تعوّل العاصمة اللبنانية على الزيارة التي سيقوم بها رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري إلى واشنطن في الـ22 من الشهر الجاري.
وتقول أوساط قريبة من كواليس السراي الحكومي إن الحريري عمل كثيرا على رفع مستوى لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين بحيث أن الاتصالات التي تكثّفت خلال الأشهر الأخيرة أثمرت عن عقد لقاء سيجمع الحريري بالرئيس الأميركي دونالد ترامب.
واقترحت الإدارة الأميركية أن تنحصر اللقاءات بعدد من المسؤولين المختصين، على أن تتوّج بلقاء مع وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون. غير أن تدخلا من السعودية أدى إلى رفع مستوى التمثيل الأميركي ونجحت الرياض في ترتيب موعد للحريري مع ترامب في البيت الأبيض.
وترى مصادر برلمانية لبنانية أن لبنان يود من خلال هذه الزيارة الاطلاع على المزاج الأميركي الرسمي الجديد بشأن قضايا تتعلق بمصير لبنان مباشرة، وينقل إلى واشنطن وجهة نظر بيروت من خلال وفد يمثل كافة المشارب والحساسيات اللبنانية.
وتختلف زيارة الحريري إلى واشنطن هذه المرة عن الزيارة التي أجراها عام 2011 والتي التقى خلالها بالرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. كان ذلك في الـ12 من يناير 2011 في نفس الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية جبران باسيل و10 وزراء آخرون انسحابهم من الحكومة، بما عُد انقلابا دبره حزب الله على الحريري ومهد لإبعاده عن لبنان بعد ذلك.
وسيكون باسيل في عداد الوفد المرافق للحريري بصفته وزيرا للخارجية وبصفته موضع ثقة رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون وبصفته حليفا لحزب الله، وبالتالي شاهدا على مداولات الحريري مع الإدارة الأميركية حول مسألة العقوبات التي تفرضها وستفرضها واشنطن على حزب الله. وستطرح بيروت ملفات عديدة أمام واشنطن وإدارة البيت الأبيض، منها مستقبل البلد في إطار التفاهمات الروسية الأميركية الجارية بشأن سوريا، ومصير النازحين السوريين في لبنان وما يمكن أن تحمله المناطق الآمنة التي دعا إليها ترامب وتسعى موسكو لتثبيتها تحت مسمى “مناطق خفض التوتر” لتخفيف عبء هذا النزوح عن لبنان، ومكافحة الإرهاب وما يترتب على ذلك من استمرار التزامات الولايات المتحدة حيال الجيش اللبناني.
وتبدأ الزيارة في الـ22 من يوليو لكن الحريري سيلتقي ترامب بعد ثلاثة أيام من بداية الزيارة. ولهذا اللقاء أهمية خاصة لشخص الحريري الذي يريد أن يستعيد في ضيافة دونالد ترامب مجدا خسره في ضيافة باراك أوباما. ثم أن الحريري يريد أن ينهل في البيت من مخزون المواقف الأميركية في شأن إيران، بما يزوده بحقيقة النوايا والخطط والاستراتجيات الأميركية في هذا الصدد.
ويدرك الحريري كما الإدارة الأميركية ما يملكه حزب الله من نفوذ وإمكانات، وبالتالي فإن الجانبين يعملان وفق مقاربات متعددة السرعات بغية التوصل إلى تفاهمات تقي لبنان زلازل المنطقة والجراحات الجارية داخلها.
ويود الحريري إيجاد نقطة توازن لا تصطدم مع تشريعات الكونغرس في شأن فرض عقوبات على حزب الله، لكنها تحافظ وتحمي الاقتصاد اللبناني وشبكته المالية والمصرفية.
ويسعى إلى فهم أكثر لموقف واشنطن من نظام دمشق الذي مازال يرفض الحريري التنسيق معه بشأن إعادة النازحين السوريين.
ويدرك رئيس الحكومة اللبنانية أن العواصم الغربية بما فيها واشنطن ترسل إشارات متناقضة حول محورية بقاء بشار الأسد رئيسا في سوريا تارة، و”لا مستقبل لعائلة الأسد في أي تسوية سورية” تارة أخرى.
ويدفع باتجاه تمرير وجهة نظر بيروت من حيث شدة حساسية تموضع لبنان الرسمي في شأن العلاقة مع دمشق في ظل عدم وضوح الموقف الدولي من هذه المسألة.
وتقول أوساط لبنانية مطلعة إن الحريري يريد التوصل إلى تفاهمات مع الجانب الأميركي بشأن مسائل الدفاع وتسليح الجيش اللبناني تتيح لقائد الجيش جوزيف عون أن يعمل وفق خارطة طريق واضحة في زيارته المرتقبة لواشنطن في أغسطس المقبل.
وتلفت هذه الأوساط إلى أن الزيارة تجري في توقيت قد تشتعل فيه جبهة عرسال وجرودها، وفق إعلان صدر على لسان الحريري شخصيا عن عملية نوعية دقيقة سيقوم بها الجيش في هذه المنطقة ضد الجماعات الإرهابية.
وعلى الرغم من الجدل حول دور حزب الله في هذه المعركة ومدى التنسيق الممكن أن يجري بين الحزب والجيش اللبناني والجيش السوري التابع لدمشق، لفتت مصادر لبنانية في الولايات المتحدة بهذه المناسبة إلى أنه لم يصدر عن واشنطن ما يفهم منه رفض لتنسيق معين بين الجيش اللبناني وحزب الله في مسألة عرسال سواء من خلال الحرب أو من خلال المفاوضات التي يجريها الحزب مع هذه الجماعات.
واعتبر هؤلاء أن الموقف الأميركي في هذا الصدد لا يختلف عن الموقف من الحشد الشعبي في العراق ودوره في معارك الموصل ضد داعش.
وتنتهي مصادر وزارية لبنانية إلى التأكيد أن الحريري يروم تمثيل لبنان الرسمي الذي يفترض أنه لا يعترف إلا بمؤسساته الدبلوماسية والعسكرية ويتوخى الحصول على دعم أميركي حقيقي سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري أو الدبلوماسي لتقوية الدولة اللبنانية ورفع مستوى مناعتها أمام الصراعات الحالية والمقبلة، لا سيما تلك التي قد تضع إيران في مواجهة أجندة أميركية أو أجندة أميركية روسية مشتركة تعمل على حساب طهران في سوريا.