الطقس خارج ايران حار سياسياً وطبيعياً، بينما فيها الحالة معكوسة. وإن كان هناك من تصعيد في جانب من المواقف السياسية، ففي الجانب الآخر منها باب مفتوح للحوار والبحث في الحلول المطلوبة للأزمات، من سوريا الى العراق فالبحرين واليمن وللأزمة القطرية.
ألقى مسؤول كبير في الخارجية الايرانية الضوء على كثير من القضايا، فتحدث اولاً عن الازمة القطرية التي تتصدر واجهة الاهتمامات الايرانية والاقليمية والدولية، فقال: انّ ايران تنظر الى الازمة القطرية الراهنة نظرتها السابقة الى الازمة الكويتية عندما اجتاحها الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث لم تنظر اليها من منظار تصفية حسابات مع الكويت او اي جهة أخرى او الاستفادة الموضعية من المرحلة اللحظوية التي حدثت، وإنما من منظار مبادئنا في السياسة الاقليمية الايرانية، القائمة على مبدأ استقلال الدول في منطقتنا.
واضاف: نرفض هذه السيطرة والسياسة المبنية على الهجوم من قبل أي طرف من الاطراف لا نريد ان نكون كإيرانيين في موقع الهجوم او ممارسة سياسة سلطوية في المنطقة، وبالتوازي مع هذا نعارض ان تتعامل اي دولة من الدول على المستوى الاقليمي من منظار السياسات السلطوية المبنية على الهجوم.
وأضاف: لدينا خلافات قطر، مثلما لدينا خلافات مع السعودية ودول اخرى، لكننا نعارض وبشدة السياسة المبنية على الهجوم والسيطرة على البلدان الاخرى. هذه نقطة اولى، امّا النقطة الثانية فهي اننا نعارض بشدة السياسة المبنية على الحصار الاقتصادي على الشعوب وعلى الامم الاخرى. لذلك نعارض وبشدة السياسة المبنيىة على الحصار المفروض على قطر او اي طرف من الاطراف الاخرى في منطقتنا.
اما النقطة الثالثة فهي انّ نظرتنا الى الاحداث على المستوى الاقليمي مبنية على مبدأ الحوار وحل الخلافات سلمياً، وعلى اساس الحوار الصريح والشفاف بين الاطراف المختلفة.
وسُئل المسؤول الايراني هل هناك وساطات لعقد حوار بين المملكة العربية السعودية وايران؟ فأجاب: «هناك محاولات لأطراف مختلفة للتوسّط بين السعودية وايران، ونحن بناء على مبادئنا في التعامل مع القضايا الاقليمية تجاوَبنا مع كل هذه المحاولات ولم نرفض أي طلب للوساطة قدّمه أي طرف، وفي مقدّم هؤلاء دولة الكويت وسلطنة عمان وأطراف اسلامية وغير اسلامية ايضاً، ولكن أكثر هذه المحاولات كانت من الدول الاسلامية وعلى رأسها الكويت».
أضاف: «نحن قلنا إننا منفتحون على اي اقتراح للوساطة ومستعدون للحوار المفتوح والمباشر مع السعودية، ولكن للسعودية سياسة اخرى ورؤية اخرى. الرياض بنت سياستها الاقليمية والدولية على اعتبار ايران سبب كل الازمات في المنطقة، وكذلك أقفلت السعودية كل الابواب لأي حوار بينها وبين ايران. لقد سقطت الوساطات.
حتى انّ المحاولة الكويتية التي قام بها امير الكويت الشقيقة الشيخ صباح الاحمد الصباح تعاملنا معها بانفتاح، فقلنا للاخوة الكويتيين إننا مستعدون للحوار وللرد الايجابي على محاولتهم، وخلال زيارة الرئيس روحاني الاخيرة للكويت ناقش هذا الموضوع في اللقاء الخاص بينه وبين الشيخ الصباح، وقد طلب الامير منّا رداً مكتوباً على الرسالة التي بعث بها الينا متوسطاً لحل الأزمة بيننا وبين السعودية، فهو كان أوفد الينا وزير الخارجية الكويتي ناقلاً رسالة بالوساطة الكويتية، وخلال اللقاء في الكويت ردّ الرئيس روحاني ايجاباً وأبدى الملاحظات الايرانية ورؤيتها إزاء هذه الوساطة، وكانت ايجابية ومنفتحة. فطلب امير الكويت منّا رداً مكتوباً، فكتبنا هذا الرد وأرسلناه للكويتيين الذين أكدوا لنا انهم سيتابعون مع الجانب السعودي، وحتى الآن لم يأتِ أي جواب جديد».
وعن طبيعة العلاقة بين ايران وقطر التي يتهمها البعض بأنها الداعم الاول للارهاب في المنطقة؟ قال المسؤول الايراني: «هذه طبيعة السياسة والديبلوماسية تتعامل مع اطراف مختلفة في كثير من القضايا يمكن ان تكون هناك خلافات بينك وبينهم، لكن في النهاية نحن دول متجاورة لن نتمكن من تغيير الجغرافيا والجيوبوليتيك.
وسياستنا في التعامل مع جيراننا مبنية على السياسة الطبيعية مع كل هذه الدول من قطر وغيرها. هل نتعامل مع أطراف نتفق معها في السياسة؟ لا بالتأكيد، إننا نتعامل مع دول واطراف بيننا وبين كثير منها خلافات واسعة وشاسعة.
نحن نتعامل مع تركيا كدولة جارة كبيرة ومهمة في منطقتنا ولدينا تاريخ من العلاقة معها كانت في بعض المراحل مبنية على الاصطدام المباشر. وهنا نتكلم عن التاريخ في القرون الماضية، وحتى اللحظة لدينا مصالح مشتركة.
تعاملنا مع البعض رغم الخلافات الموجودة... بيننا وبين قطر خلافات واختلافات، أشَرتم الى الموضوع السوري، مختلفون في شأنه مع قطر حتى اللحظة، وكذلك مع تركيا لكننا لا نقفل الطريق أمام المجالات الواسعة للتعامل الايجابي والعلاقة الايجابية.
المشكلة في الاطراف الاخرى انها تدير السياسة على أساس العقل البدوي، مع الأسف الشديد، اذا اختلف مع طرف من الاطراف او مع سياسة من السياسات يدخل في الحرب الواسعة على كل الجبهات ولا يتيح أي مجال للتنفس.
واضاف المسؤول الايراني: انّ أحد المبادئ الاساسية في السياسة الايرانية هو فتح مجالات التعامل الايجابي مع حفظ المبادئ والاصول والسياسات والخلافات والاختلافات، فمن الممكن أن تحتفظ بخلافاتك واختلافاتك، ولكنك تستطيع ان تبني سياسة منطقية على أساس التعامل الايجابي المبني على المصالح المشتركة الموجودة بطبيعة الحال بين الدول المتجاورة. هذه هي نظرتنا الى كل من السعودية وقطر وتركيا وللأطراف الاقليمية الاخرى.
ورداً على سؤال، قال المسؤول الايراني انّ ايران تتعامل مع الازمة السورية منذ بدايتها على أساس مبادئ، وقلنا ذلك على اعلى المستويات، قلنا اننا نعارض بشدة التدخلات الخارجية لفرض أجندات وسياسات من قبل الاطراف الاقليمية والدولية على الشعب السوري والحكومة السورية، نحن مع الحل الداخلي وادارة الازمة ولكن لن نعارض طموح الشعوب.
واضاف: أن تُعارض المطالب الطبيعية للمجتمع في اتجاه الاصلاح تَفتح آفاقاً للتدخل الخارجي كما يحصل على المستوى الاقليمي كله، ولا نسمّي بلداً بعينه، نحن في الازمة السورية قلنا اننا نعارض التدخل الخارجي بشدة، دخل بعض الاطراف الاقليمية والدولية في خط تصفية الحسابات التاريخية مع حكومة دمشق لأنها كانت اكثر استقلالاً على مستوى الوطن العربي قياساً مع كافة الحكومات العربية في القضايا المصيرية، وكانت تمثّل طموحات الشعوب والامة العربية والاسلامية في التعامل مع القضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني، حكومة دمشق كانت لديها سياسة مستقلة نسبياً قياساً مع الجهات العربية المتعددة.
بعض الاطراف الاقليمية والدولية دخلت على الخط لدفع الازمة السورية في اتجاه تحقيق مصالحها الخاصة وتصفية حساباتها مع حكومة دمشق وسوريا، وقد قلنا للاخوة في دمشق: تعاملوا ايجاباً مع مطالب المجتمع الطبيعية للاصلاح، نحن مع طموح الشعوب وهذه القاعدة تنطبق على كافة الحالات الايرانية والعربية السورية والعراقية والبحرينية والدول الاخرى.
ورفض المسؤول الايراني التعليق على اختيار الامير محمد بن سلمان ولياً للعهد السعودي، مكتفياً بالقول «انّ هذا الامر شأن داخلي لا نتدخل فيه».
وحول مستقبل العلاقة بين ايران والسعودية، قال: «نحن ننظر الى السعودية على انها دولة جارة، لم نتمكن نحن وإيّاها بعد من إحداث تغيير ايجابي في العلاقة بيننا».
واشار الى انّ ايران تعارض سياسات السعودية لتغيير انظمة الدول الاقليمية وفي مجالات عدة. واضاف: «في النهاية السعودية دولة جارة ونحن منفتحون، ونقول اننا نتمنّى حل المشكلات بيننا بالحوار والتوافق».
واشار المسؤول الايراني الى انّ ايران لا تنظر الى تنظيم «الاخوان المسلمين» نطرة عداء لأنه طيف سياسي متنوّع وحركة سياسية اجتماعية - فكرية - اقتصادية، طيف متنوّع من المغرب الاسلامي حتى المشرق العربي، ولا ننظر اليه من منظور العداوة إطلاقاً، وانما ننظر اليه كجزء من نسيج الامة الاسلامية».
لكنه اشار الى «انّ لدينا اختلافات مع «الاخوان» في كثير من المسائل، ولكن هناك مجالات مشتركة للتعاون الايجابي بيننا، ومنها القضية الفلسطينية التي يجب ان تكون المحور الاساسي للأمة الاسلامية. فمثلاً لا اتفاق كاملاً ولا خلاف كاملاً بيننا وبين حزب العدالة والتنمية في تركيا».
وشدّد انّ ايران لا تصنّف «الاخوان المسلمين» حركة إرهابية، فهذا طيف إسلامي واسع من اندونيسيا حتى اوروبا، ولكن اذا استخدمت فئة منه الارهاب تعتبرها هي نفسها حركة إرهابية.
وعن الوضع في سوريا أكّد المسؤول الايراني انّ بلاده لا تتدخل في تفاصيل الحل السوري، وقال: «الجهة التي تقرّر الحل في سوريا هو الشعب السوري الذي له الحق في تقرير مصيره حتى لو لم يختر الرئيس بشار الأسد».
وقال انّ طهران تتعامل مع لقاءات استانا لحل الأزمة السورية على أساس «التوافق والاجماع».
اضاف: عندما قدمت روسيا مسودة الدستور السوري ردّ الوفد الايراني معتبراً انّ هذا الامر شأن سوري بَحت لا يجوز التدخل فيه.
وقال انّ «طهران تؤيد خفض مستوى التوتر في سوريا في كل المناطق المكتظة بالسكان، وهي كلها تقع في الغرب السوري، واعتبر الاتفاق الاميركي - الروسي على وقف النار في الجنوب السوري «هو أمام اختبار كبير»، متسائلاً: هل ستلتزم واشنطن هذا الاتفاق بنحو صحيح ام ستخرج منه؟ فهي قبل سنة ونصف السنة توافقت مع موسكو على وَقف نار في الشمال السوري ولكنها خرقته».
ووصف المسؤول الايراني كلام البعض عن انّ ايران تشيع العلويين في سوريا بأنه «كلام تافه».
وماذا عن لبنان؟ يجيب المسؤول الايراني انّ «لبلاده علاقات واسعة مع كل أطياف الشعب اللبناني وفئاته السياسية والاجتماعية، والبعض لديهم موقف معين من ايران ونحن نحترم هذا الموقف، نحترم هذا الموزاييك اللبناني ونتعامل ايجاباً مع جميع الاطراف اللبنانية».
وعندما سئل: كل الاطراف اللبنانية بمَا فيها حزب «القوات اللبنانية»؟ أجاب: لن نتكلم عن جهة لبنانية في شكل خاص. نحن منفتحون على كافة الاحزاب التي تمثّل جزءاً من النسيج اللبناني بمَن فيها حزب «القوات اللبنانية».
ولفت المسؤول الايراني الى انّ بلاده ما تزال على اقتراحاتها السابقة لمساعدة لبنان وجيشه، «لكن بعض الاطراف عارضت هذه المساعدة بسبب بعض ارتباطاتها ببعض الجهات الاقليمية، فنحن سانَدنا المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي والآن نساند الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني بكلّ الإمكانات».