في عمر الورود وجدت بعض الفتيات أنفسهنَّ ربّات منزل وأمهات، فهنَّ اللواتي تربَّينَ على أنَّ الزواج باب السعادة؛ رضخن لقرار الأهل بتزويجهنَّ فانبهرنَ باحتفال الزفاف، والفستان الأبيض والمفرقعات الناريّة والرقص لساعات متأخرة، وبالفرح المنبعث من المحتفلين بهنَّ في ليلة العمر. لم يدركنَ أنَّ درب الحياة محفوف بالصعاب والمسؤوليات مع انتهاء الاحتفال المنشود، دربٌ قاسٍ لمنَ لم يعرف ما ينتظره أثناء سلوكه إياه. كثيرات يقلنَ إنَّهن لو امتلكنَ حرية الاختيار لما وافقنَ على هذا المصير، فبين الجهل والرضوخ وغياب الإمكانيات النفسية والتعليمية والاقتصادية والخوف من الرفض واجهت بعض الفتيات مصيراً قاتماً.
انتهاك لحقوق الإنسان
في تاريخ 15 شباط 2017، وبعد مرور 7 سنوات على "الخطة الوطنية لحقوق الإنسان" الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان النيابية، وافقت لجنة الإدارة والعدل على إلغاء المادة /522/ من قانون العقوبات اللبناني، التي تنصّ على أنه "إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم (الاغتصاب، الخطف بغية الزواج...) وبين المعتدى عليها أُوقفت الملاحقة، وإذا صدر الحكم في القضية عُلِّق تنفيذ العقاب الذي فُرضَ عليه". وقد عدِّلت الموادّ بدءاً من /503/ وصولاً إلى /521/ تحت الفصل السابع من قانون العقوبات، بعد مقترح قدَّمه النائب عن حزب "القوات اللبنانية" إيلي كيروز، وتتعلق بالإغواء، والفحشاء، والاغتصاب، والخطف.
زواج القاصرات يجعلهنَّ، وفق منظمة الصحّة العالمية، أكثر عرضة لمخاطر صحّية منها الحمل والولادة المبكرة، أما أطفالهنَّ فيكنَّ أكثر عرضة للمضاعفات المرتبطة بالمخاض الباكر. ويعدُّ هذا الزواج انتهاكاً مروّعاً لحقوق الإنسان ومرتكزاً لتعميق عدم المساواة بين الجنسين، إذ يعوق فرص تعلم الفتيات وتمتعهنَّ بصحّة أفضل وبناء حياة ملائمة لهنَّ ولأسرهن.
"جازة أو جنازة"
صعوبات جمَّة تواجه الجمعيات المدافعة عن حقوق النساء في لبنان جرّاء الموروث الذكوري المتحكِّم في نظرة المجتمع إلى المرأة ومكانتها ودورها الاجتماعي، ما يطبق الخناق عليها ويجعلها ضحيّة موروثات رجعيَّة وتسلط عائلتها والمرجعيات الروحية.
"جازة أو جنازة" حملة إعلامية جديدة أطلقتها منظمة "كفى" كجزء من حملاتها المستمرة لمكافحة تزويج القاصرات في لبنان، ساعية إلى تسليط الضوء على قانونية هذا التزويج والآثار السلبية المترتبة عنه. فالمنظمة تسعى إلى حثِّ المجلس النيابي على ضرورة إقرار قانون مدني يحدد السنّ الدنيا للزواج بالـ18 عاماً، وعلى إقرار التعديلات المقدمة من قبل لجنة الإدارة والعدل النيابية على الموادّ /503/ إلى /522/ التي تمنع تكريس تزويج القاصرات.
"وجب على الدولة اللبنانية، وفق عمار، الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والتشريعات الدولية، على الرغم من ضغوط المرجعيات الدينية. ونحن كمنظمة "كفى" سنستمر في حملاتنا لحثّ المعنيين على تطبيق القوانين، وحكماً سيساهم هذا الضغط على الأمد البعيد في التخلص من ظاهرة تزويج القاصرات".
أطلقت الأمم المتحدة عام 2016 مبادرة لتعزيز الجهود الرامية إلى وضع حد للزواج المبكر بحلول عام 2030، 13 عاماً من الانتظار مرهقةٌ وشاقّة حتماً، ستواجه خلالها الفتيات مزيداً من الصعوبات الحياتية والصحّية التي ستعوق تقدمهنَّ في زمنٍ باتت فيه المرأة فاعلةً ومؤثرة بنسبة كبرى في المجتمعات المتحضرة، لتبقى مقموعة ومسلوبة الحقوق في مجتمعاتنا التي "تلبِسُ قشرةَ الحضارة وروحُها جاهلية" وفق الشاعر نزار قباني.