من علامات المرحلة أنّ «حزب الله» يضبط ساعة المعركة في جرود عرسال على زيارة الرئيس سعد الحريري لواشنطن. فهذه المرّة، يتوجّه الرجل إلى العاصمة الأميركية ليدافع عن «الحزب»، لا ليشكو منه كما في زيارته الشهيرة في العام 2011، والتي ردّ عليها «الحزب» بإسقاط الحكومة في لحظة دخول رئيسها البيت الأبيض. فقد بدأ الحريري اجتماعه مع الرئيس باراك أوباما رئيساً للحكومة... وخرج منه رئيساً لحكومة تصريف الأعمال.
فوق ذلك، يذهب الحريري اليوم «مدعّماً» بحلفاء «الحزب»، كالوزيرين جبران باسيل ويعقوب الصرّاف، فلا شكوك يمكن أن تساور أحداً حول مدى اتّباع رئيس الحكومة طريقه المرسوم في الولايات المتحدة، أي الدفاع عن «الحزب» بوَصفه أحد الشركاء في الحكم وأحد أبرز المكوّنات السياسية داخل النسيج اللبناني.
الروحية التي تُميِّز تعاطي الحريري مع ملف «حزب الله» في زيارته اليوم ليست كروحية زيارته في 2011، بل هي شبيهة بروحية العام 2005، في ظل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، عندما عمل أركان 14 آذار على إقناع الأميركيين بوقف الضغط على «حزب الله» واعتباره «حالة لبنانية» يتكفّلون هم بالتعاطي معها و»جَذبها».
إذاً، سيتولّى الحريري وأركان الوفد اللبناني مهمة التصدّي للعقوبات الأميركية المنتظرة قريباً ضد «حزب الله»، خصوصاً بعد إقناع الأميركيين بأنّ توسيع إطار العقوبات وفق التوجهات المتداولة أخيراً هناك سيؤدي إلى وضع عدد وافر من السياسيين والمسؤولين اللبنانيين وقسم كبير من المؤسسات في دائرة الشبهة، وهو ما يهدّد الاستقرار اللبناني الذي يعتبره الأميركيون خطاً أحمر.
والمتداوَل في الأوساط المتابعة أنّ توقيت زيارة الحريري والوفد المرافق، وهو يضمّ قائد الجيش العماد جوزف عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حسّاس جداً.
فالجيش والمصرف المركزي هما العنوانان الأساسيان للاستقرار الأمني والمالي الذي يغطي الاستقرار السياسي. وعندما تتم الاستعانة برأسَيْ هاتين المؤسستين، اللذين يحظيان بثقة دولية وازنة، فإنّ شهادتهما لها وزنها حتماً.
سيشرح الوفد للأميركيين أنّ توسيع العقوبات على حلفاء «حزب الله» والمتعاطين معه والقريبين من بيئته ليس في مصلحة الاستقرار الأمني أو المالي.
وهذا الكلام سبق أن قاله الحريري وباسيل للأميركيين في زيارتيهما الأخيرتين لواشنطن، وكذلك أركان الوفود النيابية والمالية والمصرفية. لكنّ الأميركيين لم يقتنعوا به كثيراً، في ظل حملتهم العنيفة على إيران وطموحاتها التوسعية في الشرق الأوسط.
اليوم، يراهن «الحزب» على أنّ التوقيت بات أفضل لتليين موقف الإدارة الأميركية. لماذا؟
نجح «حزب الله» في تقديم نفسه شريكاً لهم في مواجهة الإرهاب. والدليل هو أنّ الأميركيين يضعون كل ثقلهم الميداني إلى جانب الجيش اللبناني في المواجهة المفتوحة مع الإرهابيين في عرسال ورأس بعلبك وجرودهما، متجاوزين تماماً واقع انخراط «الحزب» ونظام الرئيس بشّار الأسد في المعركة.
ولم تظهر أيّ مآخذ أميركية جدية على هذا الانخراط. وحتى قصف الطيران السوري لجرود عرسال ليس موضع انتقاد أحد. وهذا الأمر يبدو بديهياً عندما يكون الأميركيون رُعاة الحرب على الإرهاب في الموصل بدعم من «الحشد الشعبي»، وفي الرقة بدعم غير مباشر من نظام الأسد. وللتذكير، أوقفَ الأميركيون أخيراً برنامج دعمهم السرّي للمعارضة السورية.
ويستعد الحريري للقاء الرئيس دونالد ترامب، فيما الجميع: أميركا ولبنان و»حزب الله» والأسد في صدد الانطلاق في المواجهة الحاسمة ضد «داعش» و«النصرة» في جرود بعلبك- الهرمل. فهل يكون منطقياً رفع منسوب العقوبات في هذه اللحظة الحسّاسة أو توسيعها؟
على الأرجح، سيتم تأجيل هذا القرار إلى مرحلة لاحقة. وإذا نجح «حزب الله» في تقديم نفسه مُنقذاً لعرسال وجوارها من قبضة الإرهابيين، فسيضمن أنه لن يُستهدف في المدى المنظور. وبعد ذلك، سيكون لكل حادث حديث.
البعض يقول: هناك ضرورات داخلية عدة تقتضي التأخير في انطلاق حرب عرسال، منها تقديم الضمانات الكافية - للسنّة خصوصاً- بأنّ العملية لن تتجاوز القضاء على الإرهابيين، ولن تؤدي إلى وقوع خسائر بين المدنيين، لبنانيين وسوريين. لكنّ بعض التأخير ربما يعود إلى ضبط ساعة المعركة على ساعة المحادثات اللبنانية في واشنطن.
ولكن، هل الأميركيون على استعداد للتجاوب فعلاً مع طموحات «الحزب»؟
في الأيام الأخيرة، إرتفعت حدّة الحرب الكلامية بين واشنطن وطهران، وبديهي أن يتأثر بها وَضع «حزب الله». لكن هناك خصوصية لبنانية يراهن «الحزب» على أنّ الأميركيين سيراعونها دائماً، وهي تتمثّل بالمظلة اللبنانية الجامعة، والحامية له.
فليس سهلاً أن يكون الحريري السنّي، حليف المملكة العربية السعودية، هو وسيط «الحزب» لدى الأميركيين. وليس سهلاً أن يكون الوسيط هو «التيار الوطني الحر»، أحد المكوّنات السياسية المسيحية الأكثر انفتاحاً على الغرب.
ولذلك، يقول المتابعون: لم يعد «حزب الله» «مرعوباً» من احتمال توسيع العقوبات ضده، كما كان قبل أشهر، بل هو مطمئنّ إلى أنّ سقف الهجوم الأميركي قد انخفض كثيراً، وأنّ مسألة العقوبات التي تستهدفه باتت تحت السيطرة نسبياً. ويبقى رهان «الحزب» على ترتيب العلاقة بين واشنطن وطهران. وهذا أمر قد يحدث في شكل مفاجئ كما حدثَ التفاهم المفاجئ بين ترامب والمملكة العربية السعودية.