سجّل المجلس النيابي أمس إنجازاً كبيراً بإقراره سلسلة الرتب والرواتب، بعد نقاش دام سنوات طويلة، حُرم فيها جزءٌ كبير من اللبنانيين حقوقاً بديهية، مع أن الكباش لم ينتهِ بعد، ومن المتوقّع أن يستعر اليوم خلال نقاش الضرائب التي تستهدف المصارف والشركات المالية والعقارية، في ظل وجود فريق سياسي يرتبط بها ارتباطاً مباشراً ويخضع لضغوطها وابتزازها أحياناً ويعمل لمصالحها المتعارضة مع مصالح ناخبيه وجمهوره.
ما أقرّ أمس إنجاز يُسجّل لفريق حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر، في مقابل الرئيس سعد الحريري وحزب القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. ويمكن تشبيه ما حصل أمس، بما حصل أيام النّقاش حول قانون الانتخاب من انصياع لمبدأ النسبية، مع ضيق الهامش أمام الفريق المعارض وخشيته من الظهور بمظهر من يحرم الناس حقّهم الطبيعي بالسلسلة. كذلك يمكن القول إن الإنجاز الأساسي تحقق بعد محاولات ربط مصير السلسلة بمصير الموازنة، قبل أن تستقر التسوية على ما أعلنه الوزير علي حسن خليل عن إضافة نص إلى المادة العشرين من قانون السلسلة، يقول إن «اعتمادات السلسلة تدفع من الموازنة في حال إقرارها خلال شهر، وإلا تصبح ناجزة حكماً حتى لو لم تقرّ الموازنة». وبدا لافتاً أيضاً، أن هذا المخرج لم يغب عنه النائب القواتي جورج عدوان، تماماً كما كان حاضراً في مخرج الاتفاق على قانون الانتخاب.
أهمية ما جرى أنه يتخطى كونه إنصاف موظفين وعسكريين من جهة الراتب. فتطبيق السلسلة سيعني ضخ مئات ملايين الدولارات في السوق سنوياً، بدل تحويلها إلى الادخار (راجع صفحة 7). كذلك فإنه تضمّن إصدار مادة قانونية تمنح الموظفين يومي إجازة أسبوعياً (السبت والأحد)، في مقابل إضافة ساعة ونصف ساعة إلى دوام باقي أيام العمل، باستثناء يوم الجمعة الذي مُنح فيه الموظفون ساعتين للصلاة (الدوام من الساعة الثامنة صباحاً إلى الثالثة والنصف بعد الظهر). القرار الأخير صدر بصورة عشوائية، ولم يستند إلى دراسات جدية، فضلاً عن عدم أخذه في الاعتبار أن عدداً لا بأس به من موظفي القطاع العام كان مضطراً إلى الارتباط بأعمال أخرى بعد الظهر لتأمين معيشته. كذلك فإنه يحرم موظفين كثراً بدل ساعات العمل الإضافي (عدا عن تأثيره بحركة النقل في بيروت الكبرى والطرق الدولية بين العاصمة والأطراف). كذلك فإن هذه المادة رفعت عدد ساعات العمل الفعلية من 32 ساعة أسبوعياً إلى 35 ساعة ونصف الساعة.
الاختبار التالي تظهر نتيجته اليوم. فإما أن يتمكّن مجلس النواب من إقرار الضرائب على المصارف والشركات ذات الأرباح الهائلة، وإما أن يكتفي بتمويل السلسلة من الضرائب التي تؤثر في ذوي الدخل المحدود أكثر من غيرهم، ومن الاستدانة (وتالياً من الضرائب التي تصيب ذوي الدخل المحدود).
جلسة مجلس النواب أمس كانت تنذر بصدام كبير حول السلسلة، بسبب وجود أكثر من رأي بشأن كيفية بتّ الملف. لكن عدم تحمّل أي طرف وزر تطييرها، أدى في نهاية المطاف إلى إقرارها في الجلسة الصباحية. تيار المستقبل، رغم تأكيد رئيسه أن السلسلة حق للمطالبين بها، خرج على لسان النائب غازي يوسف ليعتبرها أشد خطراً على لبنان من نتائج عدوان تموز 2006، مغلّفاً موقفه بالكلام على ضرورة تحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات. وكذلك فعل الرئيس فؤاد السنيورة الذي تحدّث عن حقوق «فئات أخرى»، أي الهيئات الاقتصادية. بدوره، أكّد الحزب التقدمي الاشتراكي «التزام سقف الـ1200 مليار»، معلناً على لسان الوزير أكرم شهيب أن أي زيادة ستُقابل «بتحفظ». وفيما شددت مداخلات نواب «كتلة الوفاء للمقاومة» و«التنمية والتحرير» على ضرورة إقرار السلسلة، عكست مداخلات التيار الوطني الحر أهمية إنجاز الموازنة بموازاة إقرار السلسلة. إذ أكد النائب إبراهيم كنعان «أننا بتنا على أيام من إقرار موازنة ستؤمن وفراً بقيمة 1000 مليار يعوضنا عن إجراءات ضريبية مرصودة سابقاً للتمويل». وبعدما استفاض النواب في نقاشاتهم على مدى نحو خمس ساعات، أقرت الهيئة العامة في الجلسة الصباحية عشرين مادة.
أخذت المادة الثامنة عشرة المتعلقة بالمتقاعدين قبل التصديق عليها وقتاً استغرق قرابة ساعة ونصف ساعة، بعدما خلقت سجالاً حاداً بين خليل وكنعان، بسبب وصف الأول الوفر الذي خلصت إليه لجنة المال بموضوع الموازنة والذي بلغ 1000 مليار، بـ«المزحة». وقال: «نحن لدينا في حدود المئة ألف متقاعد تطورت رتبهم، فإذا أقرت الزيادة وفق قانون 98، يصبح دفع رواتب المتقاعدين 2500 مليار ليرة. أي بزيادة 770 مليار ليرة». ورأى أن الحديث عن الوفر «مزحة، وما جرى من مساهمات قد تم صرفه». ورفض كنعان التقليل من شأن ما أُنجز، واحتدم النقاش بينهما إلى حدّ دفع الرئيس بري إلى طلب شطب كل السجال بين وزير المال وكنعان. ومن باب السخرية، تدخل النائب أحمد فتفت، وقال: «معليش هيدا الإبراء المستحيل». فغضب كنعان وردّ بالقول: «بعدو مستحيل»! ثم تابع خليل حديثه شارحاً الصيغة التي يمكن أن توصل إلى حلّ للمتقاعدين وحتى النظر بنظام التقاعد، فأشار إلى أنه كان «هناك إجماع على أن النظام التقاعدي غير سليم». وأوضح الصيغة التي اتفق عليها، وخلاصتها أن تُقسَّط السلسلة للمتقاعدين على ثلاث دفعات. ووفقاً لهذا النص، الذي حاز موافقة الحريري وباقي الأطراف، تصبح تكلفة المتقاعدين للعام الأول 336 ملياراً، وبزيادة 136 ملياراً على السلسلة يصبح مجموعها 1300 مليار. أما في عام 2019، فتصبح 1768 ملياراً، أي بزيادة 436 مليار ليرة. فيما عاد كنعان وأكد أن كلامه على وفر الألف مليار في الموازنة «كان من باب الدعوة وليس من باب الاستنتاج الحاسم».
أما مساءً، فناقش مجلس النواب الإصلاحات في الإدارة العامة، تحديداً «وقف التوظيف في الدولة لمدة سنتين إلى حين إجراء مسح شامل للحاجات الإدارية». وقد وافق النواب على اقتراح رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل تكليف شركة استشارية دراسة الحاجات في كل وزارة وإدارة قبل التوظيف. كذلك أقرّ بند وقف التوظيف لسنتين (عارضه نواب حزب الله) شرط إجراء دراسة لواقع الإدارة العامة والموظفين والمعلّمين. وقد طالب وزير العدل سليم جريصاتي بعدم السير بالعطلة القضائية كما هي مقترحة (خفضها إلى شهر واحد سنوياً)، وقدم اقتراحاً بديلاً يقضي بالمناوبة بين القضاة لتجنب الفراغ القضائي. كذلك أقرّ مجلس النواب حق الموظفة المتزوجة بالعمل نصف دوام، بنصف راتب، لسنتين متتاليتين، لأسباب خاصة، يعود للوزير المختص الموافقة عليها بعد استشارة مجلس الخدمة المدنية.