لا شك في أن الهدف الأساسي لحزب الله، إن لم نقل إن طموحه منذ دخل الحرب السورية، يتركز على إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقاً مع النظام السوري، وما يستتبعه ذلك من اعتراف ضمني من مناهضي هذا النظام اللبنانيين بإنتصار بشار الأسد. لكن الدعوات العلنية من جانب الحزب لاجل التنسيق مع الحكومة السورية، يبدو أنها تنطوي على أهداف عديدة قريبة وبعيدة الأمد. ما يؤشر إلى ذلك، هو خروج الموضوع إلى العلانية، بدل تمريره في قنوات سرّية أو هادئة، خصوصاً أن التنسيق الأمني بين لبنان وسوريا لم ينقطع بتاتاً، والشواهد على ذلك كل المفاوضات وعمليات تبادل المخطوفين والموقوفين من لبنانيين وسوريين.
حين أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، تفكيك مواقع الحزب في السلسلة الشرقية وتسليمها إلى الجيش اللبناني، معلناً بذلك الإنتصار والنجاح في تحقيق ما أراد تحقيقه من خلال دخوله الحرب السورية، سرت تحليلات ومعلومات، أبرزها أن الحزب تلقى نصائح بوجوب الإنسحاب كي لا يتعرض لأي ضربة أميركية في الجرود. لكن الحزب انتقل إلى مناطق أكثر عمقاً ولم يتعرض سوى لضربتين أو ثلاث بالقرب من معبر التنف على الحدود العراقية. فيما نجح بربط الحدود العراقية السورية، وفتح الممر الذي يصل طهران ببيروت.
أراد حزب الله حينها استباق أي تطورات، لاسيما لجهة إعلان مناطق خفض التصعيد والمناطق الآمنة، وبذلك أعلن تلك المنطقة آمنة من دون الحاجة إلى آستانة أو جنيف أو غيرها من إتفاقات. واليوم، تأتي الدعوة العلنية إلى التنسيق مع النظام السوري، إستباقية لكل الإتفاقات الدولية التي تجري بشأن سوريا، لناحية توسيع مناطق تخفيض التوتر والتصعيد. يريد الحزب تحقيق أهداف عدة، هي: أولاً إعلان الإنتصار في كل المناطق الحدودية، ثانياً إعلان إنشاء منطقة آمنة بجهوده فقط، وثالثاً تسجيل إنتصار سياسي لمصلحة النظام والمحور الذي ينتمي إليه عبر اعتراف خصومه به.
وتتدرج حسابات الحزب في ذلك، في مرحلة يعتبرها مرحلة استعداداً لسوريا ما بعد داعش، أي أن سوريا ستتشكل من جديد على أساس مناطق نفوذ، قد تتحول فيما بعد إلى كانتونات، المنطقة الأولى، هي في الجنوب السوري والتي حصل بشأنها إتفاق شامل على وقف إطلاق النار، وهي السويداء والقنيطرة، والتي ستكون حزام أمان لإسرائيل؛ منطقة ثانية في درعا، وأخرى للأكراد في الشمال وأجزاء من الشرق؛ والمنطقة الرابعة التي يطلق عليها إسم سوريا المفيدة، من دمشق إلى حمص والساحل. وبذلك ستكون إيران وحزب الله حاضرين في سوريا بقوة ضمن هذه المناطق، رغم الإبتعاد عن المناطق الجنوبية بعمق 20 كيلومتر، تحقيقاً للمطالب الإسرائيلية.
أما في حسابات حزب الله اللبنانية بشأن التنسيق مع النظام، فإن إثارة الموضوع بطريقة جدلية وكأنها شأن محلّي صرف.. لارباك الطرف الآخر. ويعلم أن المسألة تتخطى التنسيق مع النظام، لأن ذلك غير مرتبط بهذا الأمر، بل مرتبط بالإتفاقات الدولية النهائية بشأن سوريا، والإتفاق السياسي عليها. أما طرخ الموضوع لبنانياً من جانب حزب الله، فيهدف إلى رمي الكرة إلى ملعب "السّنة" لتحويلهم إلى طرف مرتبك في هذا الموضوع. فإذا وافق عليها، يكون قد تلقى صفعة كبرى من قبل جمهوره وفي توجهاته السياسية. وإذا عارض ذلك، سيكون في موقف متخاصم مع المسيحيين، الذين يرفعون شعار عودة اللاجئين للحفاظ على وجودهم في لبنان.
وسط الجدل الحاصل في لبنان، برزت مواقف للسفير السوري يؤكد فيها أنه حتى لو وافقت الحكومة اللبنانية على التفاوض مع النظام، فإن سوريا لن توافق على التواصل مع الحكومة اللبنانية. هذا الموقف يعني أن سوريا لا تريد عودة اللاجئين، لاسيما في ظل غياب أي موقف رسمي سوري يطالبهم بالعودة، لأنه يعتبرهم فائضاً ديمغرافياً في هذه المرحلة. هذا التعارض في وجهتي نظر الحزب والنظام، ليس عبثياً، على أن الهدف المراد تحقيقه من خلال طرح هذه القضية، غير معلن أو واضح حتى الآن. فإلى جانب كل الأسباب والدوافع التي ذكرت سابقاً، يبقى هناك هدف أساسي ستظهره الأيام المقبلة.