كادت أن تسقط بغداد بيد التنظيم الأكثر جنوناً وتطرفاً وإرهاباً من بين الحركات الإسلامية " الجهادية "، وأن يصبح العراق في خبر الخليفة البغدادي لولا تدخل الولايات المتحدة الأميركية لنصرة سلطة محسوبة على " الاحتلال " الذي جاء بها، وعلى إيران الممسكة بها حتى النفس الأخير، وقد قاد التعاون الأميركي – الايراني الأوّل جواً والثاني برّاً الى تحرير المحافظات والمدن التي وقعت دون مقاومة من الجيش العراقي بأسر داعش في لحظة طيش سياسي وأمني وعسكري لسلطة قادها أفشل شخص عرفته التجربة البشرية في الحكم بعد أن باع العراق للفوضى الطائفية والمذهبية، وجعل منه مأوى لكل ضليل فاشل دفعت به آيات السيف الى حتف ومصير أسود لفّ العراقيين وحاصرهم وبددهم وجعلهم فرقاً ومللاً تعصف بهم أهواء الخلاف وأغواء القتل لنصرة مجهول قادم من التاريخ أو معلوم يبني أمجاده على جُثة عراقية متحركة وناشطة بين الضحايا العراقيين.
إقرأ أيضًا: العبادي يصلح ما أفسده المالكي
سقطت الموصل أو استعيدت أو حُررت من الأسر المؤقت بتعاون أميركي – إيراني ولولا ذلك لبقيّت دولة الخلافة هائمة على هشيم من نار الفرقة العراقية، وهذا التعاون ليس بجديد فهو قديم قدم سقوط العراق في يد التحالف الدولي الذي قطع رأس صدام حسين، ورفع رأس الشيعة على خشبة السلطة ولولا الولايات المتحدة لبقيّ صدّام " السُني " حاكماً للعراق حتى ظهور المهدي، ولما وجد الشيعة ضالتهم في حكم العراق وبقيوا في مساجد الإنتظار يرجون الفرج بالدعاء الذي لم يسعفهم يوماً مما هم فيه من نزاع وشقاق.
هكذا ينظر أهل السنة الى دور أميركا في منطقة الشرق الأوسط كباعث أساسي لنهضة الشيعة من كبوة الوهن والضعف الى غلبة متقدمة بعد أن كانوا مغلوبين على مرّ التاريخ، طبعاً هذا المنطق التعصبي والمحادي للفهم المذهبي يرى ما يُبرر ذلك، ولا يعوّل كثيراً على ما قدمته التجربة البشرية والتي أكدت وجود منظومة مصالح تتحكم بالمواقف وبالتحالفات وبالصداقات وبالعدوات، اذ لا تعاون نتيجة تعويذة أو شعوذة بقدر ما هو مرهون بجملة مصالح سياسية واقتصادية تفرض على المستفيدين تعاط سليم وتحسين دائم لشروط التعاون المؤدي الى ما يحقق المصالح المشتركة وإن كانت هناك عداوات قائمة بين دول تنظم خلافاتها وفق أولويات مصالحها لا وفق اضطراباتها العقلية كما هو حال المتأدلجين من أهل اليسار واليمين.
إذن اميركا في نظر السنة رافعة أساسية للشيعة في المنطقة وعلى حساب أهل الجماعة، وتكفي الإشارة منهم على ما حصل في العراق وما يحصل في سورية واليمن لتأكيد حرص أميركا على انتشار الهلال الشيعي الواسع، ودعم ذلك من خلال عدم الإعتراض على إيران في سورية وتسهيل مهمتها هناك دون رادع دولي وتركها سارحة مارحة ودون توجيه رسالة أميركية خجولة لها لكيّ تخاف من رفض أميركا لدورها في سورية، وقد أعطت أميركا ايران العراق مرتين مرّة من خلال إسقاط نظام صدّام ومرّة من خلال تحرير العراق من داعش ولولا المهام الأميركية لما حصلت إيران على العراق ولما وجدت نفسها إيران سيدة في منطقة الشرق الأوسط بعد أن تمّ إزالة الدولة العربية العراقية الأقوى من أمام المشروع الايراني.
إقرأ أيضًا: المعلمون سمّعوا درس السلطة جيدًا
هذه الرؤية المثارة في الوسط السُني بين النخب الحاكمة وشبكاتها المتعددة وبين الشعوب العربية والاسلامية تعكس صعوبة المرحلة القادمة على خلفية قوّة إيران الأمريكية وتمادي نفوذها على منطقة حسّاسة وخصبة وأصحابها مستعدون لاستحضار دواعش جديدة لتدمير ما تبقى من دول لم يدخل اليها العنف بعد، ولم يزرها الموت الجماعي الذي ينتظر الفرص السانحة للبدء في بناء ورشه من المقابر المفتوحة على الجنة والنّار لإيصال الراغبين اليهما بأسرع وقت وبسهولة قصوى.
إن تحرير الموصل والدفع باتجاه تحرير جرود عرسال مع الرقة السورية ستنتج انتحاراً جديداً لمتطوعين تضج بهم مساجد يُذكر فيها اسم الجهاد ضدّ أميركا وعملائها من الشيعة وستهب روائح موتهم الكريهة في كل الاتجاهات وستملأ الأرض جُثثاً من الأبرياء، وهذا ما سيجعل النصر الموهوم مجرد هزيمة كبرى طالما أن أهل الفتن يروجون لها بأعمالهم وبسياساتهم التي أوصلت العرب والمسلمين على ما هم عليه من جنون مذهبي دمر وسيدمر ما تبقى من نظم وبُنى سياسية واجتماعية لصالح شيطان كل منهم يسميه بحسب هواه.