للسوريين على اللبنانيين حق حسن الإستقبال وكرم الضيافة، والتضامن معهم في محنتهم التي يتعرضون لها جراء الأزمة التي تشهدها بلادهم منذ أكثر من ست سنوات وهذا تفترضه روابط الجغرافيا والتاريخ واللغة والعادات والتقاليد، والأهم من كل هذا العلاقة الأخوية بين الشعبين، وكذلك وبنفس المقدار وللروابط إياها فللبنانيين على السوريين حق التقيد بالنظام العام للبلد ومراعاة القوانين المرعية الإجراء واحترام وجودهم كإخوة قبل كونهم ضيوف، سيما وأن انتشارهم شمل كل المناطق على كافة الأراضي اللبنانية مع الأخذ بعين الإعتبار الاعداد الهائلة من هؤلاء النازحين السوريين باتجاه لبنان والذين قاربوا المليونين نازح ونازحة حسب بعض الإحصائيات بما يشكل نصف سكان البلد مع ما يترتب على ذلك من إستهلاك لكل الاحتياجات الضرورية للحياة بكافة النواحي وعلى كل المستويات، ابتداءًا من المواد الغذائية إلى الرعاية الصحية والإستشفائية إلى التعليم إلى الخدمات العامة كالماء والكهرباء والإتصالات والتنقلات إلى الصرف الصحي إلى المضاربة في سوق العمل حيث تنشط المزاحمة بين العامل اللبناني والعامل السوري.
إقرأ أيضًا: خذوا البلد واتركوا لنا الجيش!
وما أثار حفيظة الكثير من اللبنانيين وإستنكار البعض الآخر وتصدي الأكثرية الساحقة منهم للدعوة التي أطلقها بعض السوريين الموتورين للإعتصام والتظاهر ضد المؤسسة العسكرية اللبنانية منذ عدة أيام على خلفية عمليات المداهمة التي قام بها الجيش اللبناني لبعض مخيمات النازحين في منطقة عرسال ومحيطها وإلقاء القبض على بعض المتورطين في أعمال تفجير استهدفت في أوقات سابقة أمكنة مدنية ومراكز عسكرية وحواجز للجيش اللبناني وذهب ضحيتها عشرات المدنيين والعسكريين على الأراضي اللبنانية، والطريقة التي تم التحقيق بها مع هؤلاء المعتقلين الذين ثبت إرتباطهم بالجماعات الإرهابية، وكذلك إتهام التحقيق العسكري بمسؤوليته عن وفاة أشخاص تحت التعذيب ممن تم إلقاء القبض عليهم في المخيمات والأسلوب القاسي الذي تم استخدامه أثناء عمليات المداهمة.
وقد غاب عن ذهن هؤلاء السوريين الموتورين والمشبوهين المنتفضين على المؤسسة العسكرية بأن الجيش اللبناني يقوم بمهمات أمنية على أرض لبنانية وليس على الأراضي السورية وعمليات المداهمة إنما تستهدف عناصر مشبوهة متغلغلة في مخيمات النازحين ووجودهم بينهم يشكل خطرًا على السوريين قبل اللبنانيين عدا تهديدهم لأمن واستقرار البلد الذي يقيمون على أراضيه ويعيشون من خيراته وتعريضه لمخاطر عمليات التفجير وإشاعة أجواء الإرهاب داخل المجتمع اللبناني المتنوع الانتماءات الطائفية والمذهبية مما قد يسبب إثارة الفتن الداخلية ويهدد التركيبة اللبنانية بالمزيد من الإنشقاقات والخلافات والصراعات.
إقرأ أيضًا: من عرسال إلى الرقة إلى الموصل
وفي السياق عينه فإنه من الخطأ وربما من المبالغة النظر إلى كل نازح سوري على أنه مشروع إرهابي ويحمل حزام ناسف وله ارتباطات بالجماعات التكفيرية المتشددة كتنظيم داعش وجبهة النصرة وامثالهما أو أنه يسوق للفتنة ومقيم في البلد بأرادته ويزاحم اللبناني في لقمة عيشه انطلاقًا من موروثات الوصاية السورية التي دامت لأكثر من ثلاثين عاما عانى خلالها اللبنانيون كافة أنواع التعسف والظلم والإضطهاد بحيث أن القلة القليلة من الشعب اللبناني نجت من الإعتقال والتعذيب والسجن العشوائي والقتل والإهانة على الحواجز أثناء الوجود العسكري السوري في لبنان.
تبقى إشارة جديرة بالإهتمام أنه من العبث النظر إلى ملف النزوح السوري بمنظار استغلالي. والاجدى النظر إليه بعين إنسانية ومسؤولة ولا يجوز اقحامه في لعبة الحسابات الداخلية بل لا بد من فصله عن الاعتبارات السياسية والطائفية، والتعامل معه كملف مستقل عن المشاكل والأزمات اللبنانية والتعاون مع المجتمع الدولي للتخفيف من أعباء هذا الملف ماليًا وخدماتيًا للوصول إلى نهايات سعيدة له.