ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله عندما دعانا إلى أن لا نتكلم بغير علم، وإلى أن ندقق بالكلمة التي نسمعها، وبالصورة التي نراها، وبالفكرة التي ترد إلى أسماعنا وتطرق آذاننا أو تبلغنا، فهو يريدنا أن نكون الواعين، لكي لا يتلاعب أحد بفكرنا وقناعاتنا ومشاعرنا وعواطفنا، فيأخذنا إلى حيث يريد، بل أن نكون حيث ينبغي أن نكون. وإلى ذلك أشارت وصية الله: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا}، أي أن لا تتبع إلا العلم واليقين والحجة الدامغة والدليل الواضح البين الجلي، الذي يكون كالشمس الواضحة عند إشراقها، والذي تملك أن تشهد الله عليه، وأن تدافع عنه بين يدي من يعلم حقائق الأشياء، ومن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فلا ينبغي أن تبنى قرارات أو مواقف أو أحكام على أساس الظن أو الاحتمال أو على أساس ما سمعته أو ما قيل لك، فقد ورد في الحديث: "إن من حقيقة الإيمان أن لا يجوز منطقك علمك"، و"ليس بين الحق والباطل، إلا أربع أصابع. الباطل: أن تقول سمعت، والحق أن تقول رأيت". وما أكثر الأحكام التي نطلقها ونحصد نتائجها السلبية، ثم نندم ونعتذر. والندم الأساس هو في الآخرة، حين نأتي وقد ظلمنا الناس، وهتكنا حرماتهم، وأسأنا إليهم، حتى يقال لنا: {وقفوهم إنهم مسئولون}، ولذلك، قدم حسابك لربك، وانظر ماذا يكون الجواب. ومتى وعينا ذلك، سنكون أكثر دقة ومسؤولية ووعيا، ولن نفرط في إيماننا وفي وحدة أمتنا، وسنكون قادرين على مواجهة التحديات".
وقال: "البداية من لبنان، الذي لا تزال تعبث فيه الأزمات على المستويات كافة، من دون حلول يشعر معها اللبنانيون بأنهم في بلدهم، وتضمن لهم عيشهم الكريم، وتشعرهم بأن هناك دولة جل همها أن تعالج مشكلاتهم وتسهر على حاجاتهم وأمنهم وأمانهم. ونبدأ بسلسلة الرتب والرواتب، التي ينتظر إقرارها شريحة واسعة من اللبنانيين من المعلمين وموظفي القطاع العام، وهي حق طبيعي لهم. ورغم أجواء التفاؤل التي تشاع، فإننا لا نجد واقعية لها، فالرافضون على رفضهم، والمطالبون بها لا يعلنون أن وراءها ضرائب جديدة، لن تقر بدونها، ولن يجازف أحد بفرضها على عتبة الاستحقاقات الانتخابية".
أضاف: "أما أزمة الكهرباء، فلا تزال تتفاقم بفعل زيادة التقنين في هذا الصيف الحار، ولا حلول سريعة في ظل التجاذب المستمر حول البواخر وآليات استئجارها. وبالطبع، هذا الأمر لن يكون حلا للأزمة، فالحل يكون بتوفير معامل لتوليد الكهرباء. وما يبعث هنا على الخجل والأسى، أن تتحضر سوريا لتدشين معملين على أراضيها لتوريد الطاقة، رغم الحرب القاسية التي تعاني آثارها منذ سبع سنوات، فيما يعجز لبنان في السلم عن إنشاء معمل للكهرباء".
وتابع: "بالنسبة إلى التعيينات في المواقع الشاغرة في الدولة، فهي لا تزال محكومة للمحاصصة، ولكنها بالطبع ليست محاصصة طائفية أو مذهبية، وإن عنونت بذلك، إنما هي محاصصة بين المواقع السياسية التي تلحظ في التعيينات المنتمين إليها أو القريبين منها أو المحسوبين عليها. وإذا كان هناك من خلاف حول آلية التعيينات، بين من يدعو إلى إبقاء الآلية المعتمدة في السابق، والتي تجعل أمر اختيار الأسماء بيد مجلس الخدمة المدنية، وبين إلغائها، فالآلية السابقة لم تنفذ أصلا، حتى تجري المطالبة بها، ولن تنفذ في ظل سعي كل فريق للاستئثار بالوظائف لحسابات تتعلق به، لتثبيت موقعه داخل منطقته أو طائفته، أو لتثبيت دوره في أية استحقاقات قادمة".
ودعا "الجميع الى الكف عن التلاعب بمصائر اللبنانيين ومقدراتهم، ولا سيما في المواقع الحساسة، فنحن نريد الموقع للأمين والكفوء، بعيدا عن انتمائه الديني والسياسي. نعم، نحن مع الأمانة والكفاءة، ولذلك، قلناها ونقولها، إن الكفوء الأمين الذي ينتمي إلى أي دين أو مذهب غير ديننا أو مذهبنا، هو أقرب إلينا ممن ينتمي إلى ديننا ومذهبنا ولكنه لا يتصف بالأمانة، ولا يملك كفاءة في عمله، فقرابتنا في مواقع المسؤولية هي قرابة الأمانة والكفاءة".
وقال: "نبقى في لبنان، الذي لا تزال البقعة المضيئة فيه تتسع، متمثلة بالذين يسهرون على أمن البلد، هؤلاء الذين تظل عيونهم مفتوحة لحماية حدوده الجنوبية من عدو غادر، وحدوده الشرقية من الإرهاب، من خلال تفكيك الخلايا الإرهابية أو السعي لإنهاء البؤرة المتبقية على الحدود، بعد أن أصبح واضحا خطر استمرار وجودها. وهنا، نثمن كل جهد يبذل لإيجاد حل لهذه البؤر من خلال المفاوضات، تجنبا لمعركة قادمة. وهذه المرة، يجمع اللبنانيون كلهم على ضرورة الحل، بعد أن وعى الجميع خطورة بقائها على الداخل اللبناني. وبالطبع، سيكون الموقف اللبناني هذه المرة بعيدا عن كل الاعتبارات الطائفية والمذهبية التي كانت تعيق أي تحرك في هذا الاتجاه أو أي معالجة لما يجري داخل مخيمات النازحين".
وتابع: "نصل إلى العراق، الذي تمكن بوحدته من تحرير الموصل من الإرهاب الذي عاث فسادا في مساحة كبيرة منه، ليؤكد أن الإرهاب ليس عدوا لفئة عراقية بعينها، بل هو عدو للعراقيين جميعا. إننا في الوقت الذي نهنئ العراقيين على هذا الإنجاز، الذي يؤكد حيوية الشعب واستعداده للتضحية بالغالي والرخيص من أجل وطنه، نرى أن هناك طريقا لا يزال طويلا قبل الحديث عن إنهاء هذه الظاهرة في الأماكن المتبقية والتصدي للخلايا النائمة، في الوقت الذي لا بد من أن نعالج الأسباب التي أدت إلى تغلغل الظاهرة في العراق وتناميها، وهي مسؤولية الدولة وكل القوى الفاعلة، كي لا تولد داعش أخرى بثياب جديدة، وبعناوين جديدة".
وقال: "نبقى في اليمن، لنشير مجددا إلى استمرار معاناة الشعب فيه، وحجم الكارثة الإنسانية التي تحدثت عنها تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، حيث تنتشر فيه الأمراض، وخصوصا الكوليرا، رغم آثارها الخطيرة، فضلا عن استمرار مسلسل الموت والقصف والتدمير الذي يطاول البلد بأهله وبنيته التحتية. لقد آن الأوان، رأفة بهذا الشعب، لإيقاف أتون الحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات التي هي السبيل لحل أزمة هذا البلد، والحفاظ على حقوق مكوناته".
وختم: "نحيي العملية الفلسطينية البطولية في القدس، التي تأتي كرد طبيعي على ممارسات العدو الصهيوني تجاه القدس والأقصى والتدنيس المستمر له، وهي تأكيد عملي على بقاء جذوة المقاومة لدى الشباب الفلسطيني مشتعلة، رغم كل حملات التيئيس التي تواجههم من الداخل والخارج. وفي الوقت نفسه، ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى الوقوف مع هذا الشعب، في صبره وجهاده، وفي إصراره على الصلاة في المسجد الأقصى، الذي اتخذ الاحتلال قرارا بمنعهم من أدائها فيه، هو الأول منذ العام 1969".