بعد «مخاض» عسير استمر اربع سنوات، خرج «الدخان الابيض» من المجلس النيابي، اقرت سلسلة «الرتب والرواتب»، رفع الرئيس نبيه الجلسة الى الحادية عشرة من صباح اليوم بعدما اقرت جميع البنود الاصلاحية وتمت اعادة صياغة بعض موادها، فيما يستكمل النقاش اليوم بالبند الثاني المتعلق بتمويل السلسلة والتي ستبلغ تكلفتها بعد ثلاث سنوات 1772مليار ليرة...وهذا ما يفتح باب التساؤلات والمخاوف على مصراعيه، حول كيفية تأمين الايرادات لتغطية التكلفة؟ عدد كبير من النواب «عضوا على الجرح» ولم يتجرأوا على عرقلة «السلسلة» على «ابواب» الانتخابات النيابية، رغم ادراكهم ان «درب جلجلة» تأمين الاموال قد بدأ للتو، في ظل مخاوف جدية من الغرق اكثر في «مستنقع» الاستدانة والعجز.
وعلى هامش الجلسة النيابية حضر ملف جرود عرسال، والنقاش حول دور الجيش ازاء التطورات العسكرية المرتقبة، وبعيدا عن «المناكفات» الاستعراضية من قبل بعض النواب، فان موقف رئيس الحكومة سعد الحريري كان لافتا لجهة الاعلان عن وجود تغطية حكومية لقيام المؤسسة العسكرية بعملية «محدودة» في عرسال... هذا الموقف استوقف اوساط وزارية بارزة كشفت عن خلفيات هذا التحول العلني والواضح في موقف رئيس تيار المستقبل من ملف على درجة كبيرة من الحساسية على الصعيد الداخلي والخارجي.
وتعتبر موافقة الحريري على تغطية العملية العسكرية «المدروسة» للجيش استلحاق سياسي وحجز مكان في عملية واقعة لا محالة، وبحسب تلك الاوساط، فان قيادة الجيش انجزت قبل مدة دراسة شاملة عن الاوضاع في عرسال وجرودها، وتداعيات ما يحكى عن عملية عسكرية قريبة سينفذها الجيش السوري وحزب الله في الجرود، تم وضع سيناريوهات افتراضية عن كيفية تحرك المسلحين في تلك المناطق، وتبين انه لا مفر من تدخل الجيش في لحظة معينة في القتال الدائر مع وجود معطيات جدية تفيد بمحاولة دخول المسلحين الى مخيمات عرسال وحتى الى البلدة، وهذا ما حتم وضع خطط عملانية للتحرك السريع على الارض لتفادي حصول اخطاء ميدانية حصلت في السابق نتيجة حسابات سياسية «اربكت» تحركات الجيش «وكبلت» حركته... وبقية القصة معروفة.
الرئيس «غاضب»
وفي هذا الاطار لم يتردد رئيس الجمهورية ميشال عون، في تقديم الغطاء السياسي المطلوب لقائد الجيش العماد جوزيف عون، للمضي قدما مع القيادة العسكرية، للتحرك على الارض بما يحمي القرى اللبنانية ويؤمن «ظهر» الجيش ولا يجعله مكشوفا امام هجمات المسلحين المحتملة، الرئيس «استشاط» غضبا قبل ايام، بعد بلوغ الحملة ضد الجيش حدودا غير مقبولة، واعتبر ان ثمة من يريد اعادة «عقارب الساعة الى الوراء»، مؤكدا انه من غير المسموح ان «يغبر» اي احد على «رينجر» اي عسكري وضابط في الجيش.. وابلغ من يعنيهم الامر ان المؤسسة العسكرية لا تحتاج اي غطاء سياسي كي تتحرك، وهو بصفته القائد الاعلى للقوات المسلحة قد اعطى «الضوء الاخضر» المطلوب للقيام بما هو ضروري على الحدود الشرقية.
الموقف السعودي
طبعا الرئيس الحريري كان في اجواء هذه التطورات، لكن ثمة اسباباً عديدة دفعته الى هذا الموقف، لكن السبب الاهم، برأي تلك الاوساط، يرتبط بالخلاف السعودي -القطري الذي كان له التأثير المباشر على قرار رئيس الحكومة، فالرياض ترغب بشدة في «تأديب» الدوحة وتعمل على محاصرتها على مختلف الاصعدة، وكما يحصل ميدانيا في الغوطة الشرقية عبر تكليف «جيش الاسلام» مهمة تصفية « فيلق الرحمن» وعناصر «جبهة النصرة» التابعين للاستخبارات القطرية، رفعت المملكة «الخطوط الحمراء» التي كانت مرسومة سابقا بحكم التحالف الوثيق مع قطر في سوريا، ولم تعد مجموعة ابو مالك التلي تحظى باي غطاء سياسي سعودي، بعد ان كانت توظف في وجه حزب الله، ومن هنا يمكن فهم قرار رئيس الحكومة برفع «الفيتو» عن اي عملية تساهم في اجتثاث تلك المجموعات، لان الامر بات يتماشى مع المصالح العليا السعودية.
وفي هذا الاطار، «يبيع» الحريري رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «موقفا»، لكن من «كيس» السعودية، وهو بموقفه هذا يؤمن الغطاء السني للجيش للتحرك في بيئة محسوبة على تيار المستقبل، ويصيب اكثر من «عصفور» بحجر واحد، من جهة يرضي الرغبات السعودية، ومن جهة اخرى يسلف الرئيس موقفا يأمل في ان يقطف ثماره في الانتخابات النيابية، وحكومة العهد الاولى بعد الانتخابات.
وبحسب تلك الاوساط، لا تتوقف «المكاسب» عند هذا الحد، فرئيس الحكومة الذي يوضب حقائبه استعداداً لزيارة واشنطن، يعرف جيدا ان الادارة الاميركية «مهووسة» بملف مواجهة الارهاب، والمساعدات للجيش اللبناني تقدم على هذا الاساس وتحت هذا العنوان، وهو يعتقد ان واشنطن لم تعد تستثمر في ملف الحدود اللبنانية، وما يهمها حصرا في هذه المرحلة التقليل من وهج «انتصار» حزب الله في المواجهة المرتقبة، واشراك الجيش يخدم برأيهم هذه «النظرية»، ولذلك لا يرى الحريري ضيرا في الدخول شريكا «مضاربا» في تقاسم الارباح عندما تحصل جردة لاحقة في الاسباب التي ادت الى نجاح العمليات العسكرية، وعندها ستكون «الماكينة» الاعلامية جاهزة للحديث عن «الغطاء» من قبل رئيس الحكومة والذي كان حاسما في تغيير تفكيك «الالغام» من طريق الجيش.
حزب الله
وفي هذا السياق تؤكد اوساط بارزة في 8 آذار، ان خلفيات موقف رئيس الحكومة المستجد لا تعني كثيرا المقاومة من حيث الشكل، وسيجري التعامل مع المضمون كامر واقع، ومن الجيد ان يكون الحريري قد انتظر سبع سنوات كي يتوصل الى قناعة بان من يتواجد في عرسال ومحيطها «ارهابيون» لا «ثوار»، وان «يأتي متأخرا خير من ان لا يأتي ابدا»، وكل ما «يريح» الجيش «يريح» المقاومة، وما سيجري في الميدان سيوظف في المعركة الاستراتيجية الكبرى في سوريا والمنطقة، وليس بالامكان تجييره الى مكان آخر.
في هذا الوقت بلغ التوتر حدوده القصوى في الجرود مع ارتفاع وتيرة الغارات السورية على مواقع «جبهة النصرة»، وسجل في هذا الاطار اعلان «امير» جبهة النصرة ابو مالك التلي «النفير العام» في صفوف مقاتليه، ولوحظ انتشار كثيف للمسلحين اتخذوا مواقع قتالية متقدمة على تخوم الجرود.
«السلسلة»
في غضون ذلك يستكمل المجلس النيابي اليوم اقرار ما تبقى من بنود ضريبية في «سلسلة» الرتب والرواتب، التي اعلن وزير المالية علي حسن خليل انه اضيف الى المادة 20 نص يقول بان اعتمادات السلسلة تدفع من الموازنة في حال اقرارها خلال شهر، واذا لم تقر الموازنة يصبح قانون السلسلة ناجزا من تاريخ نشر القانون حتى لو لم تقر الموازنة. وهذا يعني انها ستكون نافذة خلال شهر بغض النظر عن اقرار الموازنة من عدمه، ومن ابرز ما اقر بالامس اعطاء الاساتذة ست درجات، وانصاف المتقاعدين مع تقسيط حقوقهم على ثلاث سنوات، وبعد نقاش ساخن حول وقف التوظيف لمدة سنتين وضعت المادتين المتعلقتين بهذا الشان جانبا، وكلف وزير المال صياغتهما، وقد اخذ المجلس النيابي باقتراح الرئيس بري الحفاظ على دوام العمل 35 ساعة على ان يستمر حتى 3.30بدلا من الساعة الثانية، ويصبح السبت والاحد يومي عطلة. في هذا الوقت تم توزيع جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد الخميس في القصر الجمهوري، ويتضمن 36 بندا من بينها التعيينات الدبلوماسية.