أولاً: الأحزاب القومية والانقلابات العسكرية..
تمكنت الحركات القومية العربية من اعتلاء كراسي السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية في مصر وسوريا والعراق والسودان وليبيا، وحملت شعارات الثورة حيناً، والإصلاح حيناً آخر، إلاّ أنّها ،وللأسف، ما لبثت أن كرّست زعيما عسكريا، راحت صورته تتضخم وتنحو نحو الاستبداد والطغيان.وإذ حاول الزعيم- القائد أن يطبع صورته بصورة المستبّد العادل الذي قدّمه المصلحون، منذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، ليُنجز برنامج إصلاحي، إلاّ أنّه لم يكن مُؤهّلاً لذلك الدور، فهو لا ينطق باسم الشريعة، بل يدّعي تمثيل الشعب، وتحرسه حراب الجيش، بنى المستبد العادل "المزيّف" المدارس والمستشفيات وشقّ الطرق، وأقام السدود المائية، وزّع الأراضي على قطاعٍ من الفلاحين، وأنشأ القطاع العام، وفشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أحلام الوحدة القومية ومقارعة الصهاينة في فلسطين المحتلة وإنجاز مهام التنمية وتلبية حاجات شبيبة سكانية غزيرة، ونجح في المقابل في تدعيم ركائز الاستبداد والقمع، ووأد كل المطامح الديمقراطية، بعد أن أحاط المستبد الغاشم نفسه بدُعاةٍ يُمجدون سياسته ويمدحون برامجه، ويُزيّنون استبداده.
كان همّ الزعيم- الخالد أن يُنهي وجود الأحزاب وأن يجعل بقاياها في خدمته، وأن يُخضع الجماهير لإرادته، وأن يجعل أجهزته القوى الوحيدة الفعالة في دولته، وعلى دعاة الإصلاح أن يعملوا في خدمة دولته، لأنّه مُكلّف بالإصلاح الأعظم.
إقرأ ايضًا: باسيل يتباكى على النازحين السوريين.. كلُّكم يبكي، فمن سرق المصحف؟
ثانياً: القوميون السوريون..محاولات الانقلاب العسكرية الفاشلة...
حاول أعضاء الحزب القومي السوري الوثوب لاعتلاء السلطة في لبنان بعد فترة وجيزة من نيله الاستقلال ، عن طريق الانقلاب العسكري ، وقد شجّعهم على ذلك نجاح حسني الزعيم في سوريا بانقلاب عسكري أطاح بحكومة سوريا الدستورية عام ١٩٤٩، إلاّ أنّ محاولتهم الأولى هذه باءت بالفشل، وانتهت بحلّ الحزب وإعدام سبعة من أعضائه، بمن فيهم الزعيم أنطون سعادة، وما لبثت حكومة رياض الصلح، التي اتخذت تدابير صارمة، ومبالغٌ فيها، خاصة للاعدامات التي نُفّذت بسرعة، أن عمدت إلى حلّ الكتائب والنجادة وغيرها من المنظمات شبه العسكرية في البلاد، ممّا دفع الجميع للوقوف في صفوف معارضة حكم الرئيس بشارة الخوري.
إقرأ أيضًا: المقاومة والممانعة المتخصصة بنُصرة الشعب الفلسطيني... أمّا السوري فإلى الجحيم
ثالثاً: الانقلاب الثاني الفاشل..من حسن طالع اللبنانيين...
عاود القوميون السوريون محاولة الانقلاب العسكري في عهد الرئيس اللواء فؤاد شهاب عام ١٩٦١، ومن حُسن طالع اللبنانيين أنّ المحاولة قُضي عليها في مهدها، واعتُقل بعض قادة الانقلاب، إلاّ أنّ الرئيس شهاب كان من الحكمة والتسامي ،بحيث لم يتعرض بالاعدام للمعتقلين، كما جرى عقب المحاولة الأولى.
طبعاً، نجا لبنان من حكمٍ عسكري ، لو قُيّض له النجاح، لجرّ على لبنان مآسٍ تفوق عشرات المرّات ما ناله بعد ذلك من حروب متنقلة متفاوتة. وظلّت أحكام الإعدام مُتعجّلة وغير مُبرّرة، وهي على كل حال، التي دفعت بالقوميين للانتقام باغتيال رئيس الوزراء الراحل رياض الصلح، أحد أبرز رجالات الاستقلال والصيغة اللبنانية الفريدة.واليوم، في ذكرى إعدام سعادة، يبدو الحزب القومي "الاجتماعي" بعيداً عن مطامح زعيمه بتحقيق الوحدة القومية السورية، وهو للأسف، موضوع في خدمة النظام الأسدي منذ أيام الراحل حافظ الأسد حتى اليوم، بقيادة بشار الأسد الذي يصارع منذ سنواتٍ عدّة لتثبيت أركان نظامه.