تحت عنوان " حب الوطن من الإيمان" كتب الفقيه المجدِّد "محمد جواد مغنية" في كتابه "الإسلام مع الحياة / ص/ 168"..( الوطن جامعة مشتركة، ورابط طبيعي بين أناسٍ يعيشون من جيلٍ إلى جيلٍ سوية على أرض واحدة معلومة الحدود، يجمعهم جامع اقتصادي داخلي، ومهما تباين سكان هذه الأرض بالدِّين والعرق، والغنى والفقر، والعلم والجهل، فإنهم ينتسبون جميعاً إلى أبٍ واحدٍ هو الوطن، شاءوا أو أبوا، فالصلة بينهم طبيعية لا تسقط بالإسقاط كما يقول الفقهاء).
إقرأ أيضا : إعتناق المسيحية يوجب السجن في إيران
وتماشياً مع مقولته الذهبية، لم نجد في أغلب الرسائل الفقهية عند مشهور الفقهاء الحديث عن الوطن بمعنى الجامع المشترك بين مكونات أبناء هذا الوطن، ولم نجد الحديث عن الحدود الجغرافية التي تحدد جغرافية الوطن، جُل ما تجده هو الحديث عن الوطن بالمعنى الشرعي الذي يتعلَّق بكيفية أداء الفريضة من صلاة وصوم لا أكثر ولا أقل، ولعل ذلك هي الفكرة الدعوائية العابرة للحدود والجفرافية باعتبار أنَّ الفكر الإسلامي هو فكر عابر للبحار والأرضين، ومن هنا نجد في ثقافتنا الإسلامية من أنه لا اعتبار للوطن بهذه العناوين ويسقط بإسقاطهم ولا قيمة له، وتسقط كل القوانين والأنظمة لأنَّ المصلحة الإسلامية يشخصها الفقيه أو ولاة الأمر، وبالتالي لا معنى للوطن بحدوده وجغرافيته،ويسقط عن أي اعتبار، وهذا ما يحصل في عالمنا العربي والإسلامي، ولا قيمة للدولة وقوانينها وأنظمتها ودساتيرها، ولهذا لا ندري أي ضابطة ورابطة تُحدِّد معنى الوطن، ويضيف :( ومعنى حب الإنسان لوطنه أن يعمل على توطيد هذه الصلة، ويتعاون على الخير مع من يحب الخير، ويجاهد ضد قوى الشر والظلام، ويفخر ويعتز بكل مظهر وأثر يرفع من شأن الوطن، وإذا تجاهل هذه الصلة، وكف التعاون مع إخوانه كان من "الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار"..)
إقرأ أيضا : مرثية نهر الليطاني
ويُكمل: ( قد يضم الوطن الواحد أدياناً وطوائف متعددة، لكل طائفة عقيدتها وتقاليدها بل قد يضم قوميات متعددة لكل قومٍ لغتهم وثقافتهم، ولكن الفروق الطائفية والقومية مهما بلغت من القوة فإنها لا تستطيع التغلب بحال على الجامعة الوطنية، والعلاقات الطبيعية بين أبناء الوطن الواحد ـ مثلاً ـ لبنان بلد الطوائف، فيه جوامع، وفيه كنائس، ومن يدخل الجامع لا يدخل الكنيسة، ومن يدخل الكنيسة لا يدخل الجامع، ولكن اللبنانيين كافة يسيرون على طريق واحد، ويدخلون مسارح ومدارس واحدة، ويقرأون صحفاً واحدة، ويبيعون ويشترون في سوقٍ واحد...) ثم يقول: ( في لبنان يأتي الوزراء على أساس طائفي، ولكن الوزارة نفسها لا طائفية فيها، ففي كل وزارة موظفون مسلمون ومسيحيون، بل في المحكمة الواحدة قاض مسلم، وآخر مسيحي، وثالث درزي، وليس بمحال أن يكون في البلد الواحد جامع للمسلمين، وكنيسة للمسيحيين، ولكن المحال المخالف لسنن الطبيعة، أن يكون لكل طائفة طريق خاص، وسوق خاص، ومسرح خاص، وصحف لا يقرأها إلا مسلمون أو مسيحيون، ليس بمحال أن يكون وزير العدل مسيحياً، ووزير الدفاع درزياً، ووزير الأشغال سنياً، ووزير السعي ـ البريد ـ شيعياً، ولكن المحال والفساد والفوضى أن يكون موظفو كل وزارة من أبناء طائفة واحدة، ومن هنا يتضح أن التمييز والتفاضل على أساس طائفي يفسح المجال للإنتهازيين الذين يجعلون قضيتهم قضية الدِّين والطائفة..!)
إقرأ أيضا : للمدافعين.. هل نسيتم شعاركم لولانا ما بيطلع من أمر الجيش شي؟!
وختم مقالته بقوله: ( إن التفريق والتقسيم في هذه الحياة بين أبناء البلد الواحد تبعاً للأديان والمذاهب أمرٌ يأباه العلم والدِّين، قد تخاف طائفة على حقها من الإجحاف والمحاباة، ولكن هذا الخوف يتلاشى تماماً إذا قضينا على الأوضاع القديمة، إنَّ حقوق الطوائف والفئات والأفراد تحفظ بالعدل والمساواة بين المواطنين جميعاً لا فضل لقريبٍ على بعيد، تحفظ الحقوق بالديمقراطية الصحيحة الكاملة، فيترك لكل فرد حرية الرأي، ولكل طائفة الحرية التامة في ممارسة شعارها الديني كما تريد..وبالتالي فإن المواطن الصالح هو الذي يعمل باخلاص لخير الوطن، ورفع مستواه، ويسلك سبيل الوحدة والأخوة بين المواطنين جميعاً، ويناضل كل من يتخذ الدِّين والوطن وسيلة لمآربه وشهواته، هذا هو المواطن الذي يحبه الله ورسوله والملائكة والناس أجمعين. )