لا تزال تتوالى ردود الفعل الرافضة للمحاولات الاسرائيلية تكريس احتلال مدينة القدس ولا سيما من خلال فرض إجراءات عقابية تعسفية حول المسجد الأقصى، الذي اعتبرته جامعة الدول العربية «خطاً أحمر» محذرة اسرائيل من اللعب بالنار. وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقف التنسيق الأمني مع تل أبيب قائلاً إنها «ستخسر حتماً لأننا نقوم بحماية الأمن عندها».

فقد أعلن مجلس الجامعة العربية في بيان عن اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية يوم الاربعاء المقبل بناء على طلب من الاردن لمناقشة الأوضاع في القدس. ولاحقا أعلنت الجامعة في بيان ثان تأجيل الاجتماع الطارئ إلى «يوم الخميس بدلا من الأربعاء لضمان مشاركة أكبر عدد من الوزراء».

ونقل بيان عن الامين العام للجامعة أحمد أبو الغيط ان «القدس خط احمر لا يقبل العربُ والمسلمون المساس به». واعتبر ان الحكومة الإسرائيلية «تلعب بالنار وتغامر بإشعال فتيل» أزمة كبرى مع العالمين العربي والإسلامي من خلال فرضها اجراءات امنية للدخول الى الحرم القدسي.

وتأتي تصريحات أبو الغيط بينما يستمر الانتشار الكثيف لجنود الاحتلال في القدس الشرقية مع استمرار آلاف الفلسطينيين في أداء الصلوات

في شوارع القدس وأزقتها في تحدّ علني للإجراءات الاسرائيلية، خصوصا في محيط المسجد الاقصى.

وأضاف البيان نقلا عن أبو الغيط أن «الأيام الماضية أثبتت أن الاعتبارات الأمنية لا تمثل الباعث الحقيقي وراء الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة»، مشيرا إلى أن «ما يجري هو للأسف استكمال لمشروع تهويد المدينة المقدسة، والاستيلاء على البلدة القديمة التي لا تعترف أي دولة في العالم بسيادة إسرائيل عليها».

وحذر الأمين العام الحكومة الإسرائيلية من «الانجراف وراء دعاوى القوى اليهودية المتطرفة التي صارت - كما يتضح للجميع- تقبض على زمام السياسة الإسرائيلية».

وفي القدس قتل خمسة فلسطينيين في مواجهات مع القوات الاسرائيلية خلال اليومين الماضيين، كما قتل شاب فلسطيني ثلاثة اسرائيليين في احدى مستوطنات الضفة الغربية.

ويعقد مجلس الامن الدولي جلسة طارئة بطلب من فرنسا والسويد ومصر وفق ما افاد ديبلوماسيون.

وفي الجانب الفلسطيني أكد عباس ان السلطة اوقفت التنسيق الامني مع اسرائيل التي حذرها من انها «ستخسر حتما لاننا نقوم بحماية الامن عندها». 

وقال الرئيس الفلسطيني ان «القرار الذي اتخذناه بوقف جميع أنواع التنسيق سواء الأمني أو غيره ليس سهلا إطلاقا، ولكن عليهم (الإسرائيليين) أن يتصرفوا وأن يعرفوا أنهم هم الذين سيخسرون حتماً، لأننا نقوم بواجب كبير جداً في حماية الأمن عندنا وعندهم».

وكان عباس اعلن مساء الجمعة «تجميد» الاتصالات مع اسرائيل اثر مواجهات دامية بسبب وضع بوابات لكشف المعادن على مداخل الحرم القدسي.

وأوضح أن «هذه البوابات ليس من حقهم وضعها على أبواب الأقصى، لأن السيادة» على المكان «من حقنا، لذلك عندما اتخذوا هذه القرارات، أخذنا موقفا حاسماً وحازماً، وخصوصا في ما يتعلق بالتنسيق الأمني، وكل أنواع التنسيق بيننا وبينهم».

وتابع «نحن نحارب العنف والإرهاب، أما إسرائيل فتريد محاربة الإرهاب من خلالنا وتعتمد علينا ولا تقوم بواجباتها، فهذا ما لا نقبله، لذلك إذا أرادت إسرائيل أن يعود التنسيق الأمني عليهم أن يتراجعوا عن هذه الخطوات التي قاموا بها».

وتوقع الرئيس الفلسطيني ان «تكون الأمور صعبة جدا (...) نحن لا نأخذ قرارات عدمية، وإنما قرارات محسوبة، نأمل أن تؤدي إلى نتيجة». وقال ان «القرار بوقف جميع أنواع التنسيق مع إسرائيل اتخذ بالإجماع من قبل القيادة الفلسطينية».

وفي هذه الأثناء تزايدت الضغوط على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأشار مسؤولون اسرائيليون إلى إمكانية تغيير الاجراءات التي تم فرضها على مداخل الحرم القدسي بعدما أغضب الفلسطينيين وضع سلطات الاحتلال بوابات لكشف المعادن اثر اعتداء ادى الى مقتل عنصري شرطة اسرائيليين.

ولا تزال بوابات الكشف عن المعادن في مكانها الأحد، لكن تم وضع كاميرات مراقبة قرب مدخل واحد على الأقل من مداخل الحرم القدسي في المدينة القديمة في القدس، في إشارة محتملة إلى أنها قد تشكل بديلا لبوابات كشف المعادن.

وعقد نتنياهو اجتماعا حكوميا صباحا. وقال في مستهل الاجتماع «منذ اندلاع الأحداث، أجريت سلسلة من التقييمات مع عناصر الأمن بمن فيهم من في الميدان».

وأضاف «تصلنا منهم صورة محدثة عن الوضع إضافة إلى توصيات بشأن الخطوات القادمة التي سنتخذ قراراتنا بناء عليها».

وأشار الجنرال يواف موردخاي، منسق شؤون الحكومة الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية، إلى إمكانية إحداث تغيير في الاجراءات. وقال موردخاي في مقابلة مع قناة الجزيرة «ندرس خيارات أخرى وبدائل لضمان الأمن».

وانشغلت المؤسستان السياسية والعسكرية في اسرائيل في الامكانيات المتوفرة للتوصل الى حل لأزمة الاقصى، يمنع تسجيل اي قرار لازالة البوابات الالكترونية وكأنه تراجع لاسرائيل، وذلك عشية انعقاد مجلس الامن لبحث ازمة الاقصى، بطلب قدمته مصر وفرنسا والسويد. 

وتدرس حكومة نتنياهو، مختلف الوسائل المتاحة كبديل عن البوابات الالكترونية. وحذر وزير الأمن الداخلي غلعاد اردان من احتمال حدوث «اضطرابات واسعة النطاق»، وقال ان إسرائيل قد تستغني عن البوابات الالكترونية للمسلمين الداخلين إلى الحرم بموجب ترتيبات بديلة يجري بحثها. وربما يكون من هذه الترتيبات تعزيز وجود الشرطة عند المداخل وتركيب كاميرات دوائر تلفزيونية مغلقة مزودة بتكنولوجيا التعرف على ملامح الوجوه.

وحذر رئيس اركان الجيش غادي ايزنكوت، من انفجار الوضع عبر مختلف العمليات: إطلاق نار وطعن ودهس، مشيرا الى ان الدافع الذي يقود تنفيذ مثل هذه العمليات هو دافع ديني، وفي ذلك الوضع اخطر من اية فترة سابقة شهدتها القدس. 

وحتى مساء امس، واصل البيت الأبيض محادثاته مع اسرائيل، الأردن والسلطة الفلسطينية وجهات أخرى في العالم العربي، في محاولة للتوصل الى حل ينهي الأزمة ويمنع التصعيد حسب ما قالت مصادر اسرائيلية. 

ويقوم بتركيز الاتصالات من جانب الادارة الاميركية، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونسيبه جاريد كوشنر، الذي يعمل على حل الأزمة مع المبعوث الأميركي لعملية السلام جيسون غرينبلات.

واشارت المصادر الاسرائيلية الى انه مع وقوع احداث يوم الجمعة ومقتل ثلاثة مصلين في القدس وثلاثة مستوطنين في حلميش، كثف الاميركيون جهودهم للتهدئة كما جرت اتصالات مكثفة بين الاردن والسلطة الفلسطينية وبقية الدول العربية من اجل تنسيق المواقف في موضوع الأقصى. واتصل عباس في نهاية الاسبوع بقادة مصر والاردن والسعودية والمغرب. 

وفي اعقاب تنفيذ عملية حلميش ومقتل ثلاثة مستوطنين اتسع الشرخ داخل المؤسستين السياسية والعسكرية الاسرائيلية وهناك من حمل نتنياهو المسؤولية مباشرة لرفضه توصية الجيش والشاباك بإزالة البوابات الالكترونية. 

وفي سياق تبادل الاتهامات تبين أن قرار القيادة السياسية بنشر البوابات الالكترونية على مداخل الاقصى تم بناء على توصية الشرطة من دون اجراء مشاورات مع بقية الاجهزة الأمنية.

وبرز الخلاف بين القائد العام للشرطة روني ألشيخ ورئيس الشاباك نداف ارغمان ورئيس الأركان. وادعى ألشيخ انه على خلفية مقتل شرطيين بأسلحة تم تهريبها الى الحرم، يجب اتخاذ الوسائل الكفيلة بمنع تكرار عملية التهريب. اما ايزنكوت فذكّر رئيس الحكومة والوزراء كيف ساهم دخول رئيس المعارضة اريئيل شارون في ايلول 2000، الى الحرم باندلاع الانتفاضة الثانية في اليوم التالي. 

وغالبية الوزراء الذين دعموا موقف الشرطة اكدوا بشكل خاص تخوفهم من ان تظهر اسرائيل وكأنها استسلمت للضغط الفلسطيني اذا ازالت البوابات. وقال لهم الوزير يوآف غالانت انه في نهاية الأمر وتحت الضغط الدولي، ستضطر اسرائيل الى إخلاء البوابات، وحذر من ان العالم العربي والمجتمع الدولي لن يسلما بوضع يتم فيه منع صلاة المسلمين في الاقصى لفترة طويلة.