كشفت مصادر إسرائيلية، الجمعة، عن زيارة قام بها مبعوث أميركي رفيع المستوى إلى تل أبيب مؤخرا، لمناقشة المنطقة الآمنة التي تعتزم كل من روسيا والولايات المتحدة إنشاءها في جنوب سوريا، بعد محادثات مطولة بينهما احتضنتها العاصمة الأردنية عمان.

وتزامن الكشف عن الزيارة مع إعلان واشنطن عن التوصل إلى اتفاق خلال لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين (على هامش قمة العشرين) على وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا يبدأ تطبيقه الأحد (غدا).

وجاءت زيارة المبعوث الأميركي على ما يبدو قبيل الجولة الخامسة من أستانة التي عقدت في بحر هذا الاسبوع وتم خلالها إخراج الجنوب السوري من الاتفاق الذي وقعته كل من روسيا وتركيا وإيران في الجولة الماضية من المباحثات، وتركه في عهدة موسكو وواشنطن.

ويعتقد أن قرار وقف إطلاق النار ما كان ليمر لولا وجود ضوء أخضر إسرائيلي، حيث كانت تل أبيب تتخوف من اتفاق أستانة الذي ينص على نشر قوات إيرانية حتى في الجنوب المجاور لها.

وهناك موقف إسرائيلي أميركي متطابق تجاه إيران التي يعتبرانها التهديد الأكبر في المنطقة، حيث أنها الراعية الأولى للإرهاب في العالم ولا بد من عدم السماح لها بتحقيق أهدافها في سوريا.

وتتقاطع هذه الرؤية مع دول عربية، كانت على مر السنوات الماضية المستهدف الأبرز من السياسة التوسعية الإيرانية.

ولقي قرار إصباغ الجنوب السوري بوضعية خاصة بعيدة عن اتفاق أستانة تحفظات كبيرة من طهران، وهي التي كانت تطمح بشدة إلى تثبيت موطئ قدم لها في المنطقة يفتح أمامها الباب للتحول إلى رقم صعب في المعادلة السورية يصعب إزاحته.

ويقول مسؤولون إسرائيليون إن وقف إطلاق النار سيريح بالتأكيد الحكومة الإسرائيلية، بيد أنه تبقى هناك نقاط خلافية، فتل أبيب ورغم علاقتها الوثيقة مع موسكو إلا أنها لا تثق بها بشكل مطلق، وهي مسكونة بهاجس تعارض مصالحهما في سوريا، وما يعنيه ذلك من تكلفة.

وذكرت صحيفة هارتس الإسرائيلية أن حكومة نتنياهو ترفض نشر قوات روسية في الجنوب السوري، وتطالب بنشر قوات أميركية هناك.

وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سمع الطلب الإسرائيلي حول نشر قوات أميركية في الجنوب، وسيدرس الموضوع مع الإدارة الأميركية ووزارة الدفاع، ويرجح أن يكون الموضوع قد طرح خلال لقائه بنظيره الروسي.

وانعكست التفاهمات الروسية الأميركية على ما يبدو على الوضع الميداني في الجنوب، حيث سجل في الأيام الأخيرة تراجع الضربات الإسرائيلية، التي تكاد تكون شبه يومية خلال الفترة الماضية.

وفسرت أوساط سياسية أن تلك الضربات الإسرائيلية كان الهدف الأساسي منها إيصال رسالة مفادها أن تل أبيب لن تسمح بوجود أي جهة مناوئة لها بالقرب منها، وأنها مستعدة للسير بعيدا في ذلك، وعلى ما يبدو التقط الجانب الروسي ذلك.

وقبل ساعات من لقاء ترامب ببوتين تحادث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هاتفيا مع الرئيس الروسي ويعتقد أن المكالمة ركزت بالدرجة الأولى على المنطقة الآمنة في الجنوب.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في تصريح مكتوب “أجرى رئيس الوزراء اتصالا هاتفيا مع الرئيس الروسي بوتين، وتمحورت المكالمة خصوصا حول الأوضاع في سوريا”.

واجتمع نتنياهو وبوتين وتحادثا هاتفيا عدة مرات في الأشهر الماضية حيث تركزت المحادثات على تواجد إيران ومنظمة حزب الله اللبنانية في سوريا والتنسيق بين الجيشين الإسرائيلي والروسي حول العمل في هذا البلد.

ويقول خبراء إن روسيا حريصة كل الحرص على أخذ الهواجس الإسرائيلية في الاعتبار في ما يتعلق بالملف السوري، وهو ما يظهر في فرض مسألة إخراج منطقة الجنوب من نص اتفاق أستانة الذي صاغته بنفسها.

ويعتقد الخبراء أن إيران لم يعد بإمكانها اللعب بورقة الجنوب وأنها ستركز أنظارها على شرق سوريا الذي يقع على تماس مع العراق.

وسيطرت عصائب أهل الحق العراقية التابعة للحرس الثوري الإيراني، والتي تقاتل إلى جانب القوات السورية، الجمعة، على بلدة حميمة جنوب غرب مدينة البوكمال، على الحدود السورية العراقية، بعد انسحاب عناصر تنظيم الدولة الإسلامية منها.

وتريد إيران الاستفراد بالشرق السوري في إطار مشروع الحزام الأمني الذي تبنيه والذي يربط بين العراق وسوريا ولبنان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل ستسمح واشنطن بذلك؟