التفاهمات الأميركية الروسية في المنطقة الجنوبية الغربية لسوريا، تعيد الاعتبار للتعاون الروسي- الأميركي في هذا البلد، وهذا الاتفاق الذي يندرج ضمن صفقة المناطق المنخفضة التوتر في سوريا، أظهر أن أولوية الأمن الإقليمي تتقدم على ما عداها من عناوين التغيير السياسي في سوريا، رغم تأكيد وزير الخارجية الأميركية تيلرسون غداة إنجاز الاتفاق خلال لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في قمة العشرين في هامبورغ، أنّه لا يرى وجودا لبشار الأسد وعائلته في مستقبل النظام في سوريا، على أنّ ما اعتبره بعض المراقبين في الاتفاق الروسي الأميركي بمشاركة أردنية، أنه يعيد الاعتبار إلى نظام الأسد لا يعبر بدقة عن التوجه لدى إدارة ترامب تجاه مقاربة الأزمة السورية، فالإدارة الأميركية لا تبدو مهتمة في المدى المنظور بكيفية إعادة الاعتبار إلى النظام السوري سواء في ظل الأسد أو في ظل نظام سياسي جديد يبسط سلطته على كامل الأراضي السورية.
ذهب مستشار الأمن القومي الأميركي إلى وصف الاتفاق هذا بأنه أولوية أميركية، فيما قال الرئيس الروسي إن إسرائيل شريك في الاتفاق إلى جانب الأردن.
ما تشي به المعلومات المتداولة، أنّ الاهتمام الأميركي منصب على استمرار عملية إنهاء تنظيم داعش في الأراضي السورية، وتعزيز دور قوات سوريا الديمقراطية الكردية، وفي الجنوب السوري على ضمان الاستقرار على الحدود الأردنية والحدود مع الجولان المحتل، لذا ركز الاتفاق الآنف الذكر على حفظ الاستقرار المتلازم مع محاربة جيوب تنظيم داعش في هذه المنطقة مع إبعاد النفوذ الإيراني عبر الميليشيات عن الحدود مع إسرائيل والأردن بضمانة روسية.
الاتفاق في جنوب سوريا جدد التأكيد على أنّ المظلة الأميركية والروسية باتت المقرر في المعادلة السورية إلى حدّ كبير، وتجربة الجنوب السوري أظهرت من خلال الصمت الإيراني والترحيب التركي إلى جانب الصمت العربي تسليماً بهذا الاتفاق، فيما تبدو إسرائيل الأكثر اطمئناناً بعدما نجحت في استدراج هذه المظلة الروسية الأميركية لضمان أمنها الحدودي بعدما تدهورت أحوال النظام السوري وسطوته، الذي لم يعد يشكل مصدر ثقة في قدرته على توفير الاستقرار على حدود الجولان كما كان الحال قبل اندلاع الثورة السورية ومنذ العام 1974 على وجه الدقة.
الاتفاق الروسي الأميركي يجعل إيران أكثر اهتماماً بالمزيد من إمساك مفاصل السلطة في لبنان وبتعزيز السيطرة الميدانية لحزب الله وميليشيات إيران في سوريا
الاتفاق الأميركي الروسي، الذي اعترضت فصائل سورية معارضة على مضامينه ولا سيما في ما ينطوي عليه من تأجيل حسم ملف الانتقال السياسي، وترسيخ الاستقرار في مناطق الجنوب على أسس تعزز، بنظرها، نظام مصالح مناطقي قد يزيد من نزعات الانفصال داخل سوريا، بالإضافة إلى مطالبتها بأن يكون اتفاق وقف النار شاملا كلّ الأراضي السورية، في المقابل لا تبدو إيران التي لم تعلن موقفاً سلبياً من الاتفاق، مطمئنة إلى مجرياته، ولا سيما استثناءها من المباحثات، بل إن التأكيد على استبعاد قواتها وميليشياتها من هذه المناطق لا يطمئنها علما أن إيران لم تبد اعتراضا لا على الاتفاق ولا على مشاركة إسرائيل كطرف فيه كما أكد الرئيس الروسي، من هنا يمكن فهم أن الاستعداد الإيراني، من خلال ذراعها الأبرز في سوريا ولبنان أي حزب الله، لملاقاة هذا الاتفاق بالمزيد من السيطرة على مفاصل القرار اللبناني، وفتح ملف النازحين السوريين في لبنان، شكّل إلى حدّ بعيد وسيلة من وسائل الدخول إلى المعادلة التي ترسم في المناطق الجنوبية الغربية السورية وفي خطوة استباقية على ما يمكن أن يحمله من مفاجآت، ويتمّ ذلك من خلال تفجير ملف اللاجئين السوريين في لبنان بما يحول دون إظهار المواقف المعارضة داخل السلطة اللبنانية لتدخل حزب الله في الأزمة السورية، فالعزف على وتر شيطنة اللجوء السوري غايته الأساسية إنهاء ما تبقى من جيوب معارضة للسياسة الإيرانية وللنظام السوري في لبنان.
تورط الجيش اللبناني في اقتحام بعض مخيمات اللاجئين السوريين ولا سيما في ما تردد عن موت بعض المعتقلين من قبل الجيش تحت التعذيب، وما أحاط بهذه العملية من تجاوزات طالت شظاياها مؤسسة الجيش وسط حال من الصمت الرسمي حيالها، يأتي كمقدمة لاستعدادات عسكرية معلنة لخوض حزب الله معركة إنهاء نفوذ تنظيمات إرهابية متواجدة على حدود منطقة عرسال من الجانب السوري.
وليس خافياً على المتابعين أنّ هذه الجيوب الإرهابية بقيت موجودة لسنوات رغم حصارها، ولا يمكن النظر إلى استمرارها في هذه المناطق بمعزل عن أهداف سياسية وأمنية يحتاجها حزب الله لأسباب شتى، قد يكون منها تبرير قتاله واستخدام هذا الوجود كوسيلة قابلة للاستخدام الداخلي اللبناني وفي إظهار دوره في مواجهة الإرهاب دوليا.
وهذا ما يطرح سؤال هل أن حزب الله وصل إلى المرحلة التي تتطلب إنهاء هذه الجيوب الإرهابية على حدود عرسال السورية؟
سيف المجموعات الإرهابية يبقى مسلطاً وقابلاً للاستثمار سواء في اتجاه الشعب اللبناني أو الشعب السوري، إذ يمكن لأي عمل أمني إرهابي يتم لصقه بهذه المجموعات سواء المتواجدة في لبنان أو على حدوده أو في المناطق الممتدة من الحدود اللبنانية إلى ريف دمشق الغربي، وبالتالي عملية تفجير ملف اللاجئين السوريين في لبنان والحديث عن عملية عسكرية ضد جيوب التنظيمات الإرهابية، أن يساهم في تأكيد الدور الإيراني ضد الإرهاب من جهة، ويحاول أن يفرض مساراً لإدارة عملية استخدام اللاجئين بما يخدم سلطة نظام الأسد والنفوذ الإيراني في مناطق سوريا الغربية من جهة ثانية، من دون حلّ هذه القضية، بحيث تطمح إيران التي شجعت على عمليات مقايضة ديموغرافية في القلمون السوري كما حصل في كفريا والفوعة والزبداني ومضايا، إلى خلق ظروف أمنية واجتماعية في مخيمات اللجوء السوري في لبنان، تدفع إما إلى عودة اللاجئين مرغمين إلى سوريا، أو إلى تهجيرهم مجددا إلى مناطق خارج لبنان.
وقبل ذلك فإن النظام السوري ليس بوارد أو قادر على إعادتهم وما يثبت ذلك وجود نحو ستة ملايين لاجئ داخل سوريا لم يسع النظام إلى إعادتهم.
علما أن جزءا كبيرا منهم هم في مناطق نفوذه هذا كله، دون أن نشير إلى السياسة التي اعتمدها وهي تهجير كل من يعاديه من بيئات حاضنة للمعارضة بما يحول دون عودتها بعدما دمر أماكن سكناها بشكل كامل.
من هنا فإن الاتفاق الروسي الأميركي يجعل إيران أكثر اهتماماً بالمزيد من إمساك مفاصل السلطة في لبنان وبتعزيز السيطرة الميدانية لحزب الله وميليشيات إيران في سوريا، سواء عبر عمليات تفريغ مناطق النفوذ خاصة تلك المحاذية للحدود مع لبنان مع السماح بعودة جزئية للاجئين بما لا يهدد هذا النفوذ أو يخل به.
ولكن هذه السياسة تبقى غير قابلة إلا للمزيد من عدم الاستقرار طالما أنّ البيئة السورية ولا سيما تلك التي شارك حزب الله في قتالها إلى جانب النظام السوري أو وحيداً، لن تسلم بسلطته التي باتت ضرورية لصمود نظام الأسد.
فالنظام الذي يتداعى رغم الفرص الدولية التي تعطى له، غير قادر على الصمود في أيّ بقعة من دون الوجود الإيراني وهذا بحد ذاته عنصر استمرار للحرب وللاستنزاف الذي ثبت قواعده الاتفاق الروسي الأميركي بعنوان خفض التوتر على الحدود السورية مع الأردن وإسرائيل، وهذا لا يعني لجم الاستنزاف بعيدا عن هذه الحدود وعلى امتداد الداخل السوري حيث يترسخ النفوذ الإيراني ونظام الأسد.