصوت»، ومن دون وجود غرفة عمليات مشتركة بالضرورة.
-التنسيق العملاني بين المقاومة والجيش السوري عالي المستوى، وهو تُرجم ببسط السيطرة على كامل جرود الفليطة في القلمون الغربي.
انه «لبنان»..
ومع ذلك، فان هذه الصورة المعبرة والبليغة لم تكن كافية لاقناع أصحاب نظرية «عنزة ولو طارت»، بالتخلي عن العنزة، واستبدالها بالعزة!
ولكن.. هل يكفي ان نقول انه «لبنان» حتى يصبح كل أمر نافر وعبثي مألوفا ومعتادا؟
هل يكفي ان نقول انه «لبنان» حتى يصبح من يحارب الارهاب ويتصدى له متهما في ولائه الوطني ومطالبا بتبرير تضحياته؟
هل يكفي ان نقول انه لبنان حتى تصبح «جبهة النصرة» مجرد فصيل معارض يحظى بتعاطف البعض، إما نتيجة تشويش في البصيرة وإما نكاية بالخصم السياسي؟
هل يكفي ان نقول انه «لبنان» حتى يصبح «الشهيد» قتيلا والارهابي ثائرا، وفق تصنيف بعض القواميس، فتختلط المفاهيم والتعريفات من دون ترسيم للحدود بينها؟
هل يكفي ان نقول انه «لبنان» حتى يصبح مقبولا ان يقف البعض على الحياد في معركة مصيرية ضد التكفيريين لا تحتمل التأويل، بل لعل هناك من وصل به «الكيد السياسي» الى حد ان ينحاز ضمنا او علنا الى جانب هؤلاء برغم معرفته انه سيكون اول ضحاياهم إذا انتصر منطقهم وتمددت منطقتهم؟
هل يكفي ان نقول انه «لبنان»، حتى يصبح طبيعيا ان تجول «أحصنة طروادة» في الداخل، بينما يخوض المقاومون أشرس مواجهة في أعالي الجرود؟
هل يكفي ان نقول انه «لبنان» حتى يستسهل العبثيون الإساءة الى جهد المقاومة وتضحياتها في مواجهة مجموعات مسلحة، لا نقاش حول ظلاميتها، وجرى تصنيفها بانها ارهابية من قبل الامم المتحدة وعواصم المجتمع الدولي، وحتى من قبل جهات اقليمية تعادي حزب الله؟
ان المعركة التي تخوضها المقاومة حاليا ضد الارهاب التكفيري الذي يحتل الجرود هي مطابقة في مواصفاتها ومعانيها لتلك التي سبق ان خاضتها ضد العدو الاسرائيلي عندما كان يحتل الجنوب. وبهذا المعنى، فان شرعية السلاح والمهمة لا يمكن ان تتجزأ، وانما تمتد مظلتها من الحدود الجنوبية الى الحدود الشرقية، في مواجهة اي احتلال وعدو.
وإذا كان الانقسام الداخلي حول المشاركة العسكرية لحزب الله في حرب سوريا يمكن تفهمه ربطا بتضارب الانتماءات والمقاربات والحسابات والتحالفات، فان ما يستحيل تقبله هو حصول فرز بين «مع» و«ضد»، في شأن معركة «نظيفة» و«نقية» على المستويين الوطني والانساني، ولا لبس فيها بتاتا، للاعتبارات الآتية:
-ان الارض المحتلة التي يجري تحريرها في جرود عرسال هي ارض لبنانية، تندرج ضمن مساحة الـ 10452كلم2، ما يعني ان استعادتها حق وواجب، وفقا لكل الشرائع.
- ان العدو المستهدف هو مزيج تكفيري- ارهابي من «النصرة» و«داعش»، وبالتالي لا مجال للحيرة او التردد في حسم الخيار.
- ان المواجهة اندلعت بعدما اضاع المسلحون فرصا عدة منحها لهم حزب الله من أجل الانسحاب.
- ان مردود الانتصار سيعود على جميع اللبنانيين بالتأكيد، خصوصا لجهة تحصين الامن والاستقرار، وفي طليعة «الرابحين» أهالي عرسال الذين سيستعيدون ارضهم المسلوبة وحرية حركتهم.
ولعل أبلغ تعبير عن هوية المواجهة ومضمونها هو رفع العلم اللبناني الى جانب علم حزب الله، فوق احد المواقع الاستراتيجية التي اقتحمتها المقاومة في الجرود. ان هذه الاشارة تحمل من الرمزية والدلالة ما يكفي لوضع مسار المعركة في نصابها الصحيح وتأكيد ابعادها الوطنية الشاملة، العابرة للطوائف والمذاهب.
وعليه، فان كل منزل في لبنان معني مباشرة بما يدور في اقاصي الجرود، لان الخطر النابع من كهوف الارهابيين ومغاورهم لم يكن يميز بين منطقة واخرى، وطائفة وأخرى، كما يتبين من الاعتداءات السابقة على الاهداف المدنية ومن اعترافات اعضاء الشبكات التخريبية التي سبق ان أوقفتها القوى الامنية ومخابرات الجيش.
انها لحظة الترفع عن الصغائر الهزيلة والمماحكات التقليدية، وقد كان أجدر بخصوم حزب الله، ان يتجاوزوا حساسياتهم امام هذه المحطة المفصلية، وان يعلقوا ولو لبضع ايام مفاعيل هذه الخصومة وأدبياتها، ليس فقط انسجاما مع الضرورات الوطنية والامن القومي، وانما كذلك احتراما لدماء الشهداء والجرحى ولمشاعر ذويهم ومحبيهم.
الامور لا تقاس ولا تحسب دائما بناء على تكتيكات السياسة ونكاياتها، بل ان الجانب الاخلاقي يفرض احيانا اتخاذ مواقف استثنائية، أسمى من الزواريب والحرتقات.
وانطلاقا من هذا الاعتبار الاخلاقي، يُفترض بالجميع من دون استثناء ان يتواضعوا امام مقاومين، في مقتبل العمر، يضجون بنبض الحياة وثقافتها وحيويتها ونجاحاتها وطموحاتها، لكنهم أدركوا ان الوجه الآخر لها لا يكتمل من دون كرامة وسيادة وحرية واستقلال، فتطوعوا لتسلق مرتفعات هذه القيم واستعادتها، نيابة عن جميع اللبنانيين، ومن أجلهم.
اما المعترضون، فلا بأس في وضع عدد من الاسئلة بتصرفهم:
الا تشعرون بوخز الضمير حين تتأملون في وجوه الشهداء السمحة والمبتسمة؟
الا تشعرون بالحرج حين تدققون في سيرهم الذاتية؟
الا تشعرون بالندم حين تعرفون بطولاتهم وانجازاتهم؟
ألا تشعرون بالخجل حين تكتشفون نقاء آبائهم وأمهاتهم؟
الا تشعرون بالارتباك حين تباغتكم دموع أبنائهم ومحبيهم؟
ان حزب الله، وبمعزل عن نسبة الاتفاق او الاختلاف معه، هو شريك دائم وثابت للآخرين في الوطن والدولة، وهذه حقيقة تكويني ة- كيانية راسخة ومستمرة، بعد جرود عرسال وقبلها، وبعد الحرب السورية وقبلها، في حين ان «النصرة» و«داعش» هما جسمان غريبان وطارئان، مصيرهما الزوال عاجلا ام آجلا، وبالتالي فان الحكمة والمصلحة على حد سواء تقتضيان الاقرار بهذه الحقيقة، والعمل بمقتضاها من دون مكابرة او عناد.
ان الدول الطبيعية والسليمة ترتقي في مثل هذه الظروف الى مستوى التحدي الوجودي الذي تواجهه، فتتجاوز الخلافات الداخلية والصراعات الجانبية، اقله مرحليا، حتى تكون على قدر المسؤولية إزاء التهديد المحدق، ثم تعود بعدما تنتصر على عدوها الى ترف لعبتها الداخلية ومجرياتها..
اما الذين يعتبرون ان تحرير الجرود يجب ان يكون من شأن الجيش اللبناني حصرا، فان مشكلتهم الحقيقية ليست مع حزب الله وانما مع السلطة التي امتنعت عن منح الجيش القرار السياسي لتنظيف تلك الجرود واستعادتها الى حضن الوطن، برغم مضي سنوات طويلة على احتلالها، وبرغم ان المؤسسة العسكرية ذاتها دفعت ثمنا باهظا لانتشار المجموعات الارهابية فيها.
ثم يحدثونك بعد ذلك عن مصادرة قوى «الامر الواقع» لقرار الحرب والسلم، وتفردها به..
ان الحريصين على إبقاء هذا القرار بحوزة الدولة، كانوا امام فرصة ثمينة لاثبات القدرة والشجاعة على تحمل تلك المسؤولية في الوقت المناسب، لو تم تكليف الجيش بتحرير الجرود اللبنانية المحتلة واجتثات الجماعات الارهابية منها.
لكن، ولما كانت التوازنات والتعقيدات والنيات والارتباطات قد حالت دون ذلك، فلا ينبغي ان يلومن أحد المقاومة لانها بادرت الى سد الفراغ، بل اضعف الايمان شكرها او اقله الامتناع عن التشويش عليها والاساءة اليها، إذا كان متعذرا بالنسبة الى البعض الانخراط في القتال الى جانبها.
ان الصورة التي تليق بلبنان وأهله، في هذه اللحظة، هي صورة مواطنين من ابناء بلدة القاع المسيحية، بادروا الى التبرع بالدم لمساعدة المقاومة والجيش والتضامن معهما، من دون التوقف عند اي اعتبار مناطقي او طائفي. هذه العاطفة «السائلة» تعكس حقيقة نبض الشارع الذي يبدو اكثر وعيا وعمقا من بعض قيادييه، وهذا النوع من السلوك هو البديل عن الانزلاق الى «قاع» المواقف.
مهما يكن من أمر، يبقى ان «المشاغبين» على معركة التحرير هم قلة، فيما بدا واضحا ان مشروعية المواجهة التي تخوضها المقاومة تركت تاثيرها الكبير والايجابي على المزاج الاجمالي حيالها، وهو الامر الذي انعكس نضارة متجددة في اشكال للتضامن مع المقاومة، ضمن اوساط كانت قد «فترت» همتها او عواطفها نسبيا خلال السنوات الماضية.
الوقائع الميدانية
على الصعيد الميداني، واصل عناصر المقاومة تقدمهم على الارض، وشد الخناق على مسلحي «النصرة»، حيث باتت أكثر من 70 بالمئة من جرود عرسال محررة، الى جانب سيطرة المقاومة والجيش السوري على مجمل جرود فليطة في القلمون الغربي، ما يُضيّق الخيارات امام الارهابيين الذين باتوا محاصرين في رقعة ضيقة.
وقد تمكنت المقاومة امس من الاطباق على وادي العويني المصنف من اهم معاقل «النصرة»، كما دخلت الى مقر عمليات الجبهة الارهابية في حقاب الخيل، اضافة الى الإمساك بمرتفع شعبة القلعة وشعبة نحلة التي تشرف على وادي المعيصرة.
وبات وادي الخيل في جرود عرسال، بحكم الساقط عسكريا بعد استكمال السيطرة على المساحات الجردية والتلال المرتفعة المحيطة به، علما ان هذا الوادي يشكل عمقا حيويا لـ «النصرة».
وافاد «الاعلام الحربي» عن انسحاب احد مسؤولي «النصرة» المدعو ابو طلحة الانصاري مع حوالى 30 من مسلحيه في اتجاه قلعة الحصن، شرق جرد عرسال بعد التقدم الكبير للمقاومة.
وقد ترافقت العمليات العسكرية المتواصلة والانجازات العسكرية، مع توقيف مخابرات الجيش للمدعو خضر الفليطي في عرسال، لتعاونه الامني مع «داعش».
الجمهورية :
يومٌ ثالث خاضَ فيه الجيش اللبناني و«حزب الله» مزيداً من المواجهات في جرود عرسال على طريق تحريرها من «جبهة النصرة» و«داعش» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، بحيث لم يَعلُ في الساحة صوتٌ سوى صوتِ المعركة التي يبدو أنّها ستستمرّ حتى إنجاز المهمّة التي حُدّدت لها، وهي تحرير الحدود اللبنانية ـ السورية من الاحتلال الإرهابي وما يشكّله من تهديد للأمن اللبناني عموماً. وحسب المعطيات، فإنّ اليوم الثالث من المعركة انتهى إلى استعادة سبعين في المئة من جرود عرسال التي تسيطر عليها «النصرة»، وسُجّلَ فيها سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف الإرهابيين، في وقتٍ شيَّع «حزب الله» مجموعة من شهدائه الذين سقطوا في المواجهات وتوزّعوا على مناطق عدة في البقاع والجنوب وبيروت. كلّ ذلك يجري وسط هدوء على الجبهة السياسية خرَقته زيارة الرئيس سعد الحريري إلى واشنطن التي سيتوّجُها بلقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب غداً الثلثاء في البيت الأبيض، إذ سيكون ملفّ مكافحة الإرهاب أحد أبرزِ المواضيع التي ستتناولها المحادثات اللبنانية ـ الأميركية.
قالت مصادر شاركت في كواليس التحضير لزيارة الحريري لواشنطن لـ«الجمهورية» إنّ الحريري يخوض محادثات صعبة والموضوع الاكثر سخونة الذي سيُثار خلالها بالتزامن مع معركة عرسال سيكون دور «حزب الله» حيث يرفض الاميركيون ايّ تنسيق بينه وبين الجيش اللبناني وقد ابلغوا هذا الرفض سرّاً الى الجانب اللبناني عبر القنوات المعنية بهذا الامر، إذ انّه على اثر زيارة ضباط من الجيش لمعلمِ مليتا قدّم ثلاثة من اعضاء الكونغرس اقتراحات بتجميد المساعدات الاميركية للجيش. (التفاصيل ص.7)
ميدانياً
ميدانياً خاض الجيش اللبناني و»حزب الله» أمس في جرود عرسال مزيداً من المواجهات الكبيرة مع «جبهة النصرة» وبقيّة التنظيمات الارهابية، وانتهت الجولة الثالثة من المواجهات الى توسيع رقعة سيطرة «حزب الله» وتحرير ما يزيد عن سبعين في المئة من هذه الجرود، إذ اقتحَم مراكز ومواقع مهمة لـ«جبهة النصرة» وسيطر عليها، وأبرزُها وادي العويني ومرتفع شعبة القلعة الذي يعَدّ يرتفع 2350 م عن سطح البحر ويشرف على واديَي الدب والريحان. ودخل مقاتلوا الحزب إلى مقر قيادة عمليات «النصرة» في عقاب الخيل.
كذلك حرّر مقاتلو الحزب جرود فليطة السورية بكاملها. وأكّدت غرفة عمليات المقاومة أنّ 46 قتيلاً وعشرات الجرحى من «جبهة النصرة» سَقطوا في حصيلة اليوم الثالث من المعارك في جرد عرسال، فيما لقيَ 23 آخرين مصرعَهم في جرد فليطة في القلمون الغربي.
وإذ أقرّت «تنسيقيات» المعارضة المسلّحة في سوريا بسقوط عدد كبير من مسلحي «النصرة» في معارك الجرود هذه الواقعةِ بين الحدود اللبنانية ـ السورية، أعلنَت «سرايا أهل الشام» (المتحالفة مع «جبهة النصرة»، وإحدى فصائل «الجيش السوري الحر») وقفَ إطلاقِ النار في جرود عرسال تمهيداً للمفاوضات والتحضير لخروج آمنٍ لمسلّحيها أو الاستسلام للجهات المختصة.
الجيش
وفي موازاة ذلك، ظلّ الجيش ثابتاً على موقفه ومؤدّياً الدور الوطني المطلوب منه، متصدّياً لتسللِ أيّ مِن المسلحين الى داخل عرسال أو الى مواقعه.
وأكّد مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ «الجيش ما زال يترصّد أيّ تحرّكات مشبوهة في اتّجاه مواقعه ويقصف المسلحين الذين يقتربون من عرسال»، لافتاً الى أنّ «الجيش دخل أمس مع الصليب الأحمر الى مخيمات وادي حميد حيث نَقلوا عدداً من النساء والأطفال والجرحى الى بلدة عرسال، تحت إشراف مندوب الأمم المتحدة، كما أنّ الصليب الأحمر وبالتعاون مع الجيش أدخَل بعض المساعدات الى مخيمات عرسال». وأشار الى أنّ «قوّة من مخابرات الجيش نفّذت صباح أمس عملية أوقفَت فيها أحد تجّار الأسلحة الذي كان يُزوّد «داعش».
وإذ تَردَّدت معلومات عن احتمالِ تحرّكِ خلايا نائمة لخطفِ عسكريين وأمنيين، أكّد مصدر أمني لـ«الجمهورية» أنّ إجراءات الحيطة والحذر اتُّخِذت، على رغم أن لا معلومات عن أشخاص معيّنين في هذا الموضوع».
وكشف أنّه «سبق لأحد الموقوفين خلال عملية جرت الأسبوع الماضي أن أدلى بمعلومات عن إمكانية تحرّكِ خلايا نائمة في عدد من مخيمات عرسال يبلغ عدد عناصرها 150 عنصراً لتنفيذ عمليات أمنية ضدّ وحدات الجيش المنتشرة ودورياته وقَطعِ طرقِ إمداداته ومواصلاته، إلّا أنّ المتابعة الأمنية الدقيقة بيَّنت عدم صحة هذه المعلومات، أقلُّه حتى الساعة، غير أنّ الأجهزة المعنية لا يمكنها التغاضي عن أيّ معلومة مهما كان نوعها، حرصاً على أمن أفرادها وسلامتهم».
«الحزب»
وإلى ذلك اعتبَر الحزب، بلسان أحد نوّابه السيد نواف الموسوي، أنّ مَن يختلف معه اليوم في معركة جرود عرسال «قد اختار أن يكون حليفاً للمجموعات الإرهابية التكفيرية، سواء كان اختياره عمداً أو عن غير عمد، عن وعي أو عن غير وعي».
واعتبر أنّ «البعض في لبنان اختار بكلّ وقاحة أن يُحالف النجاسة نكايةً بالطهارة، وأن يناوئ ويضادّ «حزب الله» بمعزل عن أيّ شيء يقوم به، خصوصاً أنّ هذه المعركة التي نخوضها اليوم في الجرود، هي معركة لبنانية صرف مئة في المئة، فلماذا يختار البعض في لبنان أن يكون حليفاً موضوعياً وإعلامياً ونفسياً للمجموعات الإرهابية التكفيرية، وخصوصاً الشامتين بعدد شهدائنا، أو الذين يهوّلون على أهلنا؟».
واعتبَر الموسوي أنّ «على البعض في لبنان أن يخجلَ من اختياره موقعَه إلى جانب المجموعات الإرهابية التكفيرية»، و»أن يصمتَ بدلاً من أن يكون شريكاً لأعداء الوطن في احتلالهم أرضَنا اللبنانية التي نجعلها مقدّسةً بدماء شبابنا الطاهرة».
جابر
وقال العميد المتقاعد هشام جابر لـ«الجمهورية»: «إنّ معركة عرسال كان لا بدّ منها، وفي تقديري أنّها حُسِمت عسكرياً إلى حدّ كبير من جانبين: من جانب الجيش ومن جانب «حزب الله»، وبقيَت «داعش» في المقلب الآخر مقابلَ القرى المسيحية، وتحديداً قبالة رأس بعلبك و«الفاكهة» والقاع. لكن نستطيع القول إنّ أوّل خطوة من المعركة ضد «جبهة النصرة» أصبحت محسومة عسكرياً».
وإذ أكّد جابر أن «لا أحد يستطيع التكهّن بالمدى الزمني لمعركة جرود عرسال»، اعتبَر «أنّ المعركة مع «النصرة» أصعبُ من المعركة مع «داعش» التي ستكون أسهلَ مع هذا التنظيم، لأن لا تواصل بينه وبين عرسال أو أيّ قرية لبنانية، خلافاً لـ«جبهة النصرة» التي لديها تواصُل مع عرسال، وكنّا نتخوّف من أن يُضرَب الجيش في خاصرته من مخيّمات عرسال، ثمّ إنّ داعش» بعد هزيمة «النصرة» ستصبح في وضعٍ صعب».
وقال: «عندما تنتهي معركة الجرود، الجيش حتماً يرتاح وسيقتلع شوكةً كبيرة من خاصرته ويَنزع حِملاً كبيراً عن كاهله، لأنّ لديه مشكلةً أساسية وهي مواجهة الإرهاب وهو يُستنزف».
إلّا أنّ جابر رَفض اعتبارَ أنّه مع انتهاء معركة الجرود لبنانُ سيرتاح من الإرهاب، وقال: «حتماً سيرتاح من الإرهاب الموجود فوق الارض، إلّا أنّ الإرهاب الموجود تحت الارض يجب أن نظلَّ متيقّظين منه، فالمجموعات الإرهابية عندما تترنّح عسكرياً تنشط أمنياً».
عبد القادر
وبدوره العميد المتقاعد نزار عبد القادر قال لـ«الجمهورية»: «أودّ أن أوضح أوّلاً أنّ هناك اعتقاداً 90 بالمئة، وتحت تأثير دعاية «حزب الله» بأنّ المعركة هي لتحرير جزء من لبنان، بينما كلّ القتال يَجري على الأراضي السورية، وأكبر دليل أنّ إعلام الحزب قال إنّه حرَّر مرتفعات فليطا، وفليطا هي بلدة في القلمون السوري وليست قريبة إلى هذا الحدّ من حدود لبنان.
وثانياً، لا يمكن الحكم على مدى المعركة لأنّ «حزب الله» يحارب اليوم «النصرة» الموجودة في المنطقة المقابلة لعرسال بينما هناك فريق ثانٍ أقوى وقد يكون أصعب مراساً وهو «داعش» الموجود في المناطق الجبلية المقابلة لرأس بعلبك والقاع في البقاع الشمالي.
لذلك، فترة المعركة يقرّرها مدى مقاومة مقاتلي «النصرة» وبعدها مقاتلي «داعش». كذلك فإنّ مدى القتال يتعلق بعناصر عدة: الإرادة للقتال، توافر التموين والذخائر اللازمة للمعركة، وهذا عنصر أساسي في تقرير مسار المعركة وسرعة إنجازها.
ثمّ إذا كان تسريع المعركة يعني الاندفاع لهجوم سريع، فهذا دونه مخاطر معيّنة على «حزب الله» أن يأخذَها في الاعتبار، وإذا كان مستعدّاً لدفع خسائر متوسّطة أو كبيرة ففي إمكانه تسريعُها. أمّا إذا كان غيرَ مستعدٍّ لدفعِ أثمانٍ عالية في الهجوم لتسريع الأمور عندئذ يخوض معركة استنزافٍ إلى حين سقوط المواقع الواحدَ تلوَ الآخر.
في كلّ الحالات يبدو من سياق المعركة الراهن أنّه إذا لم يحصل توافُق على خروج «النصرة» ومِن بعدها «داعش» يمكن أن تستغرقَ المعركة ليس ساعاتٍ ولا أياماً بل أسابيع».
اللواء :
في اليوم الرابع للحرب الدائرة في جرود عرسال اللبنانية، وفليطا السورية، تتوضح معطيات الموقفين السياسي والعسكري، ضمن سياق جملة أهداف استراتيجية، ذات صلة بالوقائع الميدانية والقتالية والتفاوضية في عموم المنطقة، من الموصل إلى درعا، فالرقة، والشمال السوري، والجنوب السوري وصولاً إلى الغوطة الشرقية، وتفاهمات وقف النار في سوريا بتفاهم أميركي – روسي.
وفي غمرة هذه المعطيات، يبدأ الرئيس سعد الحريري على رأس وفد يضم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومدير مكتب الرئيس الحريري السيّد نادر الحريري زيارة رسمية للولايات المتحدة، يلتقي خلالها مسؤولين في الكونغرس والخزانة الأميركية ومسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وغداً، يستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئيس الحريري، في أوّل لقاء رفيع من نوعه بين الإدارة الأميركية الجديدة ولبنان، بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل الحكومة الحالية.
ومن المؤكد ان مشاريع قوانين العقوبات الأميركية التي تمّ تحضيرها قبل وصول الوفد اللبناني ستكون على طاولة المحادثات، فضلاً عن الجهود الجارية لمحاصرة «الارهاب» ومواجهته، وقضية النازحين السوريين التي بدأ لبنان ينوء تحت اثقالها، وهو ما أكّده الرئيس ميشال عون، داعياً لإيلاء عودة هؤلاء إلى بلادهم الأهمية اللازمة.
ووصل الرئيس الحريري إلى واشنطن، ومن هناك تابع الوضع السياسي والميداني في عرسال، وأجرى اتصالاً لهذه الغاية بوزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، وكشف الوزير المرعبي ان الاتصال كان للاطمئنان على أوضاع أهالي عرسال والنازحين السوريين فيها، ناقلاً تعازيه لذوي الشهيد أحمد فليطي.
واستبعد مصدر وزاري عوني لـ«اللواء» ان يكون لمعارك الجرود تداعيات سلبية، لا سيما على زيارة الرئيس الحريري إلى واشنطن أو على الوضع الداخلي، والتماسك الحكومي.
وفي تقديره انه أصبحت لدى الرئيس الحريري أوراق تفاوضية في المجالات الأمنية والاقتصادية وحماية الوضع المالي، عدا عن انه يذهب إلى واشنطن محصناً بإجماع سياسي وشعبي على مكافحة الارهاب ودعم الجيش وحماية الاقتصاد، وبقرار حكومي بإعطاء الضوء الأخضر للجيش للتصرف بما يراه مناسباً في جرود عرسال لحماية البلدة وأهلها وحماية النازحين.
وعلق باسيل على ما تشهده منطقة عرسال فقال: «نغادر إلى واشنطن وعرسال تعود إلى أهلها».
وعن أجواء التشكيلات الدبلوماسية الأخيرة، قال: «ان وزير الاشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس طالب بسفيرين في الجلسة الحكومية، وكان له ما طلب».
الى ذلك، أوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن الرئيس عون يتابع اول باول تفاصيل التطورات الأمنية في عرسال ويتلقى التقارير عنها.
وتحدثت المصادر عن إجراءات كاملة يتخذها الجيش على الحدود وعن تنسيق يتم مع أهالي عرسال في هذا الشأن،مذكرة أن القتال يجري خارج الأراضي اللبنانية. وأكدت أن الجيش يتسلح بالوعي الكامل ويقوم بمهامه كاملة وهو ليس بطرف إلا إذا تعرضت الحدود لأي تهديد.
من ناحية ثانية، توقع مصدر حكومي ان لا تعقد الحكومة جلسة لها هذا الأسبوع على الارجح بسبب سفر الرئيس الحريري إلى واشنطن، حيث من المتوقع ان يعود الجمعة، لكن المصدر اشار إلى ان الرئيس نبيه برّي قد يدعو إلى جلسة نيابية عامة هذا الأسبوع أو الذي يليه لاستكمال مناقشة وإقرار باقي البنود التي كانت واردة على جدول أعمال الجلسة الأخيرة.
وفي مجال اخر، اكد وزير العدل سليم جريصاتي لـ«اللواء» ان اعتكاف القضاة عن العمل بسبب احتجاجهم على ماطالهم في سلسلة الرتب والرواتب هوعلى طريق الحل، كذلك التشكيلات القضائية، ونحن نعمل بإيجابية على الموضوعين، عملا بالمثل القائل: اشتدي ازمة تنفرجي.
معركة الجرود
ميدانياً، اتسمت وقائع اليوم الثالث من معركة الجرود، بسيطرة «حزب الله» ومعه الجيش السوري، على نحو 70 في المائة من جرود القلمون الغربي مع كامل جرود وادي فليطة السورية، وباتت مواقع جبهة «النصرة» محصورة في وادي حميد والملاهي في جرود عرسال، بالإضافة إلى وادي الخيل الذي يتحصن فيه أمير هذه الجبهة أبو مالك التلي، على الرغم من معلومات أفادت ان وادي الخيل ومنطقة الكسارات، أكبر معاقل «النصرة» اصبحتا ساقطتين عسكرياً، بعد التقدم السريع الذي احرزه «حزب الله» داخل الأراضي اللبنانية من جرود عرسال بعد سيطرته الاستراتيجية المحيطة بالوادي الذي يفصل بين جرود عرسال وعرسال البلدة.
وتستمر المعارك في هذه الاثناء، بين مقاتلي الحزب ومسلحي «النصرة» مترافقة بغزارة من نيران المدفعية والقذائف الصاروخية، في وقت أعلنت فيه مجموعة «سرايا أهل الشام» المنشقة سابقاً عن «داعش» و«النصرة» انسحابها من ميدان القتال، ووقف النار، وافساح المجال امام مفاوضات أوكلت إلى التلي أمر ادارتها عن المسلحين.
وفي هذا السياق، تجددت الاستعدادات للتفاوض، وترددت معلومات ان أمير النصرة مالك التلي أقرب إلى القبول بالانسحاب من جرود عرسال نحو أدلب السورية، على وقع التطورات الميدانية والعسكرية، وتبدل المواقع في هذه الجرود، وبعدما باتت جرود فليطة خالية تماماً من المسلحين، ومباشرة «حزب الله» والجيش السوري باجراء عمليات تمشيط لهذه المنطقة.
ولاحظت المعلومات، ان الحزب الذي دفع بفائض قوة إلى الجبهة، يتحاشى الدخول في حرب استنزاف طويلة مع المسلحين ويسعى إلى إحراز نصر قريب، ليتفرغ لاحقاً إلى قتال تنظيم «داعش» في المحور الشمالي للجبهة مقابل رأس بعلبك، والذي ما يزال هادئاً نسبياً حتى الساعة.
وكان «حزب الله» أحكم سيطرته العسكرية والميدانية على وادي العويني بجرود عرسال، وهو أحد النقاط الاستراتيجية لجبهة «النصرة» واحد خطوط الامداد الرئيسية الذي يربط الأراضي السورية بجرود عرسال، كما تمت السيطرة على مرتفعات شعبة القلعة الجبلية التي تشرف على وادي الدب والريحان.
وأفاد الإعلام الحزبي للمقاومة عن انسحاب أحد مسؤولي «النصرة» «أبو طلحة الانصاري» مع حوالى 30 من مسلحيه باتجاه قلعة الحصن في جرود عرسال.
أم حصيلة المعارك، فقد بلغت وفق تنسيقيات المسلحين سقوط 46 قتيلا من «النصرة» في جرود عرسال و23 قتيلاً في جرود فليطة، كما اعترفت التنسيقيات بسقوط عدد كبير من الجرحى نقلوا إلى مستشفيات ميدانية في واد حميد، في حين سقط لحزب الله 17 شيع معظمهم في الضاحية الجنوبية والبقاع.
ومن جهته، احكم الجيش اللبناني سيطرته على عرسال البلدة والجرود، وضبط محيط البلدة من اتجاهاتها الأربعة، فيما تصدى لأكثر من محاولة قام بها مسلحون للتسلل إلى داخل عرسال التي شيّعت شهيدها نائب رئيس البلدية السابق أحمد فليطي، الذي استشهد السبت بقذيفة صاروخية أصابت سيارته في وادي حميد أثناء محاولته التوسط لوقف النار مع جبهة «النصرة».
وأصدرت قيادة الجيش بياناً اتهمت فيه «النصرة» باستهداف الفليطي بقذيفة صاروخية، في حين طالبت عائلة الفليطي وأهالي عرسال بتحقيق شفاف وبكشف ملابسات اغتياله وتركه ينزف حتى وصوله إلى المستشفى حيث فارق الحياة.
وأعلن الحزب ليلا انه استعاد من جبهة «النصرة آلية للواء الثامن في الجيش اللبناني كان استولى عليها المسلحون في العام 2014.
لن نموّل فسادكم نقابياً وسياسياً
تحت عناوين «منرفض نموّل فسادكم»، «سكوتنا ضريبة»، «مش دافع»، نفّذت مجموعات الحراك المدني ونقابات وأحزاب، وقفة احتجاجية قرب مجلس النوّاب لجهة مبنى بلدية بيروت، رفضاً لفرض ضرائب مباشرة وغير مباشرة تطال الطبقات الفقيرة والوسطى، شارك فيها قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني، الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني، وحزب الكتائب وحملات «جايي التغيير» و»بدنا نحاسب» و»طلعت ريحتكم» وغيرها.
وانطلقت التظاهرة من أمام مبنى بلدية بيروت، ثم سار المشاركون الى شارع المصارف، حيث مدخل مجلس النواب، وهتفوا مطالبين بعدم فرض الضرائب على الفقراء، ودعوا أعضاء المجلس الى عدم تغطية السرقة والسارقين وكرروا تأكيدهم على عدم دفع الضرائب والفواتير الجديدة، ثم اتجه المتظاهرون الى رياض الصلح حيث توقفوا لفترة وجيزة أمام مجلس النواب من جهة رياض الصلح وهتفوا بوقف الضرائب والهدر والسرقة. بعد ذلك أكملت المسيرة طريقها الى ساحة الشهداء وصولا الى أمام مبنى بلدية بيروت
الاخبار :
مرة جديدة، تُثبت المقاومة أنها حامية البلاد، ومحرّرة الأرض. من تحرير العام 2000، إلى منع الاحتلال و«فتح كوّة في جدار الردع الإسرائيلي» عام 2006، وصولاً إلى منع المنظمات الإرهابية من السيطرة على الحدود اللبنانية السورية بدءاً من العام 2012، وأخيراً، تحرير جرود عرسال المحتلة.
في غياب الدولة، وعجز السلطة السياسية عن اتخاذ قرار لحماية السيادة، ليس من حامٍ للبلاد سوى المقاومة، بدماء أبنائها، وبخبرتها المتراكمة منذ أكثر من ثلاثة عقود. هذه الوقائع لم تعد قناعة عند فئة صغيرة من اللبنانيين، ولا هي حكر على جمهور المقاومة وحده. ثمة تضامن واسع، عابر للقوى السياسية وللاصطفافات الطائفية، يعبّر عن نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مواقف سياسيين وفنانين وناشطين ومثقفين ووسائل إعلام لا تكن الود للمقاومة ولا لمشروعها، يؤيدون بوضوح عملية تحرير الجرود. القوى المعادية للمقاومة بدت معزولة، فرفعت أمس صوتها، لكن بلا طائل. حتى تيار المستقبل وجد نفسه محرجاً، فهرب من اتخاذ موقف، نحو إطلاق المواقف المؤيدة للجيش، والحديث عن «لا جدوى المعركة»، والاكتفاء بـ«التنقير» عليها، او محاولة شد عصب الجمهور وتوجيهه، على وسائل التواصل الاجتماعي، نحو تمني أن تطول المعركة ليخسر المتقاتلون جميعاً!
ثلاثة أيام مضت على انطلاق معركة تحرير جرود عرسال من احتلال «جبهة النصرة» الإرهابية. أيامٌ قليلة كانت كافية حتّى يُحقق رجال المقاومة تقدّماً أسرع ممّا كان مُخططاً له. لا يُعدّ الأمر مفاجأة، مقارنةً بخبرات المقاومين القتالية التي تعود إلى سنوات بعيدة، ومقارعتهم للإرهابيين في سوريا منذ 2011. ولكن، هناك عوامل عدّة كانت تشي بأنّ معركة جرود عرسال قد تكون أكثر صعوبة مما ظهرت عليه. الجغرافيا التي تدور عليها العمليات صعبة، وشديدة الوعورة. الجزء الأكبر منها يرتفع أكثر من 2000 متر عن سطح البحر، وفيها الكثير من الوديان والتلال والهضاب والمغاور والكهوف. طبيعة هذه المنطقة تلعب دوراً إيجابياً لمصلحة المدافعين، إذ يمكنهم استغلال تضاريسها الطبيعية ليكمنوا للمقاومين، مستخدمين الصواريخ الموجهة، المضادة للدروع، التي يملكون أعداداً كبيرة منها، ويوقعوا أكبر عدد ممكن من الخسائر في صفوف المهاجمين. كذلك فإنّ رجال المقاومة يُقاتلون على الأرض من دون غطاء جوي داخل الاراضي اللبنانية. أضف إلى ذلك، أنّ المقاومة تُقاتل فرقاً إرهابية تُعدّ من قوات «النخبة» بين المجموعات المسلحة في سوريا. فالإرهابيون في جرود عرسال خبروا المنطقة التي ينتشرون فيها منذ ستّ سنوات جيداً. بالاستناد إلى عامل الجغرافيا والظروف القتالية لـ«النصرة»، يُمكن القول إنّ هؤلاء كان من المفترض أن يخوضوا حرباً دفا<