في خطوة مشبوهة صدرت دعوة عبر شبكات التواصل الاجتماعي للتظاهر ضد الجيش اللبناني تبنتها جهة سمّت نفسها اتحاد الشعب السوري في لبنان، وموجهة إلى اللاجئين السوريين بأن يتلاقوا ويتجمعوا ضد المؤسسة العسكرية الرسمية، وذلك على خلفية ما جرى من تجاوزات طالت اللاجئين السوريين في بعض المخيمات لا سيما تلك الواقعة في جرود عرسال، علماً أنّ الجيش اللبناني الذي أقر بوقوع مثل هذه التجاوزات، بادر إلى معاقبة بعض الجنود المرتكبين إلا أن نتائج التحقيق الرسمي لم تصدر بعد لتكشف نهائيا كيف تم موت أربعة من الذين اعتقلوا من قبل قوة من الجيش في مخيمات اللجوء.
الدعوة للتظاهر والتجمع في ساحة سمير قصير في وسط بيروت من جهة غير معروفة ومن على صفحات التواصل الاجتماعي، جهة تخاطب اللاجئين السوريين في لبنان، وضد المؤسسة العسكرية، كلها مؤشرات على أن الدعوة غير بريئة بل مشبوهة، فاتحاد الشعب السوري في لبنان أولا، جهة غير معروفة ولم تتبن أي شخصية أو فرد سوري في لبنان هذه الدعوة، بل بدت الدعوة للتظاهر ضد الجيش اللبناني هدفها استنفار عصب لبناني في المقابل ضد اللاجئين، وهذا ما جرى فعلا إذ دعا أهالي شهداء العسكريين اللبنانيين إلى التظاهر في نفس المكان وفي نفس الموعد وضد الدعوة الصادرة عن الجهة السورية المذكورة والمشبوهة.
الأمر الثاني، أن الدعوة أرادت أن توحي وكأن اللاجئين السوريين وحدهم في عراء لبناني، بينما كل المواقف التي انتقدت الأخطاء التي ارتكبت ضد اللاجئين صادرة عن الجيش كانت من أصوات لبنانية، رفعت صوتها وطالبت بإجراء تحقيقات جدية ومحاسبة المرتكبين أيا كانوا، وصدرت عشرات المواقف من سياسيين وناشطين كانت شديدة الجرأة في تضامنها الإنساني مع اللاجئين السوريين، وفي دعوة المؤسسة العسكرية لتطبيق القانون.
الأمر الثالث، الذي يزيد من الشبهات حول ما يسمى اتحاد الشعب السوري في لبنان ودعوته للتظاهر ضد الجيش، وهو الأهم في هذا السياق أنّ ثمة من يريد أن يورط الجيش اللبناني في معركة مع اللاجئين السوريين، وهي جهات تريد أن تبيّض صفحتها السوداء تجاه دورها في خلق مشكلة اللجوء وتهجير السوريين من ديارهم فضلاً عن تدمير بلداتهم وبيوتهم. فكل لبناني وسوري يعلم أنّه إذا كان من جهة لبنانية مسؤولة عن مأساة النزوح وأصل وجودها في لبنان، فهو حزب الله الذي كان له الدور البارز والفعلي في تهجير مئات الآلاف من السوريين تجاه لبنان، بسبب انخراطه في القتال في سوريا لا سيما في مناطق القلمون وريف دمشق، وبالتالي إذا كان من جهة يمكن للسوريين أن يخاطبوها بكلام قاس ويعترضون عليها فهي حزب الله وليس الجيش اللبناني، انطلاقاً من هذه المسؤولية.
لا نريد أن يفهم من هذا الاستنتاج أنّه دعوة لتوجيه اللاجئين اللوم والاحتجاج إلى حزب الله، بل المقصود أن نضيء على الشبهة التي صدرت في الدعوة للتظاهر ضد الجيش اللبناني، باعتبار أنّ الأذى الذي نال اللاجئين من حزب الله لا يقارن بما وقع عليهم من الجيش اللبناني، وبالتالي فإنّ عدم صدور أيّ دعوة للاحتجاج على حزب الله والتظاهر في بيروت، يرجح أنّ الهدف إثارة شرخ لبناني سوري.
ربطاً بما تقدم يجب الانتباه إلى أنّ لبنان الذي احتضن اللجوء السوري، وتضامن أكثرية اللبنانيين مع ثورة الشعب السوري ضد نظام الاستبداد، وشهد لبنان في معظم مناطقه الكثير من حالات التضامن خلال السنوات الست الماضية، وشذ عن هذه القاعدة محور حلفاء النظام السوري الذين وحدهم من كانوا يضعون شرط الوقوف مع نظام الأسد مدخلا لأي تعامل ايجابي مع الشعب السوري ومنهم اللاجئون.
في الوعي اللبناني بالأزمة السورية كما عند السوريين عموما، أن المحور الإيراني وذراعه اللبنانية حزب الله، شركاء في مأساة اللاجئين، وفي البيئة الحاضنة لحزب الله ثمة إدراك عميق لدور حزب الله في هذه المأساة المسماة اللجوء السوري، لا سيما عمليات القتل والإبادة والتهجير والتغيير الديمغرافي، ولأن هذا الجرح الذي طال أعماق الوجدان الجمعي لدى هذه البيئة، ثمة محاولة لجعل التناقض سورياً لبنانياً، وليس حزب الله- الشعب السوري، عبر وسائل شتى منها محاولة شيطنة اللاجئ السوري، وإظهار أنّ مشاكل اللبنانيين الاقتصادية والأمنية والاجتماعية متأتية من هذا اللجوء، وهذا الخطاب غير البريء يرتبط بحسابات طائفية لبنانية، فحزب الله ومن خلفه المحور الإيراني بامتداداته يقايض جهات مسيحية حاكمة في لبنان بمزيد من السلطة في الشؤون الداخلية لها مقابل الانسجام مع سياسة شيطنة اللجوء، إذ كلما ارتفعت أصوات مسيحية ضد اللجوء وزادت من توترها تجاههم، كلما كان حزب الله يشجع هذه الأصوات بمزيد من السماح لها بحصة إضافية في لعبة التوازنات الداخلية، وهو على الأرجح أسلوب وجد صداه حتى لدى رأس الكنيسة المارونية التي باتت تربط بين الهجرة المسيحية من لبنان، واللجوء السوري في لبنان.
الكلام المبالغ فيه لجهة تضخيم أزمة اللجوء السوري أو لجهة أسلوب مقاربته من قبل الجهات الرسمية اللبنانية وعبر التحريض الذي يستدعي ردود فعل في المقابل، يستكمل التدخل الذي قاده حزب الله في الحرب السورية، ذلك أنّ الدعوات اللبنانية لمعالجة مشكلة اللجوء السوري في لبنان عبر المطالبة بعودتهم إلى أراضيهم، لا تترافق مع أيّ مطالبة لحزب الله بسحب مقاتليه من هذا البلد، فإذا كان اللجوء السوري جريمة بحق لبنان، فإن السلطات اللبنانية تتعامى عن دور حزب الله في هذه الأزمة.
دعوة التظاهر التي أطلقتها جهة سورية غير معروفة ومشبوهة باسم اتحاد الشعب السوري في لبنان ضد الجيش اللبناني، هي حلقة من حلقات اللعبة الاستخبارية التي تهدف إلى ضرب المؤسسة العسكرية اللبنانية عبر تصويرها وكأنها عدو اللاجئين السوريين في لبنان، وهي لعبة وإن كان من يديرها شديد الخبث، إلا أن اللبنانيين عموما يدركون في تجاربهم أن قوة هذه المؤسسة تكمن في أنها تمثلهم، وأنها كلما ازدادت قوة كلما باتت أي قوة مسلحة وغير شرعية في لبنان مكشوفة، والعكس صحيح فإضعاف الجيش اللبناني وتوريطه في قضايا إنسانية تتصل بانتهاك حقوق الإنسان، ومحاولة تصويره وكأنه الخطر على اللاجئين، ليس إلا محاولة مستمرة من قبل من يخاطب اللبنانيين صباحا مساء بأنه يدافع عن لبنان لأن الجيش اللبناني غير قادر أن يدافع عن أرضه، وأنه يحمل السلاح لأن الدولة لا تستطيع أن تحمي لبنان، فيما هذا الطرف غارق في حروب خارجية وفي تفجير قضية اللجوء السوري في لبنان بعد أن كان من أبرز مسببيها.