أولاً: موجات اللجوء القسري
إستقبل العالم العربي ، ومن ضمنه لبنان، موجات اللاجئين المقتلعين من ديارهم، فاستقبلهم أفضل إستقبال، منذ قدوم الأرمن هرباً من مجازر السلطنة العثمانية، وجموع الفلسطينيّين الذين اقتلعتهم الصهيونية من أرضهم وديارهم وبلدهم فلسطين، وألقت بهم على حدود بلاد الطوق المحاذية لفلسطين، فاستقبل لبنان القسم الأكبر منهم في جنوبه، ولا أنسى يوم قرّرت الحكومة اللبنانية، مطلع الخمسينات من القرن الماضي وتحت ضغوط دولية ،إعادة تهجيرهم وقذفهم بعيداً عن الحدود الفلسطينية -اللبنانية لأكثر من خمسين كلم. وحضرت الحافلات لنقلهم، وتذكّرت النسوة المتّشحات بالسواد يوم رحيلهم عن ديارهم ،فأغرقن في النحيب ومواساة بعضهنّ البعض بالدموع والزفرات والحسرات.
أمّا اليوم ،والتهجير السوري، رغم فداحة التهجير الفلسطيني، يبدو أكثر تعقيداً ومأساوية .ملايين البشر قُذفوا في المخيمات الأردنية والتركية واللبنانية، واستقبلت أوروبا عبر البحار أعداداً فاقت الملايين، وكانت حصّة ألمانيا هي الأوفر، ولن تنسى البشرية ما قالته السيدة ميركل يوم تدّفُق اللاجئين على بلدها، وهي المستشارة الأولى: إستقبلوهم.. إفتحوا بيوتكم، إفتحوا قلوبكم لهم، كفكفوا دموعهم، وامسحوا الحزن عن وجوههم المتعبة، واسوهم، فهم إخوانكم في الإنسانية.
إقرأ أيضا : معركة الجرود على نار حامية
ثانياً: المواقف الإنسانية تتقدّم على ما عداها
نتعاطف مع اللاجئين كموقف إنساني يتمثّل بانتهاك وتجاوز كافة الحدود الجغرافية والطائفية والمذهبية والعرقية واللغوية، الموقف الإنساني لا يعترف إلاّ بالإنسان، في كل زمان ومكان، الإنسان بالنسبة له هو قيمة عليا لا يجوز المسّ بها أو الإعتداء عليها، الموقف الإنساني يتمثّل في تجاوز كل المشروطيات التي تحاول الحدّ من إمكانيات الروح البشرية أو تحول دون تفتُّحها وانطلاقها، الموقف الإنساني بالمعنى السامي للكلمة يُمثّل ذلك النضال الدؤوب الذي يقوم به الإنسان للرّد على ذلك الإذلال والفشل والإحتقار والخزي الذي يشعر به بسبب حصول العنف والحروب والمآسي، بسبب عدم قدرته على منع اندلاعها، إنّه يُمثّل مقاومة الإنسان لكلّ ما يريد أن يسحق إنسانيّته ، أو أن يقضي على نسمة الحرية والحياة الكامنة في روحه الإنسانية.
إقرأ أيضا : ابداءُ الرأي والنّقد السياسي لا يُبرّر السّب والقدح والكلام النّابي
الموقف الإنساني معادٍ للعنف والإرهاب والإستبداد والطغيان، بهذه المعاني نحن مع اللاجئين، وهذا لا يتعارض أبداً مع الحسّ الوطني والقومي والإنساني، لأنّ اللاجئين بحكم ظروفهم وأوضاعهم البائسة براء من كل دعوة عصبية أو طائفية ومذهبية، وبالطبع معادون للإرهاب الذي كان وراء مآسيهم كلها.