سقطت المفاوضات. لم يعد هناك سوى خيار من إثنين، إما إنسحاب المسلحين بسلاحهم الفردي وبالباصات الخضراء من الجرود إلى الشمال، أو المعركة المحسومة والتي ستكون خاسرة بالنسبة إليهم، وفق ما تؤكد مصادر مطلعة قريبة من حزب الله لـ"المدن". وتلفت المصادر إلى أن الحزب أرسل أكثر من رسالة إلى المسلحين خلال الشهرين الماضيين، لكنهم لم يستجيبوا لها، وهم لم يتعاطوا مع الأمر بجدية، إلا بعد كلام السيد حسن نصرالله الأخير، حين قال إنها المرة الأخيرة التي يريد أن يتحدث فيها عن جرود عرسال. وبعدها طالب المسلحون ببعض الشروط التي رفضها الحزب، ووضعهم أمام أحد الخيارين المذكورين.
وبمجرد الإعلان عن سقوط خيار المفاوضات، والتي لم تكن تفصيلية وواسعة بحسب المصادر، فإن القصف بدأ يشتد من قبل الجيش السوري على مواقع المسلحين في الجرود، وكذلك بدأ حزب الله بعمليات قصف متقطع لمواقع جبهة النصرة، في وادي الخيل، وهي المنطقة التي تعتبر المعقل الأساسي للجبهة في الجرود ومقرّ قيادتها. وتشير المصادر القريبة من الحزب إلى أن المعركة ستحصل خلال ساعات، من دون إعطاء أي إحداثيات، مع الإشارة إلى أن الجيش اللبناني سيكون شريكاً فيها، بشكل معين هو يريده ويختاره، وهو كان قد بدأ بذلك عبر تعزيز مواقعه ونشر قواته المؤلفة من نحو 4 آلاف عنصر على التلال المشرفة على بلدة عرسال، وفرض طوقاً حول البلدة، من أجل منع المسلحين من التسلل إلى المخيمات والإقتراب إلى داخل البلدة كي لا يتكرر سيناريو آب 2014. ولا تخفي المصادر إمكانية توجه قائد الجيش جوزيف عون مجدداً إلى المنطقة كونه كان قبل تعيينه في منصبه الحالي قائد الجبهة هناك، وزيارته ستشكل دفعاً معنوياً للعسكريين وتأكيداً على مشاركة الجيش في المعركة وحماية اللبنانيين واللاجئين.
وفي تقديرات الحزب، فإن المعركة ستكون خاسرة حتماً بالنسبة إلى المسلحين، مع الأخذ في الإعتبار أن معارك قرى القلمون الغربي في العام 2013، كانت أصعب من هذه المعركة، نظراً للمساحات الشاسعة ولوجود مناطق سكنية. أما اليوم فالمعركة محصورة في بقعة جغرافية معينة. وتشير المصادر إلى أن هناك إختلافاً في وجهات النظر بين المسلحين، فمنهم من يريد القتال ومنهم من يرفضه ويوافق على الشروط. بالتالي، هناك توقعات بأن يحصل الإنسحاب مع بدء المعركة، وبذلك يكون المسلحون اختاروا الطريقة التي يريدونها للإنسحاب، من دون الخروج في الباصات الخضراء، بعد إلقاء سلاحهم، حين يشتد الضغط عليهم.
وتنفي المصادر أن يكون توقيت المعركة بهدف التشويش على زيارة الرئيس سعد الحريري إلى الولايات المتحدة، وتعتبر أن الأمرين منفصلين، خصوصاً أن المعركة محددة منذ فترة طويلة. أما عن موقف الحريري الداعم للجيش، والذي تحدث من خلاله عن أن الجيش سينفذ عملية موضعية ودقيقة في جرود عرسال من أجل حماية البلدة وسكانها، فيعتبر الحزب أن الحريري وجد نفسه مضطراً لإتخاذ هذا الخيار، لاسيما أنه تأكد أن المعركة قادمة لا محالة، ولا شيء يمكن أن يعرقلها. بالتالي، لم يعد الحريري قادراً على معارضة التجماع، خصوصاً بعد تغير الظروف الإقليمية والدولية، التي حتمت خوض هذه المعركة في إطار محاربة الإرهاب. بالتالي، فإن الحريري حين وجد أن المعركة قائمة أراد أن يلحق بركبها، كي لا يظهر وكأنه يعارضها وحصلت رغماً عنه.
وفي سياق آخر، تشير مصادر متابعة إلى أن المفاوضات لم تكن جدية منذ البداية، لاسيما مبادرة الشيخ مصطفى الحجيري الملقب بـ"أبو طاقية"، إذ تعتبر المصادر أن الحجيري حاول لعب دور أمني ما، كان يهدف من خلاله الحصول على براءة ذمة من قبل الدولة اللبنانية، لإسقاط الملفات القضائية ضده، والمتعلقة بخطف العسكريين في العام 2014. أو الحصول على تسوية تسمح له مغادرة عرسال ولبنان نهائياً إلى تركيا. لكن هذا الأمر لا يبدو أنه قابل للتحقق في ظل معارضة واسعة له. عليه، فإن المصادر تؤكد أن المعركة واقعة ولا فرار منها، إلا بفرار المسلحين من المنطقة إلى الداخل السوري.