المعلومات الموثوقة التي حصَلت عليها «الجمهورية» تشير إلى أجواء «مكهربة» تَسودها، تأتَّت من اشتباك بين وزير الطاقة والمياه سيزار ابي خليل ومدير عام الاستثمار في الوزارة غسان بيضون، وتفاعلَ في الأيام القليلة الماضية الى حدٍّ وصَل فيه الوزير إلى توجيه تأنيبٍ خطّي لبيضون وأتبَعه بكتاب آخر بحسمِ عدةِ أيام من راتبه. ولا يبدو أنّ هذا الاشتباك توقّفَ عند هذا الحد، مع توجّهِ بيضون إلى الاحتكام لمجلس شورى الدولة وللطعن في كتابَي التأنيب والحسم.
وبحسب المعلومات، فإنّ الاشتباك اشتعلَ حول عرضٍ لعقدِ صفقةٍ بالتراضي مع إحدى الشركات «لتنفيذ أشغال استشارية» على صلة بـ»مشروع مقدّمي خدمات التوزيع».
وكان بنتيجته ان تفاقم الجدال والمراسلات بين وزير الطاقة ومدير عام الاستثمار غسان بيضون فأبرزَ الافتراق الحاد في نظرتهما الى العقد المذكور، حيث بدا انّ الوزير اصرّ على العقد فيما اعتبره بيضون مخالفاً للقوانين والانظمة.
واقترح على الوزير الاحتكام الى مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة للبت به وحول أحقّية الوزير بإبلاغ مؤسسة خاضعة لوصاية وزارته بمضمون مراسلاته الداخلية».
الّا انّ الوزير، وفي خطوة غير مسبوقة، وجَّه قبل ايام قليلة «كتاب تأنيب» إلى بيضون وتضمّن عبارات قاسية بحق بيضون وبعضها يطال شخصه، واتهمه بالجهل بالقوانين الأمرُ الذي يستدعي الحاجة إلى إعادة تأهيلكم من النواحي كافة». وفي خطوة غير مسبوقة ثانية تمّ الإيعاز من اركان الوزارة بتعليق كتابِ التأنيب على لوحة الإعلانات في الوزارة.
إلّا أنّ المسألة لم تنتهِ عند هذا الحد، بل تفاعلت اكثر بين ابي خليل وبيضون بعد اجتماع لجنة المال والموازنة الأسبوع الماضي والذي حضَره الطرفان، حيث جرى خلاله نقاشٌ حول المركز اللبناني لحفظِ الطاقة، وطلب النواب إيضاحات حول أعمال المركز وكيفية إنفاقه الأموالَ التي يتلقّاها.
وبحسب مصادر نيابية، فإنّ أبي خليل وعندما سُئل عن هذا الأمر فاجأ الحاضرين بردَّ قال فيه: إنّ مدير عام الاستثمار يُشرف على أعمال هذا المركز، وهو الأمر الذي استغربه المدير المذكور ونفاه الأخير رفضاً لتوريطه في هذا الامر، مؤكّداً أن لا علاقة له ولا عِلم له.
والواضح انّ ابي خليل لم يمرّر ما بدر عن بيضون في لجنة المال، فبادر سريعاً وبعد اجتماع اللجنة الى إصدار قرار عقابي ثانٍ بحق بيضون في 14 تموز الجاري، «بحسمِ خمسة أيام تأديبياً من راتبه».
هذه المسألة كان مثارَ استغراب قانوني وإداري وكذلك سياسي، إذ انّ ما قام به ابي خليل، كان محلّ استياء واستنكار كبير لدى مراجع سياسية عبّرت عن تحفّظها لاعتماد لغة غير مألوفة في التخاطب بين وزير ومدير عام.
لا بل مستفزّة، وانتقدت ما سمّته هذا الاسلوب غير المفهوم وغير المبرر. وهو ما دفع مرجعاً سياسياً الى القول: يقولون انّنا في دولة قانون وما الى ذلك من شعارات، وها هم يقدّمون الدليل على تلك الدولة عبر معاقبة مدير عام، لأنه يطبق القانون».
وعلمت «الجمهورية» انه تمّ التأكيد من هذا المرجع على وجوب «ارسال رسالة بهذا المعنى الى وزير الطاقة «لأن هذه الطريقة ما بتمشي».
الواضح ممّا تَقدَّم، أنّ هذا الاشتباك يُعدّ سابقةً في تاريخ الإدارة والعلاقة بين وزير ومدير عام، ويستحضر سيلاً من الأسئلة: لماذا يعتمد فيها المنحى التشهيري؟ علماً انّ مرجعاً اكّد لـ«الجمهورية» انه بصرفِ النظر عمّا اذا كان مدير عام الاستثمار على حق، او غير ذلك، فإنّ لغة التخاطب بهذه الطريقة التي اعتمدها الوزير في مخاطبة مدير فيها من العبارات والتجريح الشخصي الذي لا يليق بهذا الموقع، انّها سابقة لم يشهدها تاريخ الادارة اللبنانية، يبدو انّ هناك من يحاول ان يكرّسها».
على انّ السؤال الأهم، هو ما هو سرّ ودوافع تلك اللغة القاسية المعتمدة في التخاطب؟ ؟ وما هو سبب انفعال الوزير الى هذا الحد وعلى هذه الطريقة بالتعامل؟ ولماذا اصراره على هذا العقد مع احدى الشركات لتنفيذ أشغال استشارية لمعاونة مؤسسة كهرباء لبنان في إدارة مشروع مقدّمي خدمات التوزيع؟ هل خلف ذلك قطبة مخفية او خفايا معيّنة أو سرٌّ ما، ام انّ وراء الاكمة ما وراءها، وأدّى الى هذا الانفعال وبالتالي الاشتباك بين الوزير والمدير؟