طبع الالتباس مواقف المسؤولين الأميركيين تجاه إيران في الساعات الأخيرة خاصة بعد ما صدر من البيت الأبيض من إقرار بأن طهران ملتزمة بالشروط التي يتضمنها الاتفاق النووي، في الوقت الذي تستمر فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فرض عقوبات جديدة على إيران.
وتثار تساؤلات بشأن تراجع ترامب عن وعوده بوقف العمل بالاتفاق النووي والتي جاءت في سياق حملة واسعة على إيران تبناها منذ حملته الانتخابية ومع تسلمه منصب الرئيس في يناير الماضي ومثلت أرضية لتقاربه مع السعودية.
وأقرّت إدارة ترامب مساء الاثنين بأن “إيران تواصل التزامها بشروط الاتفاق النووي”، فيما اعتبرت في الوقت ذاته أنها “تنتهك روحه (الاتفاق)”. وبذلك يكون ترامب قد تراجع للمرة الثانية عن “إلغاء الاتفاق النووي مع إيران”، الذي كان من أبرز وعوده الانتخابية.
ويرى محللون سياسيون أن ما يظهر من ارتباك في السياسة الخارجية لإدارة ترامب يعود بالدرجة الأولى إلى وجود مراكز نفوذ داخل الإدارة وفي المؤسسات الأميركية ذات الثقل تعمل عكس توجهات الرئيس الجديد، وبدا هذا واضحا في الموقف من الأزمة القطرية ثم لاحقا في الموقف من إيران.
ويقول إيلي لاك المحلل في شؤون الأمن القومي الأميركي، إن “ترامب كاد يقضي على الاتفاق النووي مع إيران حتى آخر لحظة، ولكن مراجعات مع وزير الخارجية ريكس تيلرسون واجتماعات مع مختصين في الأمن القومي جعلته يتراجع عن قراره”.
وأكد لاك على أن “الرئيس الأميركي كان مصرا على عدم اعتماد الاتفاق النووي، لأنه يرى أن تصرفات إيران العدوانية على جيرانها تزداد سوءا منذ وصوله إلى البيت الأبيض”.
وأوضح “أن كل الاحتمالات كانت تشير قبل ساعات من إعلان البيت الأبيض، إلى أن ترامب لن يعتمد الاتفاق النووي مما يعطي الكونغرس فرصة لإنهاء الاتفاق مع إيران. لكن ما حدث أن الرئيس تراجع وترك البيت الأبيض يعتمد الاتفاق.
وقال إن مصادر في البيت الأبيض أكدت أن الرئيس رغم موافقته على الاتفاق النووي، إلا أنه مصر وبشكل جدي على التعامل بحزم مع تصرفات إيران العدائية لجيرانها.
ونقلت شبكة “سي إن إن” الأميركية عن مسؤولين في إدارة ترامب أن “طهران تنتهك روح الاتفاق”.
ونقلت الشبكة عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية (لم تسمه)، قوله إن “الولايات المتحدة تدرس فرض المزيد من العقوبات ضد كيانات إيرانية، مستهدفة بذلك برنامج طهران للصورايخ الباليستية ورعايتها للإرهاب”.
وأوضح أن “هذين البندين غير مشمولين في الاتفاق النووي”.
ولم تمض ساعات على هذا التصريح حتى أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على إيران على خلفية برنامجها للصواريخ الباليستية وأنشطتها العسكرية في الشرق الأوسط.
وفرضت الخارجية الأميركية عقوبات على 18 شخصا وكيانا مرتبطين ببرنامج الصواريخ الباليستية والحرس الثوري الايراني.
وأفادت وزارة الخارجية أن “الولايات المتحدة لا تزال قلقة للغاية بشأن أنشطة إيران الخبيثة في أنحاء الشرق الأوسط والتي تقوض الاستقرار الإقليمي والأمن والازدهار” في المنطقة.
وذكرت في هذا السياق الدعم الإيراني لفصائل مسلحة مثل حزب الله وحماس ونظام الرئيس السوري بشار الأسد إضافة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن الذين يقاتلون تحالفا عسكريا تقوده السعودية.
ويرى متابعون للشؤون الأميركية أن إدارة ترامب تحاول أن تجاري مواقف اللوبي الداعم لإيران، وهو لوبي سبق أن دعم وجوده في مؤسسات القرار الأميركي في فترة الرئيس السابق باراك أوباما، لكنها تسعى بالتوازي إلى إفراغ الاتفاق من المزايا التي تستفيد منها إيران، وخاصة ما تعلق بالاستفادة من رفع العقوبات في تثبيت دورها كقوة إقليمية.
وأشار المتابعون إلى أن الاتفاق فتح الباب أمام إيران لإضفاء نوع من الشرعية على تمددها الإقليمي، وهو ما يسعى البيت الأبيض لمنعه في سياق التعهدات التي قطعها ترامب أمام زعماء عرب ومسلمين في القمة الإسلامية الأميركية بالرياض في مايو الماضي.
وقال مسؤول في البيت الأبيض إن “الرئيس ترامب ووزير الخارجية ريكس تيلرسون يعتزمان التأكيد على أن إيران لا تزال تشكل أحد أخطر التهديدات على الولايات المتحدة والأمن الإقليمي، وأنها لا تزال قوة مزعزعة للاستقرار في المنطقة”.
وأضاف المسؤول أن “الإدارة الأميركية تعتزم توظيف استراتيجية من شأنها أن تعالج مجمل السلوك الإيراني الخبيث، وليس فقط التركيز على الاتفاق النووي”.