سلطت مجموعة من العلماء الضوء على أدمغة المرضى النفسيين العنيفين، خاصة المجرمين، بغية البحث في تركيبة أدمغتهم وسبر أغوار اختلافها عن تركيبة أدمغة الأشخاص العاديين.
وبحسب موقع "نيو أتلاس" الأمريكي، في تقرير ترجمته "عربي21"، فإن الأشخاص الذي يعانون من اعتلال نفسي حاد، على غرار المجرمين، يفتقدون إلى حس التعاطف مع الآخرين والشعور بالذنب، فضلا عن أنهم يستغلون الآخرين لتحقيق مصالحهم الشخصية، ويتمتعون بمستوى عال من الثقة بالنفس.
ونظرا لأن مجتمعاتنا تربط السلوك الوحشي بالاعتلال النفسي، فليس من المستغرب أن تكشف بعض الدراسات أن ما يقارب واحدا من خمسة من المهنيين في الشركات يملكون صفات المضطربين عقليا.
وذكر الموقع أن من بين إحدى الخصائص النفسية الأساسية التي يميل العديد من العلماء إلى التركيز عليها؛ النقص الملحوظ في التعاطف، حيث يبدو أن من يعانون من اعتلال نفسي يُظهرون عجزا كبيرا في التواصل العاطفي مع الآخرين. ولذلك، تساءل التقرير عن وجود اختلاف هيكلي في أدمغتهم؛ من المحتمل أن يكون المسؤول عن هذا النقص في الشعور بالتعاطف.
ولفت التقرير إلى أنه خلال سنة 2012، كشفت دراسة من كلية "كينجز كوليج" البريطانية سنة 2012، عن وجود نسبة منخفضة من المادة الرمادية في قشرة الفص الجبهي الأمامية والفص الصدغي لدى المجرمين الذكور العنيفين الذين خضعوا لاختبار نفسي. وتشير هذه التشوهات البارزة والهيكلية في الجزء من الدماغ المرتبط بالتعاطف ومشاعر الذنب، إلى وجود اختلاف عصبي واضح بين المجرمين العنيفين العاديين والمرضى النفسيين الحقيقيين.
وأكّد الموقع أن النقص الواضح في التعاطف لا يكفي لوصف شخص بالمريض النفسي. ولذلك، لجأ العلماء في هذه الدراسة إلى تقنية المسح بالرنين المغناطيسي للقيام بمسح للأدمغة المضطربين نفسيا، والتي كشفت عن حدوث مجموعة من الأنشطة العصبية داخل الدماغ المرضى النفسيين.
وقام علماء، أثناء القيام بدراسة سنة 2013، بمسح بالرنين المغناطيسي لأدمغة 121 سجينا، بعد أن قاموا بتقسيمهم إلى ثلاث مجموعات، وذلك حسب درجة الاضطراب النفسي الذي يعانون منه. وفي الوقت نفسه، عرضوا على السجناء صورا لأشخاص تعرضوا لآلام جسدية، ثم طلبوا أن يتخيلوا أن الحادث إما أصابهم أو أصاب غيرهم.
وقد كشفت هذه الدراسة أن السجناء أبدوا تعاطفا واضحا عند تخيل أنهم يتعرضون لهذا الألم. واكتشفوا تفاعل الكثير من المناطق في الدماغ، منها الجزء الأمامي من (الأنسولا)، والقشرة الحزامية الأمامية، والقشرة الحسية الجسدية، واللوزة الدماغية اليمنى، مع ما شاهدوه.
في المقابل، وعندما طُلب منهم أن يتخيلوا أن شخصا آخر يتعرض لهذا الألم، أبدى هؤلاء الأشخاص استجابة مختلفة جدا. فلم يلاحظ الأطباء تراجع تفاعل المناطق المسؤولة عن التعاطف في الدماغ فقط، بل تمت ملاحظة زيادة النشاط في منطقة أخرى من الدماغ، تسمى "بالمخطط البطني" المسؤولة عن التحفيز وصنع القرار.
وقال الموقع إن هذه الدراسة رجحت إمكانية تمتع المرضى النفسيين بتخيل أن ذلك الألم يصيب الآخرين. لكن ليس كل أولئك الذين يملكون خصائص المرضى النفسيين سوف يتحولون إلى مجرمين عنيفين.
كما كشفت دراسة أجريت سنة 2016؛ عن عدم وجود أي فرق في طريقة تفاعل المخطط البطني للمرضى النفسيين المجرمين وغير المجرمين، إلا أنه تم اكتشاف فرق كبير بينهم في طريقة الترابط بين المخطط البطني ومنطقة أخرى في الدماغ تسمى "قشرة الفص الجبهي الظهراني". ومن المعروف أن هذه المنطقة من الدماغ هي المسؤولة عن إدارة السيطرة المعرفية للسلوك، وتعديل الأداء، والسيطرة على الانفعالات، والكبت الذاتي. ولدى المرضى النفسيين المجرمين، تم الكشف عن وجود ارتباط وثيق بين عملية اتخاذ القرارات التي لها علاقة بالمكافأة والقشرة الأمامية الجبهية الظهرية المسيطرة على السلوك.
وبيّن الموقع أن دراسة أجريت، مؤخرا، في جامعة هارفارد، أفادت بأنه، فضلا عن الإفراط في تقييم عملية اتخاذ القرارات التي لها علاقة بالمكافأة، فإن الأشخاص الذين يعانون من اعتلال نفسي يعدّون غير قادرين على القيام بتقييم دقيق للعواقب المستقبلية لأفعالهم.
وقال الموقع إن هذه الاستنتاجات العلمية تتركنا في موقف غريب ومتضارب، حيث أن الميول النفسية لا تؤدي بالضرورة إلى سلوك إجرامي أو غير اجتماعي، بل يبدو أن هناك ظروفا عصبية من شأنها أن تساهم في التعبير عن الإصابة باعتلال نفسي، من خلال القيام بأفعال سلبية أو معادية للمجتمع أو حتى إجرامية.