الواقع الداخلي يتحرك على إيقاع سلسلة الرتب والرواتب وارتداداتها على مختلف القطاعات المربوطة بها، والجو العاصف الذي يقابلها من الهيئات الاقتصادية التي تحذّر من تداعيات شديدة السلبية على المالية العامة، فيما هو مرشّح خلال فترة وجيزة لأن يتحرّك على إيقاع السلسلة الشرقية في ظل الحدث الأمني ضد المجموعات الارهابية في منطقة جرود عرسال، حيث تؤشّر المعطيات الامنية الى دخول المنطقة حَيّز العد التنازلي الفعلي، وهو ما أكدته مصادر حزبية معنية بهذا الحدث لـ«الجمهورية»، وقالت: «الساعات الـ72 المقبلة حاسمة، خصوصاً أنّ المفاوضات التي كانت جارية حول المنطقة انتهت، وبالتالي الظروف الميدانية اكتملت من كل النواحي. وشدّدت في الوقت ذاته على أن ما يُقال عن توقيت العملية العسكرية في الجرود بالتزامن مع زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى الولايات المتحدة الاميركية لا يمتّ الى الواقع بصِلة، خصوصاً انّ هذه العملية هي استكمال للعملية التي قام بها «حزب الله» في القلمون الغربي، وتمّ تأجيل تنظيف القسم الباقي في هذه المنطقة من الارهابيين جرّاء الجو السياسي والطائفي والمزايدات التي أثيرت آنذاك، واليوم الوضع مغاير تماماً لِما كان سائداً آنذاك، والجميع في جو العملية القائمة لا محالة من رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة والى سائر المستويات السياسية والأمنية».
ظلت السلسلة في صدارة المشهد الداخلي، ولا يبدو الخلاف عليها محكوماً بسقف زمني، مع الحديث عن تحرّك تصعيدي للهيئات الاقتصادية. واذا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كرّر تمنّيه لو انّ الموازنة أقرّت قبلها لتحديد إيرادات الدولة وابواب الانفاق، ودعا الى التشدّد في تطبيق القوانين ذات الصلة بالرقابة والايرادات، ومعاقبة التهرب من دفع الضريبة، وجّه اليه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل رسالة ناشَدهُ فيها ردّ قانون الضرائب الذي أقرّه مجلس النواب في جلسته التشريعية أمس الاول، «وذلك لإنقاذ الاقتصاد وذوي الدخل المحدود».

ووصف الجميّل كلام رئيس الجمهورية عن أنه كان يفضّل إقرار الموازنة والايرادات قبل السلسلة، بأنه في مكانه السليم، وقال: «موقف رئيس الجمهورية أساسي لرَدّ البوصلة الى المكان الصحيح».

وإذ جَدّد الدعوة الى وقف مكامن الهدر والفساد وضبط مالية الدولة، رأى «انّ هناك طريقتين لإيقاف الجريمة؛ ردّ القانون الى المجلس والطعن بالقانون. وقد بدأنا بالخطوة الاولى قبل ان نلجأ الى التدبير الثاني، لأنّ طريقة إقرار الضرائب كانت مخالفة للدستور وللنظام الداخلي لمجلس النواب».

برّي

في هذا الوقت، لفتَ هجوم رئيس مجلس النواب نبيه بري على مَن وصفهم بـ«الحيتان»، وقال أمام زوّاره: «السلسلة هي الانجاز الأهم الذي يشهده لبنان منذ سنوات طويلة. وأعود وأكرر انّ هذه السلسلة لا تطال الفئات الشعبية او الفقيرة خلافاً لِما يجري ترويجه من بعض الحيتان التي تحرّكت للتشويش على هذا الانجاز.

لن نتأثر بكل ما يقال، المهم انّ السلسلة أنجِزت، لكن ما يجب ان يكون معلوماً هو انّ الأمر لم ينته ولا يجب ان ينتهي هنا، بل يفترض ان يستكمل بالتوجيه من قبلنا جميعاً وتحديداً الحكومة الى المهمة الكبرى في منع مسارِب الهدر ووقف الفساد وكل ما يعيق حركة نمو البلد. اقترب ان أقول إننا بحاجة الى ما يشبه حالة طوارىء للإنقاذ الاقتصادي والمالي، وكل ما يتّصِل بذلك».

الحريري

واعتبر الحريري، العائد من السعودية بعد زيارة قصيرة التقى خلالها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «انّ إقرار السلسلة هو إنجاز للعهد وللحكومة ولمجلس النواب»، وأمل في أن ينتهي درس الموازنة خلال الاسبوعين المقبلين، بحيث يعمد مجلس النواب الى درسها وإقرارها في الاسابيع المقبلة.

جابر لـ«الجمهورية»

وقال النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية»: «تمويل السلسة جاء من مصادر لا تمسّ بذَوي الدخل المحدود. وبعدما أُقرّت، يجب ان يتم التوجّه نحو إصلاح مالي حقيقي ليتمكّن البلد وتتمكّن الخزينة من أن تتجاوز تأثيرات السلسلة وتكلفتها في المرحلة القادمة، فالاصلاح المالي أكثر من ضروري، وهذا يعني ان تكون هناك ورشة كاملة وجدية لهذا الاصلاح، ومن دون ذلك انا أخشى في حالة عدم الاصلاح المالي ان يكون لبنان ساعتئذ في خطر حقيقي».

التشكيلات

وبعد طول انتظار، أقرّ مجلس الوزراء التشكيلات الديبلوماسية وشملت مجموعة من المراكز، حيث أجرى «نَفضة» واسعة هي الاولى بهذا الحجم، وشملت 74 مركزاً وزّعت على سفارات عربية واجنبية. وأُبقي البعض في مراكزهم، وتمّ التوافق على ما يزيد عن 40 إسماً جاؤوا ضمن التسويات التي يشهدها عهد التفاهمات.

وعلى رغم اعتبار اكثر من وزير ما جرى بأنه انجاز جديد يُسَجل للحكومة، تمسّك بعض الوزراء بمواقفهم الاعتراضية وباعتبار هذا الامر بأنه لم يكن سوى محاصصة وتوزيع مغانم بين القوى السياسية الحاكمة.

وعلمت «الجمهورية» أنّ بعض الوزراء اعترضوا خلال الجلسة على عدم إشراكهم في المشاورات التي حصلت حول التشكيلات الدييلوماسية، وعلى ما سمّوها سياسة «إسقاط التفاهمات» على مجلس الوزراء، بعد إجرائها خارجه، من دون ان يطّلع عليها الوزراء مُسبقاً عليها، او حتى من دون ان يكون لهم عِلم بها.

وعلمت «الجمهورية» انّ الوزير يوسف فنيانوس توجّه الى الوزير جبران باسيل داخل الجلسة بالقول: «هل يصحّ نحن كوزراء ان نطّلع على الاسماء من خلال احدى الصحف؟ وماذا عن الربط بينها وبين معركة الرئاسة المقبلة؟

الّا أنّ باسيل لم يعلّق بداية، وتولى الرد الوزير يعقوب الصرّاف، ليعود باسيل فيقول: «هذا غير صحيح، لا دخل للمعارك الرئاسية، وليس هكذا تُدار». وأدى هذا الحوار الى توتر الاجواء بعض الشيء قبل ان تعود الى طبيعتها.

وانتهى النقاش الى إخراج سلة التشكيلات على النحو الآتي:

فادي الحاج علي - بروكسل، رامي عدوان - باريس، رامي مرتضى - لندن، شوقي بو نصار - موسكو، ميرا ضاهر - روما، جوني ابراهيم - الفاتيكان، مصطفى أديب - برلين، هالة كيروز - مدريد، سليم بدورة - جنيف، غسان المعلم - أنقرة، إبراهيم عساف - فيينا، كلود الحجل - قبرص، أمال مدللي - بعثة لبنان في الأمم المتحدة، سحر بعاصيري- اليونيسكو، غابي عيسى - واشنطن، فادي زيادة - أوتاوا، سامي النمير - المكسيك، يوسف صياح - برازيليا، نمير نور الدين - كوبا، حسن حجازي - باراغواي، طوني فرنجية - تونس، تريسي شمعون - الأردن، فوزي كبارة - السعودية، علي الحبحاب - بغداد، ريان سعيد - الكويت، فؤاد دندن - أبو ظبي، نضال يحيى - ليبيا، محمد الحسن - الجزائر، ألبير سماحة - عُمان، ميلاد نمور - البحرين، حسن عباس - طهران، أسامة خشاب - كينشاسا، حسام دياب - نيجيريا، الين يونس- الغابون، سامي حداد- السنغال، بريجيتا العجيل- سيراليون، ماهر خير- غانا، قبلان فرنجية- جنوب افريقيا، هنري قسطون- ليبيريا، عبير طه- كونغوالديموقراطية، نضال احمد يحي- اليابان.

كذلك عيّن المجلس مدير عام الشؤون السياسية في وزارة الداخلية وامين سر مجلس الامن المركزي العميد الياس خوري، مديراً عاماً للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية.

مصادر وزارية

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ أجواء الجلسة كانت هادئة جداً باستثناء المشادّة التي حصلت بين فنيانوس وباسيل. وفي حين اكدت «انّ هذه الاجواء احياناً تجعل من جلسات الحكومة منتجة»، إنتقدت بشدة «التغاضي عن بعض الصفقات بحجة تجنّب الخلافات».

وسألت: «كيف يطلب التلزيم بطريقة استدراج عروض «شورت ليست» لمشاريع كبيرة من دون ان تكون مفتوحة لجميع الشركات، فيصبح التلزيم وكأنه بالتراضي مثل كاسر الموج وطريق الطفيل وقب الياس ـ عانا وقيمته 42 مليار ليرة و500 مليون؟». كما سألت «أين اصبح ملف البواخر الذي أحيل الى ادارة المناقصات؟ وما هو مصير آلية التعيينات التي قيل انها ستبتّ في جلسة الامس»؟

ابو زيد

وكان من المتوقع ان تشهد الجلسة توتراً آخر عند طرح البند المتعلق بالشأن الوظيفي لمديرة التعاونيات في وزارة الزراعة غلوريا ابي زيد، الّا انه
وعند الوصول الى هذا البند فوجىء الجميع بأنّ وزير الزراعة غازي زعيتر طلب سَحب البند واستمهلَ المجلس أسبوعين لدراسة بعض المراجعات التي وردته في هذا الاطار.

وقال زعيتر لـ«الجمهورية» انه «طلب التأجيل بناء لرغبة البطريرك الماروني، لكن بالنهاية على مجلس الوزراء ان يأخذ قراراً بتسوية وضع ابو زيد القانوني بعيداً من اي حسابات».

«القوات اللبنانية»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ اعتراضها على الآليّة التي تَمّت فيها التعيينات الديبلوماسية لا ينفي ضرورة حصولها من أجل تزخيم الجسم الديبلوماسي، ورَفده بالنخَب والطاقات، وإعادة الحيوية إلى هذه المواقع المهمة.

وكان الوزير بيار بو عاصي ردّ على استغراب الوزير باسيل موقف «القوات» على رغم تزكية الأسماء التي اقترحتها، بالقول انّ الوزير او الحكومة مجتمعة باعتبارها السلطة التنفيذية، يجب، وفق الدستور، ان تكون مطّلعة على كافة الأسماء لا أن تعرض عليها الأسماء في اللحظات الأخيرة.

واوضحت المصادر انّ بو عاصي «سجّل اعتراضه على طلب وزارة الاشغال صيانة كاسر الموج عبر استدراج العروض، داعياً إلى إجراء مناقصة كون لا صفة معجّل مكرّر للمشروع تستدعي استدراج العروض، كما دعا إلى التأكد من العقد كون الشركة المشغّلة ملزمة إجراء الصيانة».

واشارت الى «انّ وزراء «القوات» طالبوا وزير الطاقة سيزار ابي خليل إعادة التفاوض مع الاستشاري الدولي من أجل تقصير المدة التي تتطلّبها شراكة القطاعين العام والخاص لبناء المعامل من 36 شهراً إلى 24، بحيث تكون العقود جاهزة للتوقيع مع الشركات المنتجة للطاقة بعد سنتين كحد أقصى. ورداً على مطالبة «القوات» و«المردة» إبقاء غلوريا أبو زيد في موقعها، طلب تأجيل الموضوع لأسبوعين بناء لتمنّي البطريرك الماروني ورئيس الجمهورية».