رجّحت مصادر سياسية لبنانية شن الجيش اللبناني عملية عسكرية محدودة ومدروسة بدقة تستهدف إرهابيين سوريين ضمن ضوابط واضحة في بلدة عرسال الواقعة على الحدود اللبنانية السورية.
ومن بين هذه الضوابط الحفاظ على أهل عرسال وحمايتهم، خصوصا أن المئات من شبان البلدة ينتمون إلى المؤسسة العسكرية. ومعروف أن للجيش اللبناني مواقع في عرسال وجوارها، كما لديه حواجز على الطرق المؤدّية للبلدة.
وقالت المصادر إن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وافق على العملية العسكرية “المحتملة” بعد معلومات توافرت لدى الجيش عن وجود خلايا إرهابية في مخيمات النازحين السوريين التي أقيمت في خارج عرسال، بيد أنه يضع فيتو على مشاركة حزب الله فيها.
وكان الحريري قد أعلن الثلاثاء في تصريح مقتضب نقلته الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان، “الجيش اللبناني سيقوم بعملية مدروسة في جرود عرسال والحكومة تعطيه الحرية” من دون أن يحدد هدفها أو توقيتها.
ولبلدة عرسال في شرق لبنان حدود طويلة ومتداخلة مع سوريا غير مرسمة بوضوح (نتيجة مماطلة النظام السوري) وعليها العديد من المعابر غير الشرعية، ما يسمح بانتقال المسلحين بسهولة بين جهتي الحدود. وتؤوي البلدة أكثر من مئة ألف نازح سوري يتوزعون على العشرات من المخيمات في البلدة وجرودها. وشهدت مخيمات البلدة توترا أمنيا مؤخرا إثر مداهمات الجيش لها في 30 يونيو، أقدم خلالها خمسة انتحاريين على تفجير أنفسهم ورمي العسكريين بالقنابل، ما تسبب بمقتل طفلة نازحة وإصابة سبعة عسكريين.
العملية العسكرية في عرسال ستكون، في حال حصولها، بإشراف من القيادة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء
وبعد التفجيرات الانتحارية، أوقف الجيش اللبناني العشرات من النازحين قبل أن يعلن بعد أيام وفاة أربعة منهم، يتم التحقيق راهناً في ظروف موتهم بعد اتهامات وشكوك بوفاتهم تحت التعذيب.
وأثارت التفجيرات وما تبعها من توقيفات ثم وفاة الموقوفين، سجالا واسعا في لبنان بين داعمين للجيش اللبناني ولحسم عسكري في عرسال، ومتضامنين مع النازحين وآخرين طالبوا بوجوب التمييز بين المدنيين والمتورطين بالاعتداء على الجيش.
هذا السجال أثار المخاوف من تفجر الوضع في لبنان، في حال شنت عملية موسعة على عرسال وهو ما جعل رئيس الحكومة يتردد بداية، قبل أن يعطي الضوء الأخضر لها شريطة أن لا يشارك حزب الله.
وأكدت المصادر لـ”العرب” أن الحريري رفض رفضا قاطعا أن ينفّذ الجيش عملية تستهدف في نهاية المطاف تهجير أهل عرسال السنّة كما كان يريد “حزب الله”، ومن خلفه إيران. وأوضحت أن العملية العسكرية في البلدة ومحيطها ستكون، في حال حصولها، بإشراف مباشر من القيادة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء.
وكان الحريري قد أكّد في مناسبات عدة خلال الأيّام القليلة الماضية دعمه الكامل للمؤسسة العسكرية، لكنّه شدّد في الوقت ذاته في مجالسه الخاصة على أنّ هذا الدعم لا يعني بأيّ شكل تغطية أي عمل يقوم به الجيش إرضاء لـ”حزب الله” وبالتنسيق معه، من نوع تهجير أهل عرسال. وركّز على ضرورة التزام الجيش بضوابط معيّنة في مقدّمتها الخضوع للمرجعية السياسية للبلد من جهة ووضع نفسه على مسافة واحدة من كلّ الطوائف اللبنانية من جهة أخرى. ويستشعر السنة في لبنان أنهم في دائرة الاستهداف وأن ما يتعرض له السوريون المهجرون على أراضيهم يحمل بين طياته أبعادا طائفية باعتبار أن أغلبهم سنة.
وفي موقف لافت، أكد الرئيس اللبناني ميشال عون الثلاثاء أن “حل أزمة النازحين السوريين في لبنان والحد من أعبائها السلبية على الوضع العام في البلاد، لا يكون من خلال نشر الكراهية وتعميمها بين الشعبين الشقيقين والجارين”، داعيا إلى “الحذر وعدم الانجرار إلى لعبة بث الحقد لأن نتيجتها لن تكون إيجابية على لبنان ولا على السوريين أيضا”.
وقال خلال استقباله لمسؤولين محليين، وفق بيان عن مكتبه الإعلامي، “إذا كان هناك من بين النازحين السوريين من أساء، فهذا لا يعني أن جميع النازحين السوريين مسيئون، وبالتالي يفترض التمييز بين هذين الأمرين”.
ويحاول الجيش اللبناني النأي بنفسه عمّا يجري من سجالات، وقيادته مشددة على أنها ملتزمة بالعودة إلى المرجعية السياسية، لكنها تجد نفسها منخرطة بشكل أو بآخر في تلك السجالات وهذا طبعا لن ينعكس سلبا عليها في الداخل فقط بل وأيضا في العلاقة مع القوى الكبرى الداعمة لها وعلى رأسها واشنطن.
ويرافق قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيس الحكومة سعد الحريري في الزيارة التي سيقوم بها للولايات المتحدة والمتوقع أن تبدأ خلال أسبوع. كذلك سيرافقه وزير الخارجية جبران باسيل ووزير الدفاع يعقوب الصراف. والاثنان محسوبان على “حزب الله”. كما سيكون الوزير معين المرعبي المكلف بشؤون النازحين السوريين، والذي يعتبر من أشدّ منتقدي “حزب الله”، أيضا في عداد الوفد المرافق للحريري في زيارته الأميركية والتي يتوقع أن يقابل خلالها الرئيس دونالد ترامب.
وبالتأكيد ستكون أزمة النازحين السوريين على رأس أولويات الحريري.