حتى في قراءة معركة عرسال المرتقبة، وتداعياتها، واحتمالات اندلاعها، تنقسم آراء اللبنانيين عمودياً. وفيما تشير الأجواء إلى أن المعركة قائمة، وهي بانتظار تحديد ساعة الصفر من قبل حزب الله، هناك من يعتبر على الضفة المقابلة أن الحزب يمارس الضغط النفسي والمعنوي على المسلحين واللاجئين لدفعهم إلى الإنسحاب. فيما آخرون يعتبرون أن الحزب لا يريد انهاء ملف جرود عرسال، ليبقى ورقة ضغط ومساومة ومسوّغ لكل نشاطاته العسكرية. ويشبهون ذلك بملف مزارع شبعا. لكن، وبمعزل عن هذه التفاصيل، فإن السياق المنطقي المبسّط يفيد أن الحزب يريد انهاء هذه الورقة، ولو لم يكن يريد ذلك، لما كانت تعممت كل هذه الأجواء الإعلامية، بشكل لم يعد الحزب قادراً فيها على التراجع عن خوض المعركة إلا في حال انسحاب المسلحّين.
لا شك أن توقيت المعركة يرتبط بجملة استحقاقات اقليمية حول سوريا، تبدأ بانشاء مناطق خفض التصعيد أو التوتر. لكن هناك إشارات إلى أن إيران تعارض هذه الإتفاقات. بالتالي، فإن السياق الطبيعي لذلك قد يؤدي إلى انشاء إيران بجهودها، وجهود حزب الله معها، المنطقة الآمنة التي تريدها هي، والتي ستمثّل عمقها الإستراتيجي ومنطقة نفوذها على الرقعة السورية، من البادية السورية إلى حمص والقلمون مع ريفه إلى العاصمة دمشق.
ووفق التقديرات، فإن حزب الله جهّز نحو 5 آلاف مقاتل لخوض هذه المعركة، وهو يشدد على أنه سيبدأها من الجهة السورية، فيما الجيش اللبناني لن يكون شريكاً في هذه المعركة، بل سيعمل على حماية الحدود من المتسللين. لكن هناك من يعتبر أن حزب الله كان يسعى عبر أساليبه إلى اشراك الجيش في هذه المعركة. وهذا ما تجلّى من خلال التوتر الذي حصل بين السوريين واللبنانيين أخيراً.
في المقابل، لا تنفي مصادر الفصائل في القلمون حصول تحضيرات وتحركات عسكرية من قبل الحزب في مختلف المناطق الجردية. ويقول المتحدث بإسم سرايا أهل الشام عمر الشيخ، لـ"المدن"، إن الفصائل تدرس كل الخيارات المطروحة على الطاولة، كما أنها تأخذ بالإعتبار إلى حد بعيد مسألة حماية اللاجئين السوريين في عرسال ولبنان، وتأمين سلامتهم. ويشدد الشيخ على أنهم يرفضون أي اشتباك مع الجيش اللبناني أو داخل الأراضي اللبنانية، مؤكداً أنهم يتعاطون مع لبنان كدولة مضيفة ليس أكثر.
ومما لا شك فيه أن هذه المعركة إذا اندلعت ستحتم تنسيقاً ميدانياً بين الجيشين اللبناني والسوري. وهذه مقتضيات ميدانية وعسكرية بعيدة من أي حسابات سياسية، ولها علاقة بمواجهة التنظيمات المسلحة وحصر تحركاتها وخطوط تنقلاتها. وهناك من يلمّح إلى تشكيل لجنة تنسيق بين الجيشين، تضم عدداً من الضباط، من أجل تنسيق تحركاتهما العسكرية، ومواجهة أي خطر قد يتهددهما، بالإضافة إلى ضبط تحركات المسلحين وحصرها في معابر محددة تكون خاضعة لسيطرتهما. لكن مصادر أخرى تنفي امكانية تشكيل لجنة من الجيشين، لأن هذا النوع من التنسيق لا يحتاج إلى ذلك، لأنه يفرض نفسه بحكم الأمر الواقع العسكري والميداني.