يحيط لجوء مئات الآلاف من السوريين الى لبنان عدد من الخرافات التي رسخ بعضها وبات في حكم الحقائق الثابتة. نكتفي هنا بعرض خرافتين تتعلقان بما يوصف بالبيئة الأكثر تعاطفاً مع اللاجئين والأشد تأييداً لقضاياهم السياسية والإنسانية، أي بيئة السنّة اللبنانيين.
تقول الخرافة الأولى إن أكثرية أهل السنّة في لبنان أيدوا الثورة السورية منذ أيامها الأولى نظراً إلى شراكة الانتماء الى مذهب واحد هو الذي يتعرض للاضطهاد من حكم الأقلية المذهبية المنافسة، إضافة الى شعور عميق عند السنّة بمسؤولية الحكم السوري عن اغتيال زعيمهم الراحل رفيق الحريري وعدد من أبرز شخصياتهم مثل المفتي الأسبق الشيخ حسن خالد، على نحو حال دون تحول الزعامة السنّية الى واحدة وطنية على غرار تلك التي أرساها رئيس الوزراء الأول للبنان المستقل، رياض الصلح، الذي اغتيل ايضاً انتقاماً من دوره في إعدام زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي انطون سعادة. تضيف الخرافة الى هذين العاملين ثالثاً يقوم على انتشار علاقات القرابة والمصاهرة وتحدّر عدد من الأسر اللبنانية من سورية واحتفاظها بصلات وثيقة مع أصولها، في إطار ظاهرة تعم كل الطوائف اللبنانية.
ينقض الخرافة هذه أن قسماً كبيراً من اللاجئين السوريين من غير المقيمين في مخيمات البقاع، ينتشر في المناطق الأفقر من لبنان، خصوصاً في الشمال، أي حيث يتركز جلّ اللبنانيين الذين يقل دخلهم عن أربعة دولارات في اليوم ويصل عددهم الى المليون (وفق أرقام برنامج الأمم المتحدة للتنمية). بداهة أن الجوار بين فقراء من منابت مختلفة، سيسفر عن منافسة ضارية على فرص العمل والموارد الشحيحة أصلاً وينمي، في سياق ذلك، مشاعر الكراهية والعداء والبرم بالآخر. الاوضاع في المناطق ذات الكثافة السكانية السنّية ليست أفضل حالاً، إذ يسود التذمر والاستياء من الحضور السوري. الحقائق التي يعرفها الاقتصاديون وأصحاب المصارف عن حجم الأموال السورية التي دخلت الدورة الاقتصادية اللبنانية والفائدة التي يجنيها لبنان من المساعدات العربية والدولية للاجئين، لا تصل الى صغار الكسبة الذين يرون أن مصالحهم المباشرة تتعرض للحصار من اللاجئين.
يفتح هذا الواقع الباب أمام استغلال انعدام فاعلية السياسة اللبنانية حيال اللاجئين وتعظيم خطر وجودهم وتحويلهم الى كيس رمل يفرغ فيه اللبنانيون، خصوصاً الفقراء منهم ومن بين هؤلاء كثير من أهل السنّة، إحباطاتهم وكبتهم وتحميل اللاجئين وزر مشكلات كانت قائمة قبل اندلاع الحرب في سورية بأزمان.
هنا تظهر الخرافة الثانية القائلة إن زعامة السنّة اللبنانيين مؤيدة للثورة السورية وإن تعاطفها معها بلغ حد إيفاد مبعوث دائم اليها، بل إن هناك من يعتبرها مسؤولة معنوياً عن اللاجئين الأقرب سياسياً ومذهبياً اليها.
والحال أن الزعامة المذكورة تتصرف وفق معايير السياسة المحلية وضروراتها وحاجتها الى التحالفات الموقتة والدائمة لتمرير مصالحها في المجالين الرسمي والعام. كما أنها تعاملت مع انتظارات وتوقعات جمهورها بكثير من اللامبالاة والاستخفاف في مسائل كانت هي ذاتها من أكثر الداعين الى التصلب فيها على غرار مواجهة «حزب الله»، حيث يذوب الخطاب المتشدد كما يذوب الملح في الماء كلما لاحت ملامح صفقة مشتركة كبيرة مع الخصوم المفترضين، من «التحالف الرباعي» في 2005 وصولاً الى اليوم. فإذا كان الجمهور اللصيق لهذه الزعامة موضوع مساومة وبيع وشراء، لماذا لا ينطبق الأمر ذاته على الموقف من الثورة السورية ومن اللاجئين؟