التطور الذي شهدته الازمة السورية قبل ايام والمتمثّل باتفاق الرئيسين الاميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين خلال لقائهما في هامبورغ خلال قمة مجموعة العشرين على وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، يشكّل، في رأي سياسيين، محطة مهمة لاستشراف مستقبل الأزمة السورية، وبالتالي مستقبل المنطقة عموماً، فإمّا يكون هذا الاتفاق محطة في النزاع الدائر في سوريا، او يكون بداية تسوية نهائية لهذا النزاع، فإذا كان مجرد محطة فإنّ ذلك يعني انّ الازمة السورية مُقبلة على جولات وجولات جديدة من النزاع، وإنّ أوان حلّها لم يحن بعد سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي.
ويرى هؤلاء السياسيون أنّ اتفاق ترامب ـ بوتين إذا كان بداية للتسوية، فذلك يعني انّ الاوضاع على الساحة السورية، وتالياً في المنطقة، ستبدأ بالهدوء والتحسّن تدريجاً وشيئاً فشيئاً في قابل الايام والاسابيع، وعلى وَقع حصول تقدّم في مفاوضات جنيف بين وفدَي النظام والمعارضة برعاية الامم المتحدة ممثلة بموفدها الخاص الى سوريا ستيفان دوميستورا الذي أطلق أمس مواقف عبّر فيها عن تفاؤل حَذر إزاء الهدنة الاميركية ـ الروسية المعلنة في الجنوب السوري.
ويعتقد السياسيون المتابعون للأزمة السورية انّ إرادة السوريين جميعاً، نظاماً ومعارضة، لحلّ الازمة باتت هامشية لأنّ إرادة القوى الدولية هي التي ستحدد مسار سوريا ومصيرها. ويسجّل السياسيون أنفسهم في هذا الصدد انّ هناك جدالاً ونقاشاً دائرَين بين الروس والايرانيين حول حجم التفاهم الحاصل بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا في شأن الازمة السورية، وهل ما حصل بينهما هو تفاهم على مستقبل سوريا على قاعدة تقاسم الحصص؟
أم أنه تفاهم يأخذ في الاعتبار الحفاظ على هذا البلد والمساعدة على إخراجه من الأزمة وفق تسوية تحفظ البلاد السورية أرضاً وشعباً ومؤسسات في ظل دولة تلبّي تطلعات الجميع؟. ويؤكد السياسيون في هذا السياق ايضاً انّ الاسئلة التي يوجهها الايرانيون الى الروس حول حجم تفاهمهم مع الاميركيين، هي أسئلة باسمهم وباسم النظام السوري.
امّا في ما يتعلق بمستقبل لبنان، فيعتقد كثير من السياسيين انّ كل شيء يتعلق بشؤونه بات مرتبطاً بالملف الاقليمي، وليس بين الافرقاء السياسيين مَن هو مستعد للتورّط في تغيير المعادلة الداخلية والتي هي معادلة تغلّب سلطة فئات سياسية على حساب مصالح الناس، بل انّ بعض هؤلاء الافرقاء يعملون على تحقيق مزيد من السلطات على حساب المصلحة العامة، الى درجة يبدو معها لبنان وكأنه «دولة ضعيفة تتآكلها سلطات كثيرة».
ويستدلّ هؤلاء السياسيون الى ذلك من خلال السعي الجاري الآن الى تغيير آلية تعيين الموظفين التي اعتمدتها الحكومة السابقة، وذلك عبر تفاهم شكلي تمّ على إجراء التعيينات الادارية، وهذا التغيير اذا حصل سيُعيد لبنان «حارة كل مين إيدو إلو» في التعيينات، خصوصاً انّ بعض الافرقاء يطمح للاستثمار انتخابياً في موضوع التعيينات الادارية فيما هو يستعد لمعركته الانتخابية المقررة في أيار 2018.
امّا موضوع النازحين فسيستمر ضاغطاً على الدولة في كل المجالات السياسية والامنية والاقتصادية والمالية والمعيشية في غياب المعالجة المحلية - الاقليمية ـ الدولية الشافية له.
وفي ظل انقسام الافرقاء السياسيين بين داعٍ الى التواصل مع النظام السوري للبحث في سبيل إعادة هؤلاء النازحين الى بلادهم، فإنّ البعض يتوقع ان يتم التعاطي مع هذا الملف بـ»المفرّق».
فهناك فريق من القوى السياسية لا يملك اي «إجازة» إقليمية ـ دولية للتعاطي مع النظام السوري، ولكنه في الوقت نفسه لا يريد الدخول في صدام مع الفريق الآخر الداعي الى التفاوض مع دمشق، ولذلك سيبقى التعاطي مع قضية النازحين وفق ما يوَفّره الواقع من فرَص حلول ستكون جزئية في الغالب حتى إشعار آخر.
ذلك أنه ليس هناك قرار رسمي لبناني بالتعاطي مع النظام السوري، ولكن في المقابل هناك قرار واقعي بالتعاطي معه، من دون ان يؤدي هذا القرار الى ايّ خلاف بين الافرقاء السياسيين المنقسمين في الموقف من هذا النظام بين مؤيّد له ومتحالف معه وبين معارض له انسجاماً مع موقف حلفائه الاقليميين والدوليين الذين لم يغيّروا بعد هذا الموقف إيجاباً من دمشق.