لا يبدو أن أحدًا ممن دخل جنة الحكم في بلدي يمتلك الحد الكافي من الخبرة في مجال الحقل الذي وطأه وتم اختياره لاعتلاء المنصب الذي تم تخصيصه له بخلفيات سياسية وتأثيرات حزبية، إنطلاقًا من انتمائه الطائفي والحزبي ومتكئًا على رغبة دائمة بالإنصياع للأوامر كانبطاح العبد أمام سيده ممزوجًا بهواجس جياشة لتنفيذ الأوامر الفوقية دون أي نقاش، بحيث تجعل منه خادمًا أمينا لزعيمه ورئيس حزبه الذي استغل هذا الإنقياد الأعمى لشخصيته دون أي إعتراض على كلامه.
إقرأ أيضًا: تباين الرؤية اللبنانية للأزمة السورية
الأمر الذي مكنه من إحاطة أقواله بهالة من القداسة فارتقى بنفسه إلى عرش الألوهية الأرضية، وبالتالي فإن تبعية المملوك لمالكه جعلت من هذا التابع شخصية هزيلة مسلوب الإرادة والقرار، وأضعفت لديه جهاز المناعة ضد الموبقات والمحرمات، فسولت له نفسه الضعيفة طرق أبواب الفساد والرذيلة والإنحراف، فإستخف بكل الملكات الأخلاقية الرفيعة كالصدق والأمانة والكرامة والشرف والتواضع وخدمة الوطن والشعب والإلتزام بالأوامر الإلهية والأنظمة العامة للبلد، فهان عليه إرتكاب الفواحش ما ظهر منها وما بطن كالسرقات والرشاوى وهدر المال العام واستغلال موقعه الوظيفي لاغراضه العائلية والأسرية ومصالحه الشخصية بالتحايل على القوانين المرعية واستباحة مرافق الدولة ومقدراتها لتهريب الممنوعات والصفقات المشبوهة والسمسرات وجمع الثروات الطائلة وتكديس الأرصدة وكنز الذهب والفضة بطرق غير مشروعة وبوسائل مخالفة للشرع والدين والمنطق دون خوف او وجل من ملاحقة قانونية في دنياه أو عقاب في آخرته.
إقرأ أيضًا: من عرسال إلى الرقة إلى الموصل
فما من مسؤول تبوأ منصبا وزاريًا أو نيابيًا او إداريًا أو حكوميًا خاليًا من شوائب الرشوة والتبعية والجهالة بالمركز الذي تسلق إليه أو الموقع الذي صادره بقوة ولائه لأحد فراعنة العصر لدرجة أنه يفتقد إلى الحد الأدنى من الخبرة والإختصاص بالوظيفة التي نالها كي يتحمل مسؤولياته تجاه الناس فتحولت بذلك وانسياقًا مع هذا الواقع. مؤسسات الدولة وإداراتها إلى مزارع مملوكة للمتسلطين عليها وإلى غابات تسرح فيها وحوش المال والنهب دونما رادع أخلاقي. بعدما غط الضمير في سبات عميق وغابت العوامل الإنسانية عن التفاعل في المجتمع بإستثناء المؤسسة العسكرية التي يراهن عليها الشعب لتبقى خشبة الخلاص للوطن من الضياع في خضم المهاترات السياسية والفلتان الأمني والإنحطاط الأخلاقي، سيما وأن بعض الأطراف السياسية والحزبية تحاول إستغلال بعض الأخطاء القسرية التي تقع أثناء قيام الجيش بمهمات أمنية للنيل من سمعته وتشويه الصورة الوطنية للمؤسسة العسكرية وهي الوحيدة التي لا زالت محط تقدير واحترام وإعجاب المجتمع الدولي والتي تشكل السياج المنيع لحفظ البلد واهله من أي إعتداءات خارجية ومن أي جهة أتت.
فالجيش هو الضمانة الوحيدة للأمان ومبعث للطمأنينة وهو الحد الفاصل بين التفلت الأمني وهدوئه وبين الفوضى والإستقرار وهو آخر معاقل الدولة الذي يحظى بثقة الشعب بكافة مذاهبه وطوائفه وتلاوينه السياسية وانتماءاته الحزبية.
ومن الإسفاف بمكان ايكال التهم الباطلة وزج الجيش في لعبة داخلية قذرة وتوجيه الإفتراءات العشوائية وتحميله مساوىء وتبعات وأخطاء الطبقة السياسية الفاسدة المتسلطة على مفاصل الحكم.
إقرأ أيضًا: اليوم التالي لتحرير الموصل
ونتوجه لهؤلاء السياسيين الذين سرقوا البلد بمؤسساته وامواله وصادروا قراره وأخذوا المناصب والوظائف، اتركوا لنا الجيش وارفعوا أياديكم الملوثة عنه، فهو أسمى وانزه وارفع من الاعيبكم الخبيثة وأكبر من أن يكون مطية لمشاريعكم المشبوهة وحساباتكم الإنتخابية الضيقة وزواريبكم الملوثة.
وأننا نهيب بالمؤسسة العسكرية أن تبقى الحصن الحصين للشعب والوطن، وتبقى على مستوى أمال الناس المستضعفة وأحلامها بمستقبل واعد وغد أفضل.