مختلف المؤشرات تفيد أن معركة جرود عرسال قد تبدأ قريباً، لاسيما بعد الطلب من أهالي البلدة ومزارعيها، الأحد في 16 تموز، ضرورة سحب آلياتهم من الجرود وعدم التوجه إليها حفاظاً على سلامتهم. وهذا دليل على أن المعركة أصبحت شبه قائمة، في ظل المعلومات التي تتحدث عن استنفار عناصر جبهة النصرة بتوجيه من أميرها في القلمون أبو مالك التلّي، تحسباً لاطلاق الرصاصة الأولى في هذه المعركة. لا سيما في ضوء ما يحكى عن إستعدادات لإقفال حاجز وادي حميد في الساعات المقبلة تحضيراً للمعركة. التوتر آخذ في التوسع أكثر، وكأن هناك من يريد اعادة احياء ذاكرة 13 نيسان 1975 وما سبقها من أحداث.
بشكل مفاجئ خرجت دعوة، من صفحة في فايسبوك تحت اسم اتحاد الشعب السوري في لبنان، بتنظيم تظاهرة ضد الجيش اللبناني. لا شك أن الصفحة مشبوهة، ويكفي للمرء أن يتصفحها ليكتشف ذلك. والأبرز أن هذه الصفحة أنشئت أخيراً، واستغلت توجيه المنتدى الإشتراكي لدعوة للتظاهر، الثلاثاء في 18 تموز، تضامناً مع اللاجئين من دون ذكر الجيش اللبناني، قبل أن يعلن المنتدى الغائها في وقت لاحق.
استغلت هذه الصفحة الوضع وعملت على توتير الأجواء. واللافت أنها شكّلت مناسبة، ليدعوا العديد من الموالين للنظام السوري إلى تنظيم تظاهرة مضادة والدفاع عن الجيش، ومطالبة الأجهزة الرسمية بمنع التظاهر ضد الجيش، كي لا يضطر أفرقاء آخرون إلى منعها. وهذا يعني حصول اشتباك مفترض، أو اشتباك مع المنتدى الذي ينظم تظاهرة داعمة للاجئين.
أكثر من رسالة يراد توجيهها من هذه الدعوات. وأبرزها تجذير العداء السوري للبنانيين والجيش اللبناني. وثانياً الإستناد إلى هذا الهجوم المفترض على الجيش، للإقتصاص من الجهة الأخرى التي حصلت على إذن باجراء التظاهرة في ساحة سمير قصير، وهي المنتدى الإشتراكي، بهدف منع أي شخص من التجرؤ على الخروج بتظاهرة مناهضة للنظام السوري وهذا ما حصل، ودفع إلى إلغاء التظاهرة التي كان مقررة. هذا المشهد يشبه الأحداث التي حصلت في بيروت في العامين 2011 و2012. النقطة الثالثة، هي شحذ الهمم اللبنانية ضد السوريين، من المدنيين والمسلحين، قبل اندلاع معركة جرود عرسال، لتوفير أكبر اجماع ممكن حول ضرورة حصول هذه المعركة. أما السبب الثالث، فهو لاستثمار الرأي اللبناني الحادّ ضد السوريين في ضرورة التنسيق مع النظام السوري لإعادة اللاجئين.
حتى الآن كل المؤشرات تفيد أن كل الدعوات التي استهدفت الجيش اللبناني وصوبت على اللبنانيين هي لعبة مختلقة، لتعزيز هذه الأهداف الأربعة، لاسيما أن إزدياد هذا الجدل حصل بعد موقف لافت لمفتي سوريا الشيخ أحمد بدرالدين حسون، الذي سجّل فيه اعتراضه على معاملة اللبنانيين للمدنيين السوريين، والذي وجه من خلاله انتقادات ضمنية للجيش اللبناني على المداهمات التي أجراها وما فعله مع اللاجئين، وفق وصفه. وهنا مكمن الخطورة، إذ بدأ النظام السوري وحلفاؤه الإستثمار في هذا السعار اللبناني السوري.
الأسوأ من ذلك كله، أن ما يحصل يبدو بعيداً من اهتمام الجهات المعنية، التي لا يبدو أنها تقارب هذا الملف بجدية، تماماً كما كان الحال في فترة إندلاع الحرب الأهلية. ونقطة الإرتكاز اللبنانية في توجيه الإتهام إلى السوريين والتصويب عليهم، التي دخل البطريرك الماروني بشارة الراعي أخيراً على خطّها، هي أنهم ينتزعون لقمة العيش من فم اللبنانيين، مع دعوات لايجاد حلّ سريع لهذه الأزمة المستفحلة. وهؤلاء، يدعمون موقفهم هذا بتشبيه واقع اللجوء السوري في لبنان بحال اللجوء الفلسطيني، ويغيب عن بالهم مفارقة أساسية، تتعلق بالوضع السياسي الدولي أولاً، وفي الإختلاف بين القضيتين السورية والفلسطينية. فللسوريين أماكن سيعودون إليها عند انتهاء الحرب والاتفاق على التسوية السياسية، بينما ليس للفلسطينيين أرضاً يعودون إليها، في ظل حرمان سلطات الاحتلال الإسرائيلي لهم من حق العودة. بالتالي، فإن التخوف اللبناني من توطين السوريين يصبح مشروعاً إذا تشبّه النظام السوري بالإسرائيليين في آلية تعامله مع المهجرين.