كشفت مصادر سياسية لبنانية أن كلام قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون أمام كبار الضباط في لقاء عقده معهم الأحد يستهدف تأكيد انضباط الجيش والتزامه بتعليمات السلطة السياسية ممثلة بمجلس الوزراء.
وكشفت أيضا أن خلفية الرسائل التي وجهها قائد الجيش في اتجاهات عدة تستهدف طمأنة السنّة في لبنان إلى أنّ المؤسسة العسكرية ليست بصدد شن حملة عسكرية على بلدة عرسال ذات الأهمّية الاستراتيجية والواقعة على الحدود اللبنانية ـ السورية.
وتعتبر الأوساط السياسية اللبنانية أي اجتياح للجيش اللبناني لعرسال بحجة “تصفية داعش” بمثابة “اجتياح إيراني” للبلدة.
وكان “حزب الله” وزع في الأسبوع الماضي معلومات نشرتها صحف لبنانية عدّة تؤكد أن مسألة قيام الجيش اللبناني بحملة عسكرية في عرسال ومحيطها مسألة وقت. لكنّ الأوساط السنّية، بما في ذلك رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، سارعت إلى التحذير من أيّ عملية من هذا النوع في ضوء الوضع السياسي الدقيق في البلد والشعور بالغبن الذي يشعر به أبناء الطائفة السنّية.
ومعروف أن لعرسال حدودا طويلة مع سوريا، وقد استقبلت عشرات الآلاف من النازحين السوريين وهي تعتبر جيبا سنّيا في منطقة شيعية يسيطر عليها “حزب الله” كلّيا.
وقام الجيش اللبناني قبل أيّام بعملية استباقية استهدفت مخيّما للنازحين السوريين في محيط عرسال كانت فيه مجموعة إرهابية تعدّ للقيام بتفجيرات في الأراضي اللبنانية.
واستطاع الجيش القضاء على الإرهابيين الذين فجروا أنفسهم وكان عددهم خمسة. لكنّ حملة اعتقالات شنها الجيش لاحقا في صفوف النازحين السوريين أدت إلى اعتراضات على نطاق واسع، خصوصا في الأوساط السنّية، بعدما قضى أربعة سوريين أثناء التحقيق معهم. ووعد الجيش بفتح تحقيق في ما جرى، لكنّ سياسيا لبنانيا أفاد بأن رئيس مجلس الوزراء اللبناني أبلغ قائد الجيش عندما استقبله السبت الماضي بأنّ على الجيش أن يجري تحقيقا شفافا في ظروف وفاة المعتقلين السوريين الأربعة، وعليه أن يرفع هذا التقرير إلى رئيس مجلس الوزراء الذي سيقرر هل ينشره أم لا.
ودفعت وفاة السوريين الأربعة الذين اعتقلهم الجيش، العماد جوزيف عون إلى القول في لقائه مع كبار الضباط “إن ما يميّز الجيش في عملياته العسكرية هو التزامه بمبادئ القانون الدولي الإنساني، خصوصا حرصه الدقيق على سلامة أرواح المواطنين والمقيمين الأبرياء، وهذا ما تجلّى أخيرا بتعرّض عدد كبير من العسكريين لإصابات خطرة نتيجة إقدام الإرهابيين على اتخاذ المدنيين الأبرياء دروعا لهم”.
وفسرت المصادر السياسية اللبنانية كلام العماد جوزيف عون هذا بأنّه سعي إلى تبرير الظروف التي رافقت وفاة المعتقلين السوريين ورفع أي مسؤولية عن الجيش اللبناني.
من جهة أخرى ترافق الكلام عن عملية عسكرية يقوم بها الجيش اللبناني في عرسال مع أنباء عن قلق أميركي من احتمال أن تكون هناك انعكاسات سلبية لمثل هذا التطور، خصوصا أن الرهان الأميركي في لبنان هو على المؤسسة العسكرية وعلى دعمها.
وقال سياسي لبناني إن الأميركيين لا يحبذون مواجهة بين الجيش اللبناني وأهالي عرسال تظهر المؤسسة العسكرية اللبنانية من خلالها أنها منحازة إلى حزب الله. كذلك لا يحبّذ الأميركيون مثل هذه العمليات في الأراضي اللبنانية التي تصبّ في خدمة السياسة الإيرانية في سوريا.
وذكرت المصادر السياسية اللبنانية أنّ الخوف الأميركي من العملية العسكرية يعود إلى أن إيران تريد من الجيش اللبناني تهجير أهل عرسال والسيطرة على كل منطقة الحدود اللبنانية ـ السورية وتحويلها إلى ورقة في يدها.
وأوضحت أن الهدف الإيراني من هذه العملية هو الرد على الاتفاق الأميركي ـ الروسي ـ الأردني الهادف إلى جعل منطقة الجنوب السوري “منطقة آمنة”.
وقالت إن إيران تريد عبر دفع الجيش اللبناني إلى اجتياح عرسال تأكيد أنّها لا تزال تمتلك أوراقا في سوريا وأنه ليس في الإمكان عقد أي اتفاقات من دون العودة إليها.
وأشارت إلى أن نظرة إلى خارطة للحدود اللبنانية ـ السورية تؤكد أهمّية عرسال ليس بسبب موقعها الاستراتيجي فحسب، بل بسبب العدد الكبير من النازحين السوريين فيها.
ويبلغ هذا العدد نحو مئة ألف سوري يقيمون داخل البلدة وفي مخيمات تقع في محيطها وذلك في منطقة ليس فيها تحديد واضح لما هو لبناني ولما هو سوري.