من جملة ما تم إقراره من نصوص دون أي دراسة جدوى أو إحصاء مركزي أو ترّقب للمترتبات والإنعكاسات، جرى، ضمن المادة 19 من المرسوم رقم 10415 الرامي إلى تمويل سلسلة الرتب والرواتب، «تمرير» تدبير يقضي بإلزام المهن الحرة الخاضعة للتكليف بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع بتضمين تصاريحها المهنية الأرباح المتأتية من الإيرادات المشمولة بالمادة 51 من القانون رقم 497/2003 (الفوائد وعائدات الحسابات المصرفية والائتمانية والسندات وسواها من الإيرادات المماثلة الحاصلة في لبنان) وتطبيق معدلّ الربح المقطوع على المجموع والضريبة التصاعدية على هذا الأساس.
لا نخال أحدا من أصحاب الإختصاص أو حتى ممن هم مطّلعون على أبسط الأصول القانونية والضريبية، يجهل أن هذا التدبير سيضيف اعباء ضريبية على فئة معينة من المكلفين، أي الأشخاص الخاضعين للتكليف بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع وسيما منهم المهن الحرة (محامون، مهندسون، أطباء، وإلخ.)، بمعزلٍ عن سواهم من المكلفين.
وبصورة أوضح، فإن التدبير المذكور يتمثل بإلزامية احتساب الإيرادات المالية الداخلة ضمن وعاء هذه الضريبة والتي يحققها المكلف المخصوص ويدفع ضريبتها أساساً مرةٍ أولى لدى المنبع (عن طريق الاقتطاع من قبل المصارف والمؤسسات المالية نيابةً عنه) لكي يُدخلها من ثم إلى إيراداته السنوية المهنية ويطبق عليها، بعد حسم قيمة ضريبة الباب الثالث السابق إقتطاعها، معدل الربح المقطوع لاستخراج الربح الصافي الخاضع لضريبة الباب الأول؛ مما يعني بإيجاز أن الربح الخاضع للضريبة المهنية سوف يتضاعف عبئه، بعد دخول القانون حيز التطبيق، بفعل زيادة إيرادات جديدة نوعية سبق تكليفها بالضريبة المحددة لها.
إن هكذا تدبير، ناهيك عن أنه يفرض ازدواجية تكليف ضريبي مرفوضة أصلاً في علم الضرائب، يتسبب زيادةً بمخالفة مبدأ المساواة أمام الضريبة (أو في تحملّ الأعباء العامة) المنصوص عنه في كل من الفقرة (ج) والمادة 7 من الدستور اللبناني («المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل»)؛ بحيث أنه، وكما جاءت صياغته، لا يُطبق إلا على المكلفين بضريبة الباب الأول وسيما منهم الخاضعين للتكليف بضريبة الدخل على أساس الربح المقطوع.
وقد إستثنى بالتالي جميع المكلفين بضريبة الباب الثاني (الموظفين والأجراء) أو الباب الثالث (في حال اقتصرت أعمالهم على حيازة المساهمات وتنفيذ استثمارات مالية)؛ بحيث أن مدير شركة كبيرة في القطاع الخاص أو موظف في القطاع العام مثلاً، يتقاضى إضافةً إلى راتبه إيرادات مالية تشملها المادة 51، غير ملزم والحال مما تقدم بتضمينها أو إضافتها إلى دخله المهني والتصريح عنها وتسديد الضريبة التصاعدية على مجموع الدخل بخلاف المحامي أو الطبيب أو المهندس أو النحات أو سواهم ممن يشملهم الإجراء.
ويفسر كل من العلم والإجتهاد مبدأ المساواة بالقول أنه ينبغي إخضاع جميع المكلفين الذين هم في أوضاع مماثلة لنفس النظام الضريبي، بمعنى ان الضريبة تتناول حالات معينة يجب أن تشمل جميع الذين هم في هذا الوضع وإلا فإن التفريق بين هؤلاء في المعاملة لإفادة بعضهم أو التشديد مع بعضهم الآخر، يكون باطلاً، وبحجة أولى تكون معاملة فرد منهم بصورة أشد أو أفضل من البقية باطلة أيضاً.
كما أننا نعجب أيضاً كيف انه سوف يتم التأكد من التزام المكلفين بهذا الإجراء في ظل استمرار استفادة المقيمين في لبنان من مفاعيل قانون السرية المصرفية وعدم إمكانية إجراء التدقيق عملاً بأحكام المادة 103 من قانون ضريبة الدخل...أقله لغاية تاريخه!
هذا من جهة المبدأ، أما ومن وجهة نظر متممة وللتعليل ليس إلا، مع علمنا اليقين بأن هذا التدبير يحمل أيضاً في طياته فكرا إصلاحيا للوصول إلى الضريبة الموحدة على الدخل المرجوة وبالتالي توسيع قاعدة المكلفين للحؤول دون التهرب الضريبي والتفعيل الملازم للجباية العادلة، فمن شأن تطبيقه في الظروف الراهنة وكما هو مطروح عملياً، التسبب الحتمي بنتائج معاكسة لتلك المرجوة وبالتالي، عوضاً عن التطوير والتحديث، تعميق اللا مساواة والإجحاف والاستنسابية والفساد المستشري.
فلذا، كان من المجدي والأجدى إدراجه ضمن مشروع شامل متكامل يغطي جميع الحالات ويخضع للبحث والتمعّن المسبق...تماماً كما كان من المفترض الشروع فيه منذ حين ونيف في كل ما له صلة أو رابط بالمالية العامة مع السهر على رعاية شؤون وشجون البلاد والعباد، رعاية الأب الصالح. وإن غداً لناظره قريب!