تتسارع الأحداث في سوريا والعراق على وقع المعارك الدائرة لإنهاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ) والسيطرة على الأراضي التي كان يحتلها.
في العراق وبالتحديد في مدينة الموصل، إستطاعت القوات المسلحة العراقية وبغطاء جوي أميركي من تحرير المدينة من قبضة عناصر التنظيم الإرهابي ووجهت ضربة قاسية لفكرة الخلافة في مهدها.
فداعش يعتبر الموصل المنصة الإعلامية التي أعلن منها قيام الخلافة الإسلامية من جديد بعد سقوطها بداية القرن العشرين.
وبالتالي تشكل خسارة المدينة للتنظيم ضربة معنوية كبيرة بالدرجة الأولى كون المدينة تعتبر قلعة التنظيم القوية ومفخرته الإعلامية وإنجاز لخلافته المزعومة.
أما في سوريا ، فتحقق قوات سوريا الديمقراطية (قسد ) ذات الغالبية الكردية والمدعومة أميركيا أيضا إنجازات سريعة على خط تحرير الرقة من قبضة التنظيم.
وبخلاف الموصل، تتجاوز الرقة مرحلة الإنجاز الإعلامي لتصل مستوى من الأهمية الإستراتيجية التي سترسم مصير التنظيم بالمستقبل.
فالرقة هي القاعدة الأولى للتنظيم وعاصمة الخلافة ومخزن التجهيزات اللوجستية والبشرية وكل ما يتعلق بعمليات داعش اليومية وصولا إلى عملياته الخارجية في أوروبا.
وخسارته لها سيعني إنكسار العامود الفقري للتنظيم وإلحاق خسارة كبيرة به ستشل قدراته شبيه بما حل بتنظيم القاعدة في العراق والعالم بعد إغتيال أبو مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن.
إقرأ أيضا : العبادي يصلح ما أفسده المالكي
الخطر مستمر :
لكن إضعاف داعش لا يعني زوال خطره وسقوط الخلافة والدولة لا يشير إلى إنتهاء المهمة.
فالأسباب التي ساهمت في خلق داعش وإستغلها التنظيم جيدا لتبرير أفعاله ولشرعنة خلافته لا زالت قائمة، وعدم إيجاد حلول لها حتى هذه اللحظة يعني إستمرار خطر التنظيم.
فقبل السيطرة على الموصل ، حصلت مظاهرات في الأنبار للعرب السنة يطالبون فيها بحقوقهم وإنصافهم بنظام ما بعد سقوط صدام حسين.
فرد عليهم نظام نوري المالكي بالقمع والمزيد من التوحش والطائفية والمذهبية والحقد الدفين ومارس بحقهم الظلم والقسوة.
هذه الأمور شكلت أرضية خصبة ليستغل داعش فيها مظلومية السنة بالعراق ويصور المعركة على أن الشيعة يظلمون السنة على الرغم من أن السيد مقتدى الصدر كان أول من شارك المتظاهرين السنة في الأنبار وحضر بينهم.
لكن في تلك الفترة ، كان صدى سياسات نوري المالكي أقوى من توجهات الصدر الوطنية والمنفتحة على سنة العراق، وهذا ما راق لداعش وإستغلته لاحقا فإستثمرت بالمظلومية السنية وأعلنت قيام الخلافة في الموصل بعد أن سيطرت على 40% من أراضي العراق وكادت أن تسقط بغداد لولا فتوى الجهاد الكفائي للمرجع الشيعي الأعلى في العالم السيد علي السيستاني وتدخل القوات الأميركية لتأمين غطاء جوي للجيش العراقي المنهار.
أما اليوم وبعد تحرير الموصل، يجهد رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي في إظهار المشهد السياسي والحربي بحلة وطنية بعيدة عن منطق الثأر والمذهبية والحقد التي كانت تميز سياسات المالكي، لكنه يواجه مقاومة عنيفة ليس من السنة بل من داخل البيت الشيعي من قبل جهات محسوبة على طهران في الحشد الشعبي العراقي.
إقرأ أيضا : هذا ما قاله بري للإمام الصدر؟
فهذه الجهات تريد التوجه إلى سوريا والقتال هناك وهو أمر رفضه العبادي وذكر بفتوى السيستاني التي لم تجز القتال إلا داخل الجغرافيا العراقية.
كذلك فإن ممارسات بعض فصائل الحشد الشعبي الطائفية والأفعال المتوحشة التي قامت بها في المناطق المحررة والتي إستدعت من السيستاني إصدار نشرات تتحدث عن ضرورة الإلتزام بأخلاق الحرب والقتال في الإسلام، هذه الممارسات ستشكل كنزا لداعش لكي يستمر في الدعاية الإعلامية لمشروعه ويجند شباب أهل السنة عبرها مستغلا طائفية هذه الممارسات ليكرس المظلومية أكثر في وعي السنة ويبرر التطرف والإرهاب.
أما على الجانب اﻵخر من الحدود فتأخذ الأمور طابعا عرقيا يتمثل بالصراع العربي - الكردي خصوصا معركة السيطرة على الرقة وما ستثيره من نزعات عرقية في صفوف العرب في حال سيطرة الأكراد على هذه المدينة العربية.
ووحده تنظيم كداعش يدرك جيدا كيف يستثمر هذه النزعات والهواجس العربية ويحولها إلى غضب على شكل عمليات إنتحارية وإرهاب مستمر.
الأسباب مستمرة:
لذلك بعد 3 سنوات على ولادة داعش، يظهر أن الأسباب المباشرة لقيامته لا تزال قائمة ومتطرفة أكثر وبالتالي فإنه من المبكر الحكم والقول أن داعش وخطره قد إنتهى بسقوط مدنه، فالتنظيم البارع في خططه وتأقلمه مع المتغيرات سيتحول من إستراتيجية السيطرة والتحكم وإدارة المدن إلى إستراتيجية زرع الخوف والرعب عبر عمليات أمنية قوية وحساسة في المناطق المحررة.
وقد يستبدل التنظيم تسميته في مراحل متقدمة بتسمية أخرى أو يعود إلى المؤسسة الأم أي تنظيم القاعدة ويذوب فيها في ظل بروز نجم حمزة أسامة بن لادن الذي يتحضر لتسلم زعامة أبيه وتركة أبو بكر البغدادي.
إقرأ أيضا : نيوزويك: مخطّط داعش المميت.. هكذا سيقوى في سوريا ويدمّر العالم!
فأجهزة القاعدة الإعلامية تعمل بقوة على إبراز حمزة بن لادن على أنه المخلص لفكر القاعدة وما حل بها من ضربات وضعف ووهن بعد إغتيال بن لادن وحربي أفغانستان والعراق وإعلان البغدادي عن قيام الخلافة في العراق والشام وهو أمر رفضه أيمن الظواهري ولم يعترف به وأدى إلى إنقسام في صفوف القاعدة وتسرب لعناصرها إلى صفوف داعش، هذا الرفض سنراه مترجما على أرض الواقع في الصراعات والمعارك التي حصلت بين داعش وجبهة النصرة الموالية للقاعدة في سوريا.
وبالمحصلة، ستختلف التسميات وتتعدد الوجوه ويبقى الإرهاب قويا معتمدا على أسباب تغذيه، تبدأ من النزاعات الطائفية والعرقية ولا تنته فقط عند الأنظمة العربية الديكتاتورية والتراث الفكري المليء بأفكار ونظريات القتل والحقد ومعاداة الحداثة وقتل الرأي الآخر.