لنبدأ من عُقاب صقر والحريرية السياسية ونعني بالحريرية هنا ما آلت إليه أوضاع تيار المستقبل، الذي نطق باسمه بالأمس النائب عقاب صقر، هذا النائب الذي لم يدخل قُبّة البرلمان منذ أكثر من خمس سنوات ولا رآه أبناء المنطقة التي انتخب نائبًا عنها، حتى حلّ ضيفاً على لبنان وبرلمانه في حفلة تنصيب الجنرال عون رئيساً للجمهورية.
فعلا المناسبة تستحقّ أن يقطع صقر إجازته الطويلة والحضور لانتخاب الجنرال رئيساً، الجنرال الذي سبق له أن "قطع" تذكرة ذهاب بلا إياب للرئيس الحريري عام ٢٠١١، والذي أصدر تياره الوطني الحر كتاب "الإبراء المستحيل" الذي يستفيض في تعداد مخازي تيار المستقبل وفضائحه المالية المرتبطة بحقبة الرئيس السنيورة.
إقرأ أيضًا: الشريعة الإسلامية وشجرة السيد سامي خضرة
النائب عقاب صقر حاول بالأمس أن يُقدّم صورة زاهية عن الحريرية، إلاّ أنّه فشل في ذلك، وبدل أن "يُكحّل" مواقف الرئيس سعد الحريري وتياره "عماها"، وزاد في غموضها واضطرابها.
يحاول تيار المستقبل ورئيسه أن يُغطّي مواقفه الخارجة على ثوابت الرابع عشر من آذار، التي ذهبت مع الريح بعد الإنتخاب الرئاسي وهي: سيادة لبنان واستقلاله وحياده وانتمائه العربي والنّأي بالنفس، يغطيه بالكلام الصاخب ضد سلاح حزب الله، وضد هجمات السيد نصرالله الإعلامية ضد المملكة العربية السعودية، في حين مهّد التيار ويُمهّد بمواقفه "الناعمة" تحت ستار "مصلحة البلد والحفاظ على المؤسسات الدستورية والاقتصاد والسياحة والاصطياف"، وذلك من خلال انتخاب الرئيس الذي جاهر بـ"ضعف" الجيش الوطني و"قوّة" المقاومة في الحفاظ على الكيان والنظام.
بعض صقور تيار المستقبل عملوا على نبذ اللواء أشرف ريفي ويعملون حاليا على إيغال صدر الشيخ سعد الحريري بالغضب على الوزير نهاد المشنوق، آخر الصقور المدافعين عن الحريرية في بيروت وعموم لبنان، وآخر الساهرين ليلا ونهاراً لحماية الحريرية السياسية من المتطفلين عليها.
ترى هؤلاء الحمائم يشنّون الحرب على ما تبقى من هيبة المستقبل التي يمثلها نهاد المشنوق، وكما قال الشاعر الحطيئة للزبرقان بن بدر وهو يمدحهُ فأقذع في هجائه:
"دعِ المكارمَ لا ترحل لبُغيتها واقعُد، فإنّك أنت الطاعمُ الكاسي".
كان في تيار المستقبل بعض الصقور التي اقتُصّ منها قُصَّت أجنحتها: اللواء أشرف ريفي، النائب السابق مصطفى علوش، النائب أحمد فتفت، ويمكن إضافة المفكر والعالم بالتراث والسياسة رضوان السيد والرئيس فؤاد السنيورة، واستُعيض عنهم على ما يبدو بالحمائم، وبات التيار في عهدتهم وزمنهم: زمن صقر وغطّاس خوري والنائب عمار حوري، وعلى التيار أن يتلهّى في هذا الزمن بالغنيمة التي آب بها بعد "الانبطاح" الكبير: منصب رئاسة الحكومة.
في تاريخ بني تغلب، قصيدة عمرو بن كلثوم الشهيرة التي افتخر بها بقومه وغالى في ذلك حتى قال فيهم أحد الشعراء:
"ألهى بني تغلبٍ عن كلّ مكرُمةٍ قصيدةٌ قالها عمرو بن كلثوم".
إقرأ أيضًا: القوميون السوريون روادُ الانقلابات الفاشلة.. من حُسن طالع اللبنانيين
لاعبو السياسة الكبار يستعيرون من لعبة الشطرنج الصبر والتخطيط والرئيس الحريري غالباً ما يضع أمام زوّاره رقعة شطرنج. في هذه اللعبة فإن "الوزير"، أو يسمّى "المستشار"، هو الأقوى ويكون إلى جانب الملك ليدافع عنه في اللحظات المصيرية، أما الجنود والقلاع فهي قابلة للتضحية في سبيل الخطة الكبيرة.
من أقنع الرئيس الحريري بالتضحية بالأقوياء من حوله؟ من طرد ريفي والسنيورة والآن يحرتق على المشنوق؟ حرتقة بصبيان الصحافة ومقالات مشبوهة وأخبار كاذبة؟
هل يستطيع الرئيس الحريري الفوز بانتخابات بيروت دون المشنوق؟ أو الفوز بأي انتخابات مقبلة دونه؟
يروى ان ملكاً كان له وزيرٌ مستشار كان كلما اراد ان يقتص من منافس اوغل في صدر ملكه عليه حتى يستبدله ببعره وكثر المستبدلون حتى صارت مملكة البعر، وقى الله سعد الحريري من صغار المستشارين.