المقال يتطرق الى شهادة وزير الخارجية الامريكية ريكس تيليرسون امام الكونغرس والتي شدد خلالها على انه يجب على الولايات المتحدة "العمل على دعم العناصر التي تريد قيادة انتقال سياسي سلمي داخل ايران".
يتضمن المقال ثلاث أفكار رئيسية، تتحدث الاولى عن التوصيف الخاطئ لإيران بأنها جزيرة من الاستقرار في محيط يعج بالفوضى والدول الفاشلة، في حين ان الحقيقة التاريخية تقول ان ايران النظام الحالي هي بؤرة دائمة للصراع بين النظام السلطوي والشعب الباحث عن تعزيز الديمقراطية منذ مراحل الثورة الاولى ومرورا بتسعينيات القرن الماضي ووصولا الى انتفاضة الحركة الخضراء.
والحديث عن هذه النقطة هو تمهيد لما يأتي بعدها، بحيث يستنتج تقية انه سيكون هناك في مرحلة ما في المستقبل حركة اعتراض داخلية في ايران ستنهض لتغيير النظام .
أما النقطة الثانية فهي تتعلق بالخامنئي -الذي ربما يكون قد وصل الى نهاية الطريق بسبب عمره او مرضه وهو ما يعني اننا سنشهد انتقالا سياسيا في ايران في وقت غير بعيد-. وفقا لتقية، فان النظام الإيراني غير جاهز للانتقال السياسي وذلك بسبب الفساد وعدم إيمان الناس بالأيديولوجية التي يروجها والانقسامات الداخلية، وان هذه العوامل تجعل من النظام غير قادر على استيعاب عملية خلافة المرشد الاعلى في ظل حالة الانقسام وعدم رضى المجتمع.
وفيما يتعلق بالنقطة الثالثة، فهي تدور حول الاتفاق النووي، اذ يشير الكاتب الى انه وخوفا من انهيار الاتفاق، فان هناك داخل الولايات المتحدة من سيكون مستعدا للتغاضي عن مساوئ النظام الإيراني، حيث سيدّعي هؤلاء انهم قلقون من ارتباط النظام بالإرهاب ومن سجله الحافل في مجال انتهاك حقوق الانسان، لكنّهم لن يشككوا بشرعية النظام الإيراني وسيمنعون اي محاولات حقيقية لفرض عقوبات خانقة عليه.
ويوصي تقية بان على الحكومة الامريكية البدء منذ هذه اللحظة بدراسة الكيفية التي يمكن من خلالها استغلال اندلاع محتمل لحركة احتجاج واسعة ضد النظام في اي مرحلة من المراحل لاحقا، او الاستعداد لسيناريو موت خامنئي المفاجئ الذي من المحتمل ان يدفع النظام الإيراني الى درجة الانهيار السياسي، معتبرا ان الاستعداد لمثل هذا الامر يجب ان يبدأ اليوم لانه اذا حصل ولم تكن الولايات المتحدة جاهزة او منخرطة فيه فسيكون قد فات الاوان لان يكون لها كلمة في النهاية او ان تكون لاعبا مؤثرا في هذه التحولات.
ما يهمنا في مثل هذه القراءة الى جانب التصريحات الرسمية الامريكية بخصوص النظام الإيراني هو قراءة توجهات المرحلة المقبلة. هناك مؤشرات متزايدة على ان الانتهاء التدريجي من داعش سيتيح التركيز السريع على ايران وان العامين المقبلين قد يكونا مسرحا للاشتباك المتزايد والسريع بين واشنطن وطهران.
وللأسف، ففي الوقت الذي من المفترض أن تكون فيه دول عربية كبرى او مؤثرة في المنطقة كالسعودية والإمارات ومصر مستعدة لمثل هذا التحول وتقوم بالمساعدة على تحقيقه او على الأقل تدرس الكيفية التي يمكنها هي الاخرى الاستفادة منه، نرى انها مشغولة في افتعال أزمات ومشاكل كبرى في كل مكان في المنطقة وآخرها الأزمة المفتعلة مع قطر.
إن مثل هذا الأمر لن يحرم هذه الدول فقط من الاستفادة من مثل هذا التحول في إيران إن حصل، بل إنه قد يعرقل جهود الولايات المتحدة ايضا في ذلك الملف لان واشنطن ستكون مشتتة بين محاولة فعل ذلك وبين محاولة مراقبة من يفترض بهم انهم حلفاؤها والتخوف من حقيقة وضعهم الداخلي الذي قد يتدهور هو الآخر في اي لحظة بسبب السياسات غير الناضجة والمتقلبة والرعناء لهذه الأنظمة.
وحتى لو افترضنا ان صدمة ما قد حصلت للنظام الإيراني في المرحلة القادمة وان الولايات المتحدة استفادت منها وان ايران مختلفة قد ولدت من جديد، فيكف سيكون وضع ايران حرّة منخرطة بشكل عميق مع دول العالم ومن دون قيود اقتصادية وسياسية حينها مقارنة بوضع هذه الدول العربية المذكورة أعلاه؟ هل تعتقدون ان الولايات المتحدة ستفضّل التعامل مع مراهقين سياسيين او مع الطبقة السياسة الإيرانية التي ستولد حينها؟.
هذه الدول غير قادرة على مجاراة ايران حاليا، فيكف سيكون حالها مع ايران بهذه المواصفات الجديدة؟ بالتأكيد فان وضعها وأداءها ووزنها وشرعيتها كلها عناصر ستتحول الى عبء متزايد على الولايات المتحدة وعلى شعوب هذه الدول والمنطقة، وقد تصبح حينها بالنسبة الى كثيرين حول العالم بمثابة النسخة الحالية لإيران اليوم.
التغيير القادم في إيران يجب أن يكون في حقيقة الأمر إنذارا لهذه الدول لكي تغير بشكل جذري ما تقوم به منذ عقود طويلة، ليس بالاتجاه الخاطئ كما تفعل الآن وإنما الصحيح.