حاولت فصائل المسلحين في جرود عرسال والمناطق المحيطة امتصاص صدمة الهجوم الأول الذي بدأه حزب الله، الجمعة في 21 تموز، من محورين رئيسيين باتجاه مواقع سيطرتها. وتشير مصادر المسلحين في جرود القلمون، لـ"المدن"، إلى أن حزب الله بدأ هجومه باستخدام كثافة نارية عبر قصف مركّز باتجاه مواقعهم والمغاور التي يتمركزون فيها. وبعدها بدأ بالعملية البرّية، حيث حاول التقدم باتجاه أكثر من منطقة في جرود فليطة، لكن حتى الآن لا يزال كل طرف يسيطر على مواقعه. وتقول المصادر إن التقدم الذي أحرزه حزب الله، عاد وتراجع عنه. وهو حقق ذلك بفعل عامل المفاجأة، لكن بعد امتصاص الصدمة تم صد الهجوم وإفشاله وإجبار عناصر الحزب على التراجع. ما أدى إلى تخفيف حدة القصف خلال فترتين منفصلتين.
تعتبر جرود فليطة، التي تركزت فيها المعارك الأولى، منطقة أساسية وإستراتيجية بالنسبة للجميع. فهي تقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول يسيطر عليه حزب الله، وهو في الجهة الجنوبية من الجرود، وهي آخر النقاط التي كان الحزب قد سيطر عليها في معارك الجرود في العام 2015. والقسم الثاني في الوسط وهو القريب من جرود عرسال، وتسيطر عليه فصائل سرايا أهل الشام. فيما القسم الثالث هو الجهة الشمالية من هذه الجرود، التي أيضاً تعتبر قريبة من جرود عرسال من الجهة الشمالية الشرقية وتخضع لسيطرة النصرة.
أهمية السيطرة على تلك المناطق، لكلي الطرفين تتركز على مبدأ أنها تشكّل خط الدفاع الأول للفصائل المتمركزة هناك. بالتالي، هي حجر الزاوية في الدفاع عن نفسها ومنع تحقيق أي تقدم للإحتفاظ بمواقعها. أما بالنسبة إلى حزب الله، فهي تمثّل الأهمية الكبرى، لأن إختراقها والسيطرة عليها وإبعاد المسلّحين منها، يعني أنه استطاع خلخلة بنيتهم الدفاعية في الخطّ الاول. ما سيؤدي إلى بدء مرحلة التراجع لدى المسلحين، من الجهة الجنوبية للجرود باتجاه الجهة الشمالية. وهذا ما يريد الحزب تحقيقه بقوة النار، من أجل دفع المسلحين نحو استخدام معبر وحيد للخروج باتجاه الشمال عبر العمق السوري.
ووفق ما يؤكد مصدر قيادي في سرايا أهل الشام لـ"المدن"، فإن حزب الله حاول التقدم، يوم الجمعة، من خلال ثلاث محاولات باتجاه مواقع المسلحين للسيطرة عليها، وتم إفشال المحاولات الثلاث. وبعدها، عاد حزب الله إلى استخدام كثافة نارية هائلة جداً من أجل التمهيد مجدداً للإقتحام. ويقول القيادي إنهم قادرون حتى الآن على صد هجوم الحزب، لكن بالنتيجة هذا النوع من المعارك هو عبارة عن كرّ وفرّ، لاسيما أن المناطق جردية ووعرة. بالتالي، فإن الإنسحاب من مكان باتجاه آخر، لا يمكن أن يصبح هزيمة، لا بل قد يكون ضمن التكتيك العسكري من أجل الإلتفاف على القوات المهاجمة.
وفيما أعلن حزب الله أنه أنهى المرحلة الأولى من معارك الجرود بتحقيق كامل أهدافها، وأنه سيطر على سهل الرهوة، ووادي دقيق والزعرور، واستطاع فصل عرسال عن الكسارات، تعتبر الفصائل أن حزب الله لم يحقق سوى الإنتصار الإعلامي حتى الآن. لأن المناطق التي أعلن السيطرة عليها هي خاضعة لسيطرته في الأساس ومنذ العام 2015، وكل محاولات تقدمه تم صدّها.
ويلفت القيادي إلى أن الحزب يركز هجومه على النصرة وسرايا أهل الشام فحسب، من دون تحريك أي ساكن ضد تنظيم داعش. وهنا يبدي بعض مقاتلي هذه الفصائل تخوفهم من أن يتحرك داعش لشن معركة ضدهم في نفس الوقت، كما حصل في العام 2015، حين استفاد داعش من لحظة الإشتباك بينهم وبين حزب الله وقرر الإنقضاض على مواقعهم للسيطرة عليها. ويلفت إلى أنهم يتخذون الاجراءات ويتحسبون لحصول أمر كهذا.
وعن الخسائر في صفوف الطرفين، يشير القيادي إلى أن حزب الله تكبد خسائر كبيرة، لافتاً إلى عدم وجود إحصائية دقيقة لذلك. لكنه يؤكد أن مجموعة من عناصر الحزب وقعت في أحد الكمائن التي نصبت لها في جرود فليطة. ما أدى إلى مقتلهم، معتبراً أن عدد قتلى الحزب تخطى السبعة في اليوم الأول، فيما سقط للنصرة عدد من القتلى، ولسرايا أهل الشام ثلاثة، معتبراً أن في معارك كهذه، غالباً ما يتعرض الطرف المهاجم لخسائر أكبر. ووفق تقديرات القيادي، فإن المعركة ستكون طويلة جداً وصعبة، معتبراً أن معظم المقاتلين يفضلون البقاء حتى الموت على الإنسحاب، رغم وجود آراء عديدة في صفوف البعض الآخر، بأن الإنسحاب أفضل من البقاء.