قبل أسبوعين، كان اللبنانيون يفرضون على أنفسهم، بالتزامن مع إعلان نتائج الشهادات الرسمية، حظر تجوال درءاً للرصاص الطائش. قبل ذلك، حصلت عشرات الجرائم بسبب أحقية مرور، أو موقف سيارة، أو «فشّة خلق». آخر حلقات الجنون السلبي الذي يُخيّم على لبنان، هو ما كان يُعدّ ليوم غد. الجهود التي تقوم بها الأجهزة الأمنية اللبنانية من أجل «الأمن الوقائي»، لا تعني أنّ الأمور بخير.

الوضع الأمني هشّ إلى درجة أنّ تظاهرة دعت إليها إحدى المجموعات تحت عنوان «التمييز العنصري الذي يتعرض له اللاجئون السوريون في المخيمات في لبنان»، يوم الثلاثاء، ولم تكن ستحشد أكثر من 50 شخصاً (بحسب توقّع المنظّمين)، كادت تُفجّره. وذلك بعد أن بدأ قسمٌ آخر من اللبنانيين يستعد للتظاهر، بالتزامن مع التحرك الأول، «دفاعاً عن الجيش اللبناني». أسباب بسيطة تُهدد بإشعال حرب في البلد، خاصة حين تُقرّر جهة مجهولة فرز الناس بين مؤيد للجيش اللبناني ومعارض له، ووضعهم في معسكرين متناقضين. احتدام النقاش على وسائل التواصل الاجتماعي، في اليومين الماضيين، أدّى إلى أن يُعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق، في بيانٍ، «عدم الموافقة على أي طلب من أي جهة للتظاهر حفظاً للسلم والأمن الأهلي». وأضاف أنّه «نعوّل على تسريع التحقيق المسؤول والدقيق في وفاة النازحين السوريين الأربعة».
اللافت في قرار المشنوق أنّه يشمل أيضاً التظاهرة التي دعت إليها مجموعات من «المجتمع المدني» وحزب الكتائب ضدّ فرض ضرائب جديدة، والتي دُعي إلى المشاركة فيها تزامناً مع الجلسة التشريعية في 18 و19 الجاري، حيث ستكون سلسلة الرتب والرواتب على رأس جدول الأعمال. السلسلة «تُنازع» أيضاً، لأن معارضي إقرارها لا يزالون يقفون لها بالمرصاد. في مقدمة هذه القوى تيار المستقبل والقوات اللبنانية، اللذان يتصرفان كحماة للهيئات الاقتصادية والمصارف، عبر التصدي لمحاولات فرض ضرائب تطال أرباح «حيتان المال». والخاصرة الرخوة التي سيحاول «المستقبل» والقوات تحقيق غايتهما من خلالها، هي تصوير منح المتقاعدين حقوقهم وكأنه سبب خراب المالية العامة.
مصادر القوات اللبنانية قالت لـ«الأخبار» إنّها «خلافاً لكلّ ما يقال، مع سلسلة الرتب والرواتب». وتتذرّع القوات بالمطالبة بأن تكون السلسلة جزءاً لا يتجزأ من الموازنة، وتطالب بتأجيل بتّ الاولى عبر ربطها بالثانية. وتبعاً لذلك فإنّ القوات «التي تُنسّق مواقفها مع المستقبل والتيار الوطني الحر تستكمل النقاشات اليوم انطلاقاً من هذا الموقف. ويفترض تبعاً للنقاشات أن تُقرّ الموازنة خلال عشرة أيام لتُعرض على مجلس النواب، على أن تكون السلسلة جزءاً منها».
أما عن تمسّك القوات بمبلغ 1200 مليار ليرة كسقف للسلسلة، فقد أشارت المصادر إلى أنّ مسألة الارقام قابلة للبحث لمعرفة ما هو الأنسب لتأمين الاموال المطلوبة وحقوق الناس وحفظ الاستقرار المالي. وأملت أن «يخلص اجتماع اليوم (للجنة النيابية الوزارية التي تدرس السلسلة) إلى معالجة كل المواقف، فينتج الحل للموازنة والسلسلة فلا يشكل انقساما جديداً يكون الهدف منه ترحيل السلسلة لخلفيات سياسية معروفة».


 


على الرغم من «إيجابية» القوات، والتزام رئيس المجلس النيابي نبيه برّي إقرار السلسلة في الجلسة التشريعية العامة، وإعلان وزير المال علي حسن خليل أمس أنّ «سلسلة الرتب والرواتب ستُقرّ الاسبوع المقبل بإرادة المخلصين، فلا سياسة من دون تأمين احتياجات الناس وتأمين مستلزمات أمنهم الاجتماعي والاقتصادي»، إلا أنّ الأمور لا تبدو بهذه السهولة، مع إبداء رئيس الحكومة سعد الحريري، والفريق المؤيد لموقفه، تخوّفه من أعباء إضافية على خزينة الدولة، ستتسبب فيها السلسلة. في هذا الإطار، تسأل مصادر نيابية، مواكبة للملف، «هل فُكّكت ألغام السلسلة؟ هل ما زالت كلّ القوى السياسية موافقة على الضرائب التي تسببت في تطيير الجلسة الماضية؟ وهل تأمّنت البدائل؟ وفي ما خصّ منح المتقاعدين حقوقهم، هل سيتم التزام السقف؟ هل الإيرادات متوافرة؟». وتستند المصادر إلى كلام النائب ياسين جابر، أول من أمس، الذي أعلن فيه أنّ «سلسلة الرتب والرواتب تحتاج الى هندسة مالية، أكانت من خلال تقسيطها أو توفير الإنفاق أو تجميع المداخيل».
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون قد دخل على خطّ السلسلة والموازنة، عبر رسالة «تحذيرية» شدّد فيها على «ضرورة تأمين سلامة المالية العامة للدولة من خلال إقرار الموازنة التي تحدد إيرادات الدولة والإنفاق فيها». وأضاف أنّ «ضبط المالية العامة يكون من خلال حسابات مالية شفافة»، مؤكداً ضرورة «احترام حقوق المواطنين وإبعادها عن المزايدات الانتخابية».
من جهته، تمنّى النائب وليد جنبلاط، بعد لقائه برّي، أن «نحترم التعهدات في ما يتعلق بسلسلة الرتب والرواتب، على أن لا تتخطى الـ1200 مليار ليرة، وسنناقش مع الوزير علي حسن خليل هذا الأمر في جلسة مغلقة قبيل الجلسة التشريعية»، مضيفاً أنه يجب «أن تسهم القطاعات المنتجة في دعم الموازنة، لأن هناك قطاعات تربح لكن لا تسهم بشكل كاف». وأشار إلى أنّه «لا بد من إعادة نظر في البنية الاقتصادية اللبنانية، وأنا من الداعين في الأساس إلى حماية الزراعة والصناعة، لأن الاستمرار في نظرية الخدمات والسياحة والمصارف أثبتت إلى حدّ ما أن هناك نقصاً كبيراً».
من جهة أخرى، يُرسل اليوم وزير الاعلام ملحم الرياشي إلى مجلس الوزراء طلب إدراج تعيين المدير العام لمجلس إدارة تلفزيون لبنان، ليُعرض في جلسة مجلس الوزراء التي أُرجئت الى الاسبوع المقبل. وسيتم التعيين من ضمن الآلية التي اعتمدها الرياشي ووزيرة التنمية الإدارية عناية عز الدين، اللذين التزما بآلية التعيين التي أقرّتها حكومة الحريري عام 2010.
ماكرون قلق من «تهديد حزب الله»
على صعيد آخر، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في قصر الإليزيه، إنّ فرنسا مستعدة لقيادة مسار ديبلوماسي من أجل التخفيف من خطورة التهديد الذي يُشكّله سلاح حزب الله في جنوب لبنان. ولفتت الصحيفة الاسرائيلية إلى أنّ إحدى القضايا التي بحثها ماكرون ونتنياهو هي أنّ نشاطات حزب الله في جنوب لبنان تُشكل خرقاً للقرار 1701. وأعرب الرئيس الفرنسي عن أنه «شريك للمخاوف الاسرائيلية إزاء نشاطات حزب الله في جنوب لبنان، والأسلحة التي يمتلكها».