كل المعطيات من الجبهة الشرقية تشير الى ان ساعة الحسم اقتربت جدا، رغم ان توقيتها الفعلي يبقى رهن القيادة العسكرية لحزب الله، فمن كلام السيد نصر الله الجازم ان العملية ستنجز قبل اطلالته الاعلامية المقبلة، الى انتهاء الاستعدادات العسكرية واللوجستية مع اتمام قوات النخبة في الحزب معززة بوحدات هندسية انتشارها الهجومي، وهي قوات لا يمكن وضعها بحالة الاستعداد وانهاكها لفترة طويلة، تؤكد ان المحور المقاوم، وفي مقدمه حزب الله قرر الحسم عسكريا رغم المعارضة الاميركية حتى الساعة، بعد نجاح المرحلة الاولى من الخطة العسكرية مع انجاز الطيران السوري مهمته في انهاك المسلحين وتدمير آلياتهم ومخازن الاسلحة، مسببا ضعضعة في صفوفهم ادت الى انشقاقات وتسجيل حالات فرار.
اوساط وثيقة الصلة بما يجري على الحدود والاتصالات الجارية كشفت ان «قرارا» سياسيا اتخذ على مستوى عال في الدولة ابلغ الى قيادة حزب الله تقضي بعدم مشاركة الجيش اللبناني في اي عملية عسكرية الى جانبه او الى جانب الجيش السوري وهو غير معني بالتالي بما قد يحصل في الجرود الا بحدود المهام الموكلة اليه، وان القيادة العسكرية تبلغت هذا الموقف من المستوى السياسي، مؤكدة في الوقت ذاته ان حارة حريك ابلغت المفاوضين انها ستسلم الجيش اللبناني اي مناطق ستسيطر عليها داخل الحدود اللبنانية في منطقة الجرود لقطع الطريق على اي تاويلات او كلام هدفه اشعال نار الفتنة المذهبية وتصوير ما يجري على انه حرب ضد طائفة معينة فيما هو معركة ضد الارهاب الذي لم يميز بين لبناني وآخر.
واذا كان موقف رئيس الحكومة الاخير قد امن غطاء سنيا، وان شكليا، فان الضوء الاخضر الدولي وبخاصة الاميركي لشن عملية عسكرية، قد يجد الجيش نفسه شريكا فيها لم يصل بعد، لاعتبارات مرتبطة بالاستراتيجية الاميركية وتوازنات الساحة السورية، حيث ترى واشنطن، والكلام لمصادر ديبلوماسية رفيعة، ان لا دور عسكري لمسلحي الجرود بعدما انهكهم الجيش اللبناني وافقدهم اي فرصة للمبادرة الى الهجوم نتيجة ضرباته العسكرية والامنية الاستباقية، وبالتالي فان اي انهاء للوظيفة السياسية لهذا الوجود المسلح سيعطي حزب الله اوراقا اضافية على طاولة المفاوضات وكذلك لطهران، متخوفة من استفادة اسرائيل من هذا الوضع عبر تحريك نواب محسوبون على اللوبي الصهيوني في الكونغرس ودفعهم الى طلب استجواب وزير الدفاع الاميركي عن وجهة استعمال السلاح المقدم للجيش اللبناني ومدى «استفادة» حزب الله منه.
وفي هذا الاطار كشف مصدر عسكري ان الجيش اتخذ كل الاجراءات الضرورية واللازمة لتأمين مناطق انتشاره على طول الجبهة الشرقية وفقا للمعلومات المتوافرة لديه، مؤكدة ان المؤسسة العسكرية ملتزمة بشكل تام بقرارات السلطة السياسية صاحبة الامرة على الجيش وفقا للدستور، وكما تبلغ رئيس الحكومة من قائد الجيش، وهي بالتالي مسؤولة عن تأمين قطاع عملياتها، بما فيها مخيمات النازحين السوريين المقابلة لخط الجبهة، وصد اي هجوم قد تتعرض له مراكزه او محاولات اختراق اي من القرى والبلدات اللبنانية وفي مقدمها عرسال، معتبرا ان المعركة التي يحكى عنها في جرود البلدة وعلى بعد عشرات الكلومترات وليس داخلها ولن يسمح بنقلها الى داخلها. 
وأكد المصدر ان اي تحرك للمسلحين باتجاه تلك المخيمات سيواجه بالاجراءات التي تتناسب ونوعية التحرك، مؤكدا على ان الجيش سيعمد الى حماية وتأمين المخيمات، مطمئنا في الوقت ذاته الى ان الاوضاع في بلدة عرسال هادئة وكذلك داخل مخيماتها، رغم اجواء الخوف والقلق المخيمة، كاشفا ان عملية دفن السوريين الاربعة الذين توفوا في المستشفيات مرت بهدوء دون اي ردود فعل بعدما تسلم الاهالي جثثهم الخميس. ويشير المصدر الى ان كل ما ينشر خارج هذا الاطار في وسائل الاعلام او من مواقف هدفه توريط الجيش بما لا علاقة له فيه ومحاولة لزرع الشقاق بينه وبين الساحة السنية بالتأكيد والتي دون شك كانت من اولى ضحايا الارهاب، سواء من خلال عدد الشهداء الذين سقطوا من معارك نهر البارد الى عرسال وفي مقدمهم العقيد الشهيد نور الدين الجمل وقبله المعاون اول الشهيد زهرمان، وصولا الى اخذ بعض الضالين في بلدة عرسال رهينة لمصلحة الارهابيين مروعين اهلها زارعين الرعب والقتل في شوارعها، من هنا من حق اهالي البلدة على الجيش ان يعيشوا بامان وان يعودوا الى اراضيهم وحقولهم وكساراتهم دون خوف، بعدما اظهروا للجميع انهم لبنانيون قبل كل شيء ويشكلون بيئة حاضنة للمؤسسة العسكرية، ما ترك اثره الواضح على نجاح العمليات النوعية للجيش ومديرية مخابراته، فهم جزء لا يتجزأ من الحرب على الارهاب، ولذلك فان اي خطوة سيقوم بها الجيش ستصب حتما في خانة صون استقرارهم وحماية السلم الاهلي، محذرة أولئك الذين يلعبون على الوتر المذهبي متخذين من بعض المساجد منابر لهم، من ان ساحة الحساب لم تعد بعيدة، وان دار الفتوى تقف الى جانب الجيش والمؤسسات الشرعية وتدعمها في حربها ضد الارهاب.
 

 

 ملف العسكريين الاسرى  


واذا كانت موجة الهجوم الداخلية على خلفية ما حصل بعد توقيفات مخيمي «قارية» و«النور» وجلاء الحقيقة كاملة مع اكتمال ملف التحقيقات واحالة كامل الموقوفين الى النيابة العامة العسكرية اليوم، فان الاستهداف الممنهج للجيش لم ينته، ومستمر على ما يبدو من خلال محاولة امساك الجيش من «اليد التي تؤلمه» وهي ملف العسكريين الاسرى لدى الدولة الاسلامية منذ آب 2014، والذي عمد تنظيم «داعش» الى اعادة تحريك الخنجر في الجرح الذي لم يلتئم، في لعبة قديمة جديدة، اذ تلقى احد اهالي العسكريين اتصالا من مصدر تحدث باسم التنظيم مهددا متوعدا بالاقتصاص منهم ، ما دفع الاهالي الى التحرك والنزول الى الشارع في خطة وصفوها بالتصاعدية.
مصدر أمني مطلع اكد ان الجيش اللبناني لم يهمل هذه القضية منذ اليوم الاول، وان قائد الجيش العماد جوزاف عون يولي اهمية خاصة لهذا الملف، الذي دأب على التأكيد على اهميته في كل «امر يوم» يصدر عنه مؤكدا على ذلك في احاديثه مع الضباط خلال اللقاءات والاجتماعات الدورية، متابعا القضية مع الاجهزة العسكرية والامنية المعنية داخل المؤسسة وخارجها، كاشفة ان القيادة تتعامل مع الامر بعيدا عن الاستعراضات والاعلام، وهي المعنية الاولى باستعادة ابنائها قبل اي كان، وهي من اجل ذلك تسخر كل طاقاتها لتحقيق هذا الهدف، وقد قامت بأكثر من عملية نوعية بقيت طي الكتمان لاستطلاع مواقع يرجح وجود الاسرى فيها في الجرود، كما ان تحليلا يوميا يجري للصور والافلام الملتقطة من الجو لرصد اي شيء في هذا الخصوص، كما ان التحقيقات مع الموقوفين من الارهابيين تركز على هذا الموضوع.
ويتابع المصدر بان احدا لا يشكك في ولاء هؤلاء الابطال الذين قاموا بواجبهم حتى اللحظة الاخيرة، وانه اذا كانت حصلت عملية انشقاق فردية تحت ضغط التعذيب والترهيب فان ذلك لا يعمم على العسكريين التسعة، مقدرا وضع الاهالي داعيا اياهم الى عدم الوقوع في فخ بعض الذين يحاولون الاستثمار في دماء وحياة العسكريين وتحويلهم الى متاريس للتصويب ضد المؤسسة التي هم اصحابها قبل غيرهم ومعنيون بحمايتها قبل غيرهم، مشددا على ان القيادة لا تتأخر عن طرق اي باب ومتابعة اي خيط وساطة حتى النهاية، مقدمة كل التسهيلات الضرورية لانجاح هذه المهمة، كاشفا ان الفترة الماضية شهدت فتحا لخط تواصل قطعه الارهابيون دون معرفة السبب رغم ابداء الجيش استعداده للتعاون التام مع الوسيط وتقديمه اكثر من بادرة حسن نية، لم تلاق بأي تجاوب ما ادى الى انسحاب الوسيط.
معطيات كلها جعلت الاوساط السياسية تتساءل عن الاهداف التي تقف وراءها لتبيان القطبة المخفية المشنة في الحرب على الجيش وقيادته دون تبرير أو داع، ما يدفع الى القول ان ثمة من يحاول اضعاف الجيش الذي بدأ ورشة اعادة بناء نفسه بعد فترة الفراغ القاتل الذي اصابته في اكثر من مكان، في الوقت الذي نجحت قيادته في تحقيق توازن واضح بين مقتضيات التحالف مع الولايات المتحدة كداعم اساسي في الحرب ضد الارهاب، وضرورات التوازنات الداخلية القائمة على جمر الفتنة السنية ـ الشيعية التي يحاولون اليوم النفخ فيها، مورطين الجيش في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل، ظانين ان التصويب على اليرزة قد يصيب حارة حريك، «فكل الحملات هدفها استباق نتائج معركة الجرود عبر خلق فتنة داخلية».