تواجه خطة الحشد الشعبي لربط إيران بسوريا، عبر الأراضي العراقية معرقلات عديدة يرجّح أن تؤدي إلى فشلها وسط تراجع الاهتمام بما كان ينظر إليه على أنه “إنجاز عسكري كبير” تحقق بالوصول إلى الحدود العراقية السورية.
وتبرز المصاعب اللوجستية، في مقدمة التحديات التي تواجه الحشد الشعبي، إذ يتطلب ربط إيران بسوريا تأمين طريق بري يمتد عبر مساحات شاسعة من أراضي ثلاث محافظات عراقية، صنفت ضمن “المناطق الساخنة” طيلة سنوات، وهي ديالى، ومركزها بعقوبة، وصلاح الدين ومركزها تكريت، ونينوى ومركزها الموصل.
ومع استمرار الأزمة المالية المرتبطة بانخفاض أسعار النفط، يواجه الحشد الشعبي مشاكل كبيرة في توفير التمويل اللازم لمشروع بهذا الحجم.
ويسلّط ذلك الضوء على الواقع الإشكالي الذي بات قائما في العراق والناجم عن إنشاء قوة طائفية بذلك الحجم غير خاضعة لسلطة الدولة ولا تابعة لإرادة سياسية موحّدة، بل موزّعة على عدّة إرادات لا يكاد يجمع بينها سوى ولائها لإيران وعملها عل تنفيذ سياساتها وتوطيد نفوذها.
ويقول متابعون للشأن العراقي إنّه سيكون من الصعب على أطراف شيعية عراقية عديدة بعد أن تمّ الانتهاء من معركة استعادة الموصل تصوّر عودة الحشد الشعبي إلى مواقعه في المدن الشيعية. ذلك لأن وجوده هناك سيشكل في حد ذاته عبءا أمنيا لن تكون الجهات الرسمية قادرة على مواجهة تداعياته الخطرة.
أما استمرار الحشد بين أطلال المدن المحررة ذات الأغلبية السنية فإنه سيجعل منه مادة لإثارة الفتنة الطائفية في بيئة معادية له. لذلك فقد تم التفكير في الزج به في مهمة تكاد تكون مستحيلة تتلخص في تأمين طريق بري يصل إيران بسوريا داخل الأراضي العراقية. وهي مهمة لو أنجزت فإنها لن تؤدي إلى ما هو مرجو منها بعد أن سدّت قوات التحالف برقابة جوية الباب الذي يؤدي إلى سوريا في التنف. لذلك يبدو القيام بتلك المهمة عبثيا بقدر ما ينطوي عليه من محاولة للتخلص من الحشد الشعبي من خلال تسليمه لمتاهات الصحراء.
ويتوقّع أن تنتبه قيادات الحشد إلى ما يخالط تلك المهمة من مخططات مريبة فتلجأ إلى مرجعيتها الإيرانية كي تعيد ترتيب الأوراق السياسية بما يحفظ للحشد إحكام سيطرته على جزء من منشآت ومؤسسات الدولة العراقية بما يمكّنه من التمويل الذاتي من غير الحاجة إلى المنح التي صارت تثقل كاهل الحكومتين الإيرانية والعراقية معا. وقد لا يكون بعيدا عن الواقع أن تناط بالحشد مسؤولية إدارة عدد من المحافظات الجنوبية الغنية بالنفط من أجل إغرائه بالمال بديلا عن السلطة السياسية في بغداد.
عودة الحشد إلى مواقعه في المدن الشيعية سيشكل عبءا أمنيا لن تكون الجهات الرسمية قادرة على مواجهة تداعياته الخطرة
وحاول الحشد الاستفادة من شبكة الطرق العراقية التقليدية التي تصل بين جانبي حدود البلاد مع إيران شرقا وسوريا غربا، لكنه اصطدم بعدم صلاحية أجزاء واسعة من هذه الطرق، والحاجة إلى تأمينها عسكريا، ما يتطلب قوات كبيرة من جهة، ومستلزمات لوجستية ضخمة من جهة ثانية.
وبينما تقدم إيران منحا مالية شبه ثابتة لبعض فصائل الحشد، تعتمد معظم هذه الفصائل على حصص مالية تأتي من مشاريع حكومية عراقية بصيغة تشبه الإتاوة، وفقا لمصادر مطلعة.
وتوقفت الحكومة العراقية عن تنفيذ أي مشاريع خدمية كبيرة منذ 2015، بفعل الأزمة المالية، ما ضيق فرص قيادات الحشد الشعبي في الحصول على أموال، في وقت حدت إيران من كمية الأموال التي تمنحها للحشد، منذ العام الماضي، بسبب ارتفاع كلف انخراط طهران في النزاع السوري، وعدم تمكنها من الصرف على جبهتين.
ويتحرك الحشد الشعبي في بيئة تصنف بالمعادية له، نظرا لأن معظم سكان المناطق العراقية التي يمر فيها الطريق من إيران إلى سوريا، هم من العرب السنة. وعمليا، نجح الحشد الشعبي في التفاهم مع بعض شيوخ عشائر هذه المناطق، لكن ذلك لم يحدث من دون دفع أموال، ما أضاف أعباء جديدة. وبات الحشد مطالبا باستيعاب جميع الموالين له في المناطق السنية، وتوفير رواتب ثابتة لهم، فضلا عن التزاماته التي تفرضها حقيقة أنه الجهة الوحيدة التي تسيطر على هذه المناطق، وعليه توفير الخدمات لسكانها. ويدرك قادة الحشد، أن إهمال هذا الجانب سيستثير عاجلا نقمة سكانها ويحولهم إلى عدو.
وليس العرب السنة، هم الطرف الوحيد الذي يجب على الحشد أخذه بالحسبان، إذ هناك قوات البيشمركة الكردية التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود البرزاني، التي استفزها اقتراب الحشد من جبل سنجار شمال غرب الموصل.
وحاول الحشد دعم مؤيديه من الإيزيدين للسيطرة على بعض القرى القريبة من جبل سنجار، فردت البيشمركة بالإعلان عن أنها “ستقطع رأس كل من يحاول الاقتراب من أراضي الإقليم”.
ومع توتر العلاقة بين حزب البرزاني وطهران على خلفية توجه الإقليم الكردي نحو استفتاء لتقرير مصيره في سبتمبر المقبل، والتعليقات الإيرانية الرافضة التي صدرت من أعلى المستويات في طهران، يبدو خيار الاحتكاك بين البيشمركة والحشد في أطراف الموصل الشمالية الغربية من نينوى قائما.
ومع أن وصول الحشد الشعبي، إلى الحدود السورية، من جهة محافظة نينوى، اعتبر انجازا استراتيجيا، فإن آثاره بدت محدودة للغاية بعد نحو أسبوع من تحقيقه، لا سيما مع تراجع وتيرة تصريحات قياداته بشأن نواياهم لعبور الحدود، والانخراط في القتال داخل الأراضي السورية.
ويقول خبراء عسكريون إن الحشد الشعبي وصل الى الحدود السورية، ليجد نفسه في مواجهة فصائل معادية على الجانب الآخر، يتبع الكثير منها التحالف الدولي على طول شريط حدودي تصل مساحته الى نحو 600 كيلو متر.
وفي ظل افتقار الحشد الشعبي للغطاء الجوي، في مناطق صحراوية شاسعة، لا يملك فيها عمقا لوجستيا، ستكون أي معركة يخوضها مع فصائل سورية يغطيها طيران التحالف الدولي بمثابة انتحار، وفقا لمراقبين.
ويملك الجيش الأميركي قواعد عسكرية في الشريط المذكور، أقربها إلى مواقع انتشار الحشد قاعدة التنف. وسبق للتحالف الدولي أن قصف فصائل مسلحة عراقية موالية للرئيس السوري بشار الأسد عندما حاولت أن تقترب من الشريط الحدودي قادمة من العمق السوري، وهو ما يستطيع تكراره مع أي قوات أخرى قادة من العراق.