أثارت زيارة قام بها الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني إلى إيران، غضب الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، إذ وصفت في أربيل بأنها جزء من مساعي مواجهة مشروع الاستفتاء الكردي على الاستقلال.
وتحرص إيران على توظيف علاقات الرئيس السابق وشعبيته لإفشال الاستفتاء في وقت تسعى فيه إلى تمكين ميليشيا الحشد الشعبي الموالية لها من السيطرة على مناطق جديدة كانت محسوبة على العراقيين السنة أو مثار خلاف بين العراقيين.
وقبل أيام استقل الطالباني طائراته الخاصة المجهزة بعربة طبية مصنعة خصيصا لتفي باحتياجات زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يعاني من مشاكل صحية، وتوجه نحو طهران، فيما قال قياديون في حزب البارزاني إن هذه الزيارة تندرج في إطار تنسيق جهود جبهة الممانعة للاستفتاء الذي يعتزم إقليم كردستان تنظيمه في الخامس والعشرين من سبتمبر المقبل لتقرير مصيره.
وظهر الطالباني في صور مع بعض المسؤولين الإيرانيين، قبل أن يعود أدراجه إلى السليمانية.
وصدرت عن إيران مواقف واضحة تتعلق برفضها الاستفتاء الكردي. ويقول المرشد الأعلى علي خامنئي إن بلاده تعارض الاستفتاء في العراق وتعتبر الساعين لهذا الأمر معارضين لاستقلال ووحدة العراق.
ويرى الحزب الديمقراطي الكردستاني أن إيران تستخدم ورقتي “الماء والحشد الشعبي” للتأثير على القرار الكردي بشأن الاستفتاء.
وقال مسؤولون في الحكومة الإقليمية الكردية إن إيران قطعت مياه نهر يغذي مساحات واسعة من الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد داخل العراق، في حين يهيمن التوتر على خطوط التماس بين قوات الحشد الشعبي والبيشمركة الكردية في مناطق غرب الموصل.
ويصف وفيق السامرائي المستشار السابق للطالباني زيارته إلى طهران بـأن “لها معاني خاصة”، بشأن الاستفتاء على استقلال كردستان العراق.
وترفض حركة التغيير، والجماعة الإسلامية، وهما حزبان كرديان يملكان نحو ثلث مقاعد برلمان الإقليم المعطل “إجراء الاستفتاء إلا وفق تشريع يصدره برلمان الإقليم”.
ويشكك الحزبان في شرعية أي استفتاء يجرى في ظل تولي البارزاني منصب رئيس الإقليم بعد انتهاء ولايته القانونية. ويشترك الحزبان مع الاتحاد الوطني الكردستاني في مطالبة البارزاني بتفعيل برلمان إقليم كردستان قبل إجراء الاستفتاء.
ويمنع البارزاني رئيس البرلمان الكردي يوسف محمد عن حركة التغيير من دخول أربيل، ما تسبب في تعطيل عمل المجلس التشريعي للإقليم منذ أشهر.
ويريد البارزاني استفتاء آراء الأكراد في العراق أملا في التصويت لصالح إعلان دولة كردية. وتقول شخصيات مقربة من رئيس الإقليم إن “حلم الدولة الكردية يلح على البارزاني، ويريد له أن يصبح واقعا خلال حياته”.
لكن طموحات رئيس الإقليم تصطدم برفض داخلي وخارجي واسع. ولم يحظ البارزاني بأي حليف شيعي في العراق يدعم الاستفتاء، في حين يتردد القادة السنة في الكشف عن مواقفهم خشية إغضاب حليفهم في أربيل.
ويقول السامرائي إن البارزاني يجب أن يختار أحد الأمرين في ملف الاستفتاء، يتمثل الأول في “إقناع السليمانية (معقل الطالباني) بقبول استفتاء صوري، لأنه من دونها ستكون نسبة المشاركة ضحلة جدا، أما البديل الثاني فهو طرق باب بغداد كما طرقها من قبل خاضعا أثناء المعارك مع حزب الطالباني قبل احتلال العراق، وكما طرق أبواب كرج ومهاباد في إيران من قبل”.
والخيار الصعب جدا للبارزاني بحسب السامرائي، “هو المضي قدما في مشروع انتحاري سيؤدي به إلى الهرب إلى إسرائيل لأنها الدولة الوحيدة التي أيدت مشروعه علنا”.
وترفض تركيا أيضا هذا الأمر، ويقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “وحدة العراق أمر يزداد أهمية”.
ولا يبدو أن الحال أفضل بالنسبة للبارزاني مع الولايات المتحدة والغرب. وتقول الخارجية الأميركية إن الاستفتاء الكردي في هذا التوقيت يؤثر على جهود الحرب ضد تنظيم داعش.
ولم تحقق زيارة وفد كردي برئاسة البارزاني إلى مقر الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل، قبل أيام، ما كان يأمله.
وقالت وسائل إعلام أحزاب كردية مناهضة للبارزاني في كردستان، إن رئيس الإقليم فشل في لفت أنظار دول الاتحاد الأوروبي إلى مشروع الاستفتاء.
وتقول مصادر كردية إن البارزاني لم ينجح في عقد أي لقاء مهم في بروكسل. وعندما أراد أن يلقي كلمة في مقر الاتحاد الأوروبي، حضر عدد محدود جدا من سفراء الدول الأوروبية.
وأجاب البارزاني بحدة على سؤال أحد المندوبين عن سبب غياب ممثلي الأحزاب الكردية الأخرى عن الوفد.
وقال إن حركة التغيير تثير الفوضى في الإقليم، وتورطت في محاولتين انقلابيتين في كردستان. لكن مسؤولا في رئاسة الإقليم عاد بعد يومين وخفف من حدة تصريحات البارزاني ضد الحركة، مشيرا إلى أن “وسائل الإعلام فسرت التصريح على نحو خاطئ”.
ومهما يكن، فإن البارزاني فشل في تحقيق هدفه من خلال الزيارة، وهو حشد التأييد الدولي لمشروع الاستفتاء على مصير الإقليم الكردي، وفقا لسياسي كردي بارز.
ويقول المتحدث باسم كتلة الاتحاد في البرلمان العراقي، النائب عن محافظة كركوك شوان داوودي، إن على “البارزاني في ظروف حساسة وخطيرة مثل ظروف اليوم، أن يتعامل بمسوؤلية مع الأمر وأن يوحد كامل البيت الكردي لأن هذه القضية التي اضطلع بها قضية ليست بالهينة، وبعكس ذلك فإن المثل الكردي القائل: رفع حجر كبير دليل على عدم النية في رميه.. سينطبق عليه”، مشيرا إلى أن “على البارزاني أن يدرك أنه في حال الفشل فإنه سيتحمل أعباء مسوؤلية تاريخية”.
وأضاف أن “على القوى والأحزاب السياسية الكردية التي تقف في جبهة الضد من الاستفتاء والتي تعتقد أنه لصالح البارزاني أن تدرك أن فشل الاستفتاء لن يكون فشلا للبارزاني وحده، بل خسارة للأمة الكردية ككل”.
ويدرك البارزاني صعوبة المضي في تحقيق الاستفتاء في حال تشبث بسقوفه العالية. وعاد مسؤول بارز مقرب من رئيس الإقليم ليفسر تصريحات سابقة للبارزاني، ذكر خلالها أن الكرد سيفاوضون بغداد على شكل العلاقة بين الطرفين، بعد ظهور نتائج الاستفتاء.
وقال رئيس ديوان إقليم كردستان فؤاد حسين، إنه “ليس من الضروري إجراء المباحثات (مع بغداد) بعد الاستفتاء، بل يمكن إجراء المباحثات قبل الاستفتاء أيضا”.
وأضاف”يجب بدء الخطوات الدبلوماسية من أجل الاستفتاء، والاهتمام كثيرا بدول جوار كردستان”، مشيرا إلى “ضرورة حل المشاكل الداخلية في إقليم كردستان وتفعيل البرلمان”.