يحاول حزب الله دق إسفين في العلاقة بين الجيش والشارع السني في لبنان، ترجم في تصريحات قياداته الموحية بأن هناك حملة ممنهجة تستهدف المؤسسة العسكرية، وتركيز وسائل إعلامية مقربة من الحزب على تصريحات لمسؤولين انتقدوا طريقة التعاطي الأمني مع النازحين السوريين.
ولا يخفى أن هناك تململا داخل الوسط السني حيال أسلوب معالجة بعض الملفات الأمنية ومنها مسألة اللاجئين، بيد أن الحزب يحاول رش المزيد من الملح على الجرح، لتحقيق جملة من الأهداف بينها التسويق لصورة الداعم للمؤسسة العسكرية في مواجهة الإرهاب وأيضا تقديم صورة مشوهة عن أبناء الطائفة السنية من قبيل أنهم معادون للدولة ومؤسساتها، وجميعهم لديهم خلفيات متطرفة، وذلك لحسابات إقليمية مرتبطة بإيران أكثر منها داخلية.
وذهبت قوى وشخصيات سياسية لبنانية تدور في فلك حزب الله حتى التهديد والوعيد لكل من يوجه انتقادا للجيش، على غرار الوزير الأسبق وئام وهاب الذي بعث برسالة إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون، عبر حسابه على “تويتر”، قال فيها “جوزيف عون اضرب كل أوكار الإرهاب والناس معك والذين يهاجمون الجيش مرتزقة وساقطون وعلى القضاء التحرك ضدهم بحزم ومحاكمتهم”.
وقبلها كان لوهاب تصريح لافت حين قال إن أي معارض لحملة الجيش “سنتولى إسكاته”.
وجاءت رسالة الوزير الأسبق بعيد استدعاء رئيس الحكومة سعد الحريري للعماد جوزيف عون، على خلفية الجدل الذي أثارته وفاة أربعة نازحين سوريين معتقلين لدى الجيش.
وهناك شكوك كبيرة بتعرض هؤلاء النازحين للتعذيب ما أدى إلى وفاتهم، وهو ما ينفيه الجيش الذي اعتبر أن أسباب الوفاة تعود بالأساس لإصابتهم بأمراض مزمنة، وقد تدهورت حالتهم الصحية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
ويلاحظ أن هناك محاولة واضحة لإغلاق هذا الملف، فيما تصر قوى سياسية وحقوقية على ضرورة التحقيق في ملابسات ما حصل.
وكان الجيش اعتقل هؤلاء خلال مداهمات جرت قبل أيام لمخيمات للنازحين السوريين في منطقة عرسال أسفرت عن قتلى وجرحى نتيجة تفجير انتحاريين لأنفسهم لوقف تقدم عناصر الجيش.
ورغم أن هناك شبه إجماع لبناني على دعم جهود الجيش في التصدي للإرهابيين ومنعهم من تنفيذ مخططاتهم، بيد أن أسلوب التعاطي مع النازحين شابه الكثير من الأخطاء، حتى أن هناك من يشكك في حقيقة دوافع هاته الحملة المستمرة.
ويرى البعض أن الحملة تهدف بالدرجة الأولى إلى تصعيد الموقف مع اللاجئين تمهيدا لفرض إعادتهم إلى الداخل السوري وتحديدا إلى مناطق سيطرة النظام.
ولا تخفي قوى مثل حزب الله وحتى التيار الوطني الحر، ولحسابات مختلفة، مساعيها للضغط باتجاه التواصل مع دمشق لحل هذه المعضلة، وما سيعنيه ذلك من اعتراف لبناني كامل بنظام الأسد.
ويستشعر رئيس الحكومة خطورة مساعي الحزب التي تستهدف شق وحدة الصف اللبناني، في إطار سياسة “فرق تسد”، ما جعله يطل في مؤتمر صحافي لافت مؤكدا على “الدعم غير المشروط للجيش”.
وقال سعد الحريري الذي يتولى كذلك رئاسة تيار المستقبل “الدعم السياسي للجيش اللبناني غير مشروط، والمؤسسة العسكرية لا تشوبها أي شبهات، وهناك أطراف تحاول الاصطياد في المياه العكرة ولهؤلاء نقول ‘خيطوا بغير هالمسلّة'”، مشددا على أن “الجيش حريص على المدنيين ونحن على تواصل دائم مع قائد الجيش”.
وأوضح الحريري “أن هناك فريقا في مكان ما يحاول أن يشعل الاحتقان بين النازحين والقوى الأمنية، وموضوعي ليس الشارع السني ولا أي شارع، الأساس هو الدعم السياسي للجيش والشارع السني هو أكثر شارع مع الجيش. المشكلة أن هناك محاولة لتهييج الشارع السني”، مؤكدا أن “قيادة الجيش مسؤولة عن الأمن ونحن ندعمها مئة بالمئة”.
ولئن أبدى رئيس الحكومة حرصا على إيضاح مسألة الدعم المطلق للجيش، إلا أنه شدد على ضرورة أن يجري التحقيق في ملابسات عرسال خاصة وأن هناك العديد من المؤشرات التي تفيد بأن وفاة النازحين لم تكن لأسباب طبيعية.
وأكدت أوساط سياسية لبنانية أن الحريري طالب جوزيف عون بمده بتقرير مفصل في موضوع وفاة النازحين في ظرف اسبوع.
وخلال المؤتمر الصحافي الاثنين أوضح الحريري أن معركة جرود عرسال التي كثر الحديث عنها في الفترة الأخيرة لن يقوم بها غير الجيش، مشددا “نحن لسنا مع قيام حزب الله بفتح المعركة”.
وكشفت مصادر مطلعة عن أن الحزب يستعد لشن المعركة في جرود عرسال، وتتكرس هذه المعطيات مع قيام النظام السوري بقصف جوي للجرود الممتدة داخل الأراضي السورية في الأيام الأخيرة.