"بدّن يربّوا الناس بفداء عيتاني". عبارةٌ هي في الواقع زبد ما قاله الصحافي حسام عيتاني، مقارباً عملية توقيف شقيقه فداء، بتهمة مستجدة في لبنان، باتت تعرف اليوم بذنب "كتابة حالة على فايسبوك، تناولت هذه المرّة وزير الخارجية جبران باسيل". لكن العجب في زمن وطن النفايات المتمددة في شوارع بيروت وضواحيها، أن تلجأ السلطة السياسية الى اجراء حملة تنظيف "بوستاتٍ" كتبها أصحاب رأيٍ على مواقع التواصل، بدل محاولة لمّ زبالتنا من شوارعنا، التي أضحت "مهتّة" على ألسنة العرب والأجانب، الذين كلّما احمرت أعينهم منا يلجأون الى نعتنا بعبارة "وطن الزبالة"، او يدعوننا الى "ضبّ قمامتنا" بعبارةٍ عامية "روحوا ضبوا زبالتكم". كمن يغرق في شبر مياه، هي هذه السلطة التي سمحت لأبنائها بأن يسبحوا في جورةٍ صحية على اساس أنها بحر.
لكن، "قد لا تكون حالة مكتوبة على فايسبوك تناولت وزير الخارجية جبران باسيل، هي السبب الحقيقي لتوقيف عيتاني"، وفق ما عبّر عنه شقيقه حسام لـ"النهار"، معتبرا "اننا نسير في ظل نظام أمني بقيادة محور الممانعة، وهذا المناخ العام يصعّد في ظلّ ما يسمى الانتصارات المحققة في سوريا". اذاً هل مقولة "البوست" مجرّد شمّاعة؟ "انها ذريعة والأسباب أكبر. فداء ليس وراءه طائفة او حزب قوي، ويريدون ان يربّوا الناس به". وبعيداً عن المواقف السياسية، ما حصل، وفق عيتاني، ان "مكتب جرائم المعلوماتية كان قد اتصل بفداء وأخبره أن عليه مراجعة المحامي العام الاستئنافي في بعبدا. وهناك عرض عليه السير بتسوية معينة، لكنه رفضها، لأنه لم يخالف الدستور او القانون، بل مارس حقّه في حرية التعبير، وهو لم يكن مذنباً ليقبل بهذا الطرح". إذاً، هل تحاول القول ان التسوية التي عرضت على فداء "مشبوهة"، ولا تراعي ما ينص عليه القانون اللبناني؟ "لم يقبل فداء بالعرض، فعادوا وتوصلوا معه الى تسوية طبيعية لا تتضمن توقيعاً او اعتذاراً او تعهداً، بعدما اثاروا له قضية عمرها سنوات يوم كان يعمل في مؤسسة اعلامية سابقة، ولكن زخم فداء لن يخف نبضه، وهو مستمر باندفاعه المعهود في الدفاع عن كلّ ما يؤمن به من مواقف". نحاول معرفة تفاصيل التسوية التي عرضت على عيتاني، لكن شقيقه يأبى الاجابة: "لا أستطيع الخوض معك في تفاصيل كهذه، فداء قد يصرّح بذلك بعد اطلاق سراحه".
ردّ "الوطني الحرّ"
في السياق نفسه، يشير مصدر في "التيار الوطني الحر" لـ"النهار" الى انه "تم استدعاء عيتاني يوم الخميس الفائت على خلفية "البوست" فطلب تأجيل الموعد ولم نمانع". ويتابع المصدر "حددت له جلسة اليوم أمام القاضي ( المحامي العام ) بدلاً من المفرزة القضائية وهذا ما يشير إلى معاملة جيّدة تميزه عن سواه، ونتيجة التحقيق أصدر القاضي إشارة تقضي بإلزامه بازالة عبارات القدح والذم فرفض ذلك. وحضر محاميه وتعهد بازالتها خلال 24 ساعة طالباً امهاله فلم يمانع المحامي أيضا". وقبل مغادرته وكاجراء روتيني، طُلبت له النشرة فتبين وجود خلاصة حكم سابق بحقه "بجرم القدح والذم مقدم من طرف غير "التيار" يقضي بتغريمه ستة ملايين ليرة مما استدعى توقيفه لهذا السبب".
ينام فداء عيتاني الليلة في نظارة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، وما من ذنب اقترفه سوى انه كتب كلمتين "رهيبتين" على مواقع التواصل. والذريعة لابقائه في النظارة، تتمثل في مقولة "انتهاء الدوام الرسمي والحاجة الى اتخاذ اجراءاتٍ روتينية ادارية". قد نتفق مع فداء عيتاني في مواقفه السياسية والشخصية، وقد نختلف، وقد نرفض كلّ ما صدر عنه ولا نتبناه أبداً. لكن ما لا يمكن التغاضي عنه، هو المحاولة الشرسة من السلطة السياسية لإسكات الكلمة، التي لم يبق سواها في هذا البلد المنكوب في شعبه النائم وزعمائه ونازحيه. انها ليست المرّة الأولى التي يوقف خلالها شخص على خلفية حالة كتبها على مواقع التواصل. وقبل ان تحاكموا فداء عيتاني على "بوستٍ" كتبه... روحوا ضبّوا الزبالة.