أراد الرئيس سعد الحريري أن يثبت مبدأ التوازن السياسي في البلد. في هذا الإطار كان إستدعاؤه قائد الجيش العماد جوزيف عون للتشاور معه في مسألة عرسال، الاثنين في 10 تموز، وما يحكى عن معركة مرتقبة في جرودها، بالإضافة إلى معالجة ملف اللاجئين ومداهمات المخيمات في عرسال، التي وجهت ردة فعل سلبية، لاسيما في البيئة الحاضنة والمناصرة للحريري.
وبمجرد إعلان مكتب الحريري خبر دعوة قائد الجيش لاجتماع للتشاور، تحقق جزء من الهدف، لأن ما أريد الإيحاء به هو أن الحريري سيستفسر عما حكي عن انتهاكات حصلت بحق اللاجئين، بالإضافة إلى وفاة أربعة موقوفين.
هي المرة الأولى منذ انتخاب ميشال عون، يشعر الحريري أنه غير قادر على تحمّل الاستنزاف. إذ لا يمكنه أن يحتمل حصول معركة في عرسال، بالطريقة التي يتم التحضير لها، أي أن يكون حزب الله هو الذي يضع الخطة ويشن المعركة مقابل أن يكون مغطى من الجيش. كما أنه يجد نفسه مطالباً بحماية اللاجئين، انسجاماً مع بيئته ومزاجها الشعبي.
هذا من حيث الشكل. أما لجهة المضمون، فإن الحريري يثني على دور الجيش في محاربة الإرهاب وتفكيك الشبكات الإرهابية. لذلك، يبدي حرصه على أداء الجيش وضرورة تجنب أي أخطاء قد تؤدي إلى الضرر بسمعة المؤسسة العسكرية، سواء على الصعيد الشعبي أم على الصعيد السياسي في الخارج، خصوصاً من قبل دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية. وهي أطراف تشدد على وجوب فصل الجيش عن حزب الله، وعدم التنسيق الميداني بينهما.
في المقابل، يؤكد قائد الجيش أن المؤسسة العسكرية تعمل على مواجهة الإرهاب، وهي حريصة على اللاجئين. وما حصل لم يكن في الحسبان، إذ إن المعلومات تشير إلى أن القوة المداهمة لم تكن كبيرة، وكان هدفها القبض على أحد المطلوبين الخطرين الذي دخل أحد المخيمات قبل حصول المداهمات بساعات. وبناءً على هذه المعطيات، توجهت قوة من المجوقل إلى المخيم للقبض على هذا المطلوب، ولم يكن في حساباتها أنه سيحصل ما حصل، لكنها تفاجأت بوجود العديد من العناصر، من بينهم أشخاص جاءوا عبر طرق فرعية من الجرود إلى المخيم، وكان عددهم نحو 300 شخص. لذلك، اضطرت القوة المداهمة إلى اتخاذ الاجراءات التي اتخذتها، والطلب من هؤلاء الانبطاح أرضاً، تحسباً لحصول أي تفجير أو اشتباك يؤدي إلى مجزرة في صفوف العسكريين. ويؤكد قائد الجيش أنه حريص على المؤسسة العسكرية ومنعها من الاقدام على أي تجاوز، مشيراً إلى أن التحقيقات مستمرة حول ما حكي عن انتهاكات وتعذيب. وقد قدّم قائد الجيش تقريراً مفصلاً عما جرى.
ولا تخفي مصادر متابعة أن الطرفين سيستفيدان من نتائج هذا اللقاء، لأنه سيشكل مخرجاً للجميع. وبعد اللقاء، أكد الحريري أن "الدعم السياسي للجيش اللبناني غير مشروط، والمؤسسة العسكرية لا تشوبها أي شبهات. هناك أشخاص يحاولون أن يصطادوا بالماء العكر ولهؤلاء نقول خيطوا بغير هالمسلّة"، مشدداً على أن "الجيش حريص على المدنيين، ونحن على تواصل دائم مع قائد الجيش جوزيف عون. وأردنا اليوم أن يكون اللقاء أمام الإعلام لأن هناك تشويهاً للحقائق. الدعم السياسي كامل للجيش وهناك تحقيق بموضوع عرسال". أضاف: "نحن على تواصل مع كل القوى السياسية، وواجب الحكومة حسم أمر جرود عرسال، ونحن لسنا مع قيام حزب الله بفتح معركة في جرود عرسال".
حزب الله مصّر
اذاً، يفضّل الحريري التريث في الذهاب إلى معركة في جرود عرسال، وحريص على عدم تورط الجيش فيها، خصوصاً أن المعركة يريدها ويديرها حزب الله. أما بالنسبة إلى حزب الله، فإن الصورة واضحة لديه، وهو يعتبر أن معركة جرود عرسال آتية لا محالة، إذا لم يوافق المسلحون على المغادرة. وهذه المعركة سيقودها الحزب ولا علاقة للجيش أو الحكومة اللبنانية بها.
أما في شأن التنسيق مع النظام السوري، فيعتبر حزب الله أن الجميع سيلجأ إلى التنسيق معه. فكل الدول تتفاوض مع النظام في جنيف وآستانة، ولا يمكن للدولة اللبنانية الخروج عن السكة الواقعية والصحيحة. أما الحريري فلا يمكنه الموافقة على ذلك، لحسابات سياسية وانتخابية، لكنه لا يمانع أن يتم التنسيق عبر اللواء عباس إبراهيم، الذي لديه تصور شامل بشأن آلية التفاوض والتنسيق، ويمسك بتفاصيل هذا الملف.