تداعيات أزمة عرسال تلغي المفاوضات , والاتجاه إلى الحسم العسكري في الجرود
المستقبل :
انطلاقاً من «المسؤولية الوطنية والإنسانية والأخلاقية» التي تحتّم على الحكومة «سلوك خيارات مضمونة تحمي الصيغة اللبنانية التوافقية تحت سقف الشرعية الدولية وليس تحت سقف الحروب والأنظمة والانهيارات»، وتماشياً مع «مهمة الدولة الأساسية التي تفترض حماية قواعد الاستقرار السياسي والابتعاد عن أي أفكار تثير البلبلة وتنقل المسائل الخلافية المعروفة إلى طاولة مجلس الوزراء»، قطع رئيس الحكومة سعد الحريري الطريق أمام كل «المزايدات الرخيصة» بمأساة النازحين السوريين ومحاولات «توريط الحكومة اللبنانية بالاتصال بالنظام المسؤول أساساً عن هذه المأساة»، ليخلص في رسالة حازمة وواضحة برسم كل من يعنيه الأمر إلى التأكيد بأنّ حكومته لن تخوض في أي تواصل مع «حكومة نظام هجرت مئات آلاف السوريين إلى الأراضي اللبنانية».
وفي الكلمة التي ألقاها خلال رعايته حفل تخريج طلاب جامعة بيروت العربية في حرم الدبية مساءً، فنّد الحريري في خمس نقاط الأسباب الوطنية الموجبة لرفض التواصل مع النظام السوري، لافتاً الانتباه إلى أنّ الضغوط التي تُمارس في هذا الاتجاه إنما تُشكل «خروجاً مرفوضاً على قواعد النأي بالنفس، ولا وظيفة لها
إلا تقديم خدمات سياسية وأمنية مجانية لنظام الأسد»، متسائلاً عما إذا كان المقصود منها «تنظيم تسليم النازحين لمعسكرات اعتقال النظام»، وأضاف متوجهاً إلى القيمين على الدعوة للتواصل مع النظام السوري بما هم من حلفاء أو أوصياء عليه: «فليضغطوا على النظام لتسهيل إقامة مناطق آمنة على الجانب السوري من الحدود ومخيّمات بإشراف الأمم المتّحدة تستوعب النازحين العائدين من لبنان، بدل الدعوة إلى توريط الحكومة اللبنانية باتصالات نتيجتها فتح باب جديد لابتزاز لبنان من دون أي معالجة حقيقية لتداعيات النزوح.. أو أنهم يتقنون فقط المزايدة على بلدهم وحكومة بلدهم وأهل بلدهم».
وإذ ذكّر بأنّ الحكومة اللبنانية تحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته بالمساهمة في مواجهة أعباء النزوح على لبنان، نبّه الحريري في الوقت عينه إلى أنّ لبنان ليست لديه مصلحة في توجيه «رسالة سلبية» إلى هذا المجتمع مفادها أنه «تخلّى عن المسار الذي اختاره بالتنسيق مع الأمم المتحدة والهيئات الدولية، واستبدله بمسار مجهول النتائج مع حكومة سورية مجهولة، أي الحكومة نفسها التي يحمّلها المجتمع الدولي مسؤولية مباشرة عن أزمة النزوح». وبالمختصر، أكد الحريري أنّ حكومته لن تدفع النازحين إلى «مصير مجهول»، بالتوازي مع عزمها على عدم التهاون مع «أي محاولة لجعل أماكن النزوح بيئة حاضنة للإرهاب والتطرّف».
ابراهيم
تزامناً، وبعدما سرت شائعات إعلامية أمس تتحدث عن تكليف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم التفاوض مع النظام السوري حول ملف عودة النازحين بوصفه «موفداً رئاسياً»، نفى ابراهيم هذه الشائعات مؤكداً أنها أنباء عارية من الصحة وقال لـ«المستقبل»: «لم أكلّف التفاوض مع الدولة السورية حول ملف النازحين».
الجراح يرد على سفير الأسد
وعلى مستوى غير بعيد عن سياق الحملات والضغوط الهادفة إلى تعويم النظام السوري وإغراق اللبنانيين في وحوله الدموية، كان أن استفاق اللبنانيون أمس على وقع «تعميم استخباراتي» ممنهج حاول استنساخ أساليب زمن الوصاية البائدة عبر استحضار سفير نظام الأسد علي عبد الكريم علي لتنفيذ مهمة التطاول على لبنان وحكومته بكلام عدائي استعلائي على اللبنانيين، رأى فيه الوزير جمال الجراح «سبباً موجباً إضافياً لإغلاق كل الأبواب في وجه الدعوات القائمة لفتح حوار مع النظام السوري».
ورداً على كلام سفير الأسد، شدد الجراح على أنّ «لبنان لا يحتاج إلى دروس من نظام يتشارك مع التنظيمات الإرهابية في تهجير الشعب السوري وقتله»، جازماً في مقابل تعامل هذا السفير مع النازحين «بصفتهم مطلوبين للمخابرات السورية»، بأنّ هكذا مهمة «لن يقوم بها لبنان ولن تتولاها حكومة على رأسها الرئيس سعد الحريري».
الديار :
خلصت اللقاءات والاتصالات في الساعات القليلة الماضية، قبل جلسة الحكومة وبعدها، الى نتيجة لا تقبل اي التباس، كل الاطراف السياسية لم تعد قادرة على تحمل «عبء « النزوح السوري، والبحث جار عن المخرج اللائق «لحفظ ماء» رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه السياسي. واذا كان مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي زار دمشق خلال الساعات القليلة الماضية، ينفي ما تردد عن تكليفه من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون، كمبعوث شخصي لبحث شؤون عودة اللاجئين مع الدولة السورية، فان اوساطاً وزارية بارزة ابلغت «الديار»، بان لا «دخان بلا نار»، ولكن الاقتراح يحتاج الى مزيد من الانضاج، مع العلم ان من راجع رئيس الحكومة بالامس فهم منه انه يوافق «ضمنيا» على الفكرة، وهو مع اي اقتراح يبعد عنه «كاس» فتح الحوار «المر» مع الحكومة السورية...
وفي الموازاة، انهارت المفاوضات مع المجموعات المسلحة على الحدود الشرقية قبل عدة ساعات، بعد وصول النقاش الى «حائط مسدود»، وادراك فريق العمل المفاوض المكلف من قيادة حزب الله ان الاستمرار في الرهان على الوقت لم يعد مجديا، وان الطرف الاخر طلب مزيدا من الوقت قبيل انتهاء شهر رمضان المبارك للرد على ما عرض عليه من مطالب، كان مجرد مماطلة لاسباب مجهولة، وتبين ان لا نية لانجاح التسوية التي جرى العمل عليها بالاتفاق مع الدولة السورية... فاقفلت «اجهزة الاتصال» وكان آخر الكلام... «اذا انتظرونا نحن قادمون»..
وابلغت اوساط معنية بهذا الملف، «الديار» ان «جبهة النصرة» مسؤولة عن نسف كل الجهود التي بذلت خلال الاسابيع القليلة الماضية لاقفال هذا الملف النازف بالطرق السلمية، وهي تتحمل مسؤولية ما ستحمله الايام المقبلة من نتائج، وذلك بعد ان ابلغ امير «النصرة» ابو مالك التلي قيادة «سرايا اهل الشام» انه خارج اي اتفاق تعمل هي على انجازه مع الطرف الاخر، وسيبذل كل ما بوسعه لاجهاضه، حتى لو تطلب الامر استخدام القوة العسكرية..مع العلم ان التلي نفسه كان قد طلب مهلة لدراسة بنود الاتفاق واوحى انه يقبل بعضها ولكنه يتحفظ عن بعضها الاخر، واوهم المفاوضين انه يعمل على وضع تعديلات تتعلق بالضمانات، وترتيب بنود تنفيذ التسوية، لكنه عاد وانقلب على كلامه، فعادت الامور الى «نقطة الصفر».
ورفضت تلك الاوساط طبعا الافصاح عن «ساعة الصفر» لكنها اكدت انه تم تحديدها والمعنيون على الارض باتوا على اطلاع على الموعد، اثر تعميم صدر قبل ساعات معدودة، واشارت في هذا السياق الى ان ما يمكن قوله فقط ان الموعد بات «قريبا»، الاستعدادات انتهت، والقوة الموكلة عملية «تطهير» الجرود انهت تحضيراتها في العدة والعتاد، ومن المتوقع ان تقود قوات النخبة في فرقة «الرضوان» العملية مع القوات «الخاصة» بالتعاون مع «وحدات خاصة» من الجيش السوري انهت عملية انتشارها قبل ايام.
اما ما عرض على «جبهة النصرة» فكان صفقة متكاملة تقضي بخروج المسلحين مع عائلاتهم الى محافظة ادلب، بأسلحتهم الفردية، بالتزامن مع تسوية اوضاع اللاجئين في مخيمات عرسال من خلال اعادتهم الى قراهم «بضمانة» حزب الله، على ان تتم تسوية اوضاع المسلحين الراغبين بالعودة الى حياتهم المدنية بالاستفادة من قانون العفو العام في سوريا، وكذلك كان ضمن البنود الكشف عن مصير عدد من المفقودين، واطلاق عدد محدد من الاسرى والمعتقلين... لكن كل شيء انتهى الان.
وبحسب المعلومات، فان موقف ابو مالك التلي يأخذ ابعادا «ذاتية» لا علاقة لها بالمرجعية الاقليمية في الدوحة المنشغلة بالمواجهة المفتوحة مع السعودية، قطر لم تعد معنية بالملف لانها فقدت اصلا القدرة على المناورة او الابتزاز في منطقة معزولة وساقطة عسكريا، ويصعب استثمارها في السياسية، ولذلك ترك القرار لتقدير قيادة التنظيم في «بلاد الشام». ابو مالك التلي تبلغ قبل ايام من امير التنظيم ابو محمد الجولاني رفضه المبدئي، لفكرة الانسحاب من «ارض الرباط» في المنطقة المحاذية للحدود اللبنانية ـ السورية، لكنه ترك للتلي تقدير الموقف العسكري والمفاضلة بين نتائج التسوية او خوض مواجهة عسكرية..لكن التلي لم يتلق ضمانات يعتد بها من القيادة المركزية في ادلب بالموقعية التي سيشغلها اذا ما قرر الانسحاب مع عناصره، وانما حصل على جواب مقلق حول نطاق انتشاره وتمركزه الجديد، وقد تم ابلاغه ان ادلب المدينة لم تعد بمقدورها استيعاب وافدين جدد، وسيكون مكانه على «الثغور». مع العلم انه سبق وابلغ المعنيين بالتنظيم انه لا يقبل ان يتم دمجه مع سرايا «جهادية» اخرى، ويريد ان يبقى مستقلا على رأس مجموعته، وكان الجواب سلبيا. ولان التلي يدرك ان محافظة ادلب مقبلة على «مقتلة» عاجلا او آجلا لم يقبل ان يكون مع «اخوانه» «كبش فداء»، ويبدو انه فضل خوض معركته الاخيرة في جرود القلمون.
ووفقا للمعلومات، فان «سرايا اهل الشام» ابلغت حزب الله انها لن تكون جزءا من المواجهة وابدت استعدادها لتسليم مواقعها، وتسوية اوضاع مقاتليها، ضمن التسوية التي جرى العمل عليها سابقا، ويجري العمل ميدانيا لانجاز التفاهم، في ظل مخاوف جدية من تحرك «النصرة» عسكريا «لاستئصال» «السرايا».. اما مجموعات «داعش» فلم يجر التفاوض معها اصلا، وهي لديها خيار من اثنين اما الاستسلام او خوض معركة خاسرة نتائجها معروفة.
دور الجيش
اما وحدات الجيش اللبناني المنتشرة على الحدود الشرقية فهي في «اجواء» قرب انطلاق المعركة، وهي ترى «بالعين المجردة» استكمال الاستعدادت على الارض، لكن المؤسسة العسكرية لا تبدو معنية بأي عملية هجومية في الجرود، وستكتفي بدرء المخاطر وتلافي التداعيات، ووفقا للمعلومات، فان الجهوزية تامة لمنع تسلل المقاتلين من الجانب الاخر من الحدود، قرار الدفاع عن الاراضي اللبنانية لا يحتاج الى قرار سياسي جديد، وكل المهمات الدفاعية المناطة بوحدات الجيش «مغطاة» سياسيا، «وبروفة» العملية الامنية الاستباقية في مخيمات عرسال، ابلغ دليل على ذلك... وقد باتت عملية تنظيف الجرود امرا ملحا خصوصا بعد الاعترافات التي ادلى بها عشرات الموقوفين في العملية الاخيرة خلال التحقيقات بالقيام بأدوار خطرة ترتبط بتأمين التموين والدعم اللوجستي العسكري للمجموعات الارهابية، مستخدمين المخيمات ملاذات آمنة لتنفيذ مخططاتهم، كما اعترف البعض منهم بالمشاركة بالهجمات على مواقع الجيش وخوض المعارك ضده في العام 2014.
ازمة اللاجئين
على صعيد متصل بازمة النزوح السوري، علمت «الديار» من اوساط وزارية مطلعة ان الجديد المهم في هذا الملف مسألتان، المسالة الاولى الموافقة «الضمنية» لرئيس الحكومة سعد الحريري على فتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية دون ان تمر عبره، وهذا الامر بحد ذاته انجاز، ولم يكن ليتحقق لولا ضغط الرئيس ميشال عون الذي عرض مع الحريري قبل جلسة الحكومة المخاطر الديموغرافية والامنية التي لم تعد تحتمل، وهو امر يقر به رئيس تيار المستقبل المدرك جيدا لمخاطر هذه «القنبلة الموقوتة» ضمن بيئته بعد ان تحول الامر الى عبء اقتصادي خطر. ولذلك فان هذه الموافقة تفتح «الباب» ولو مواربة امام تحريك هذا الملف، حيث ينتظر المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم «تغطية» سياسية اكثر «شمولية» للبدء جديا بتحريك الملف، وهو ما وعد الحريري بتأمينه... اما المسالة الثانية فتتعلق بموافقة الدولة السورية على مناقشة هذه القضية مع القناة السياسية، التي تختارها الدولة اللبنانية، حتى لو كانت تحمل صفة امنية، دون اشتراط الصفة الحكومية.
الجمهورية :
فشلٌ بعد فشلٍ بعد فشل.. هذه هي حال السلطة السياسية العاجزة عن مواجهة الحدّ الأدنى من واجباتها على كلّ المستويات، على رغم الأخطار الكثيرة والكبيرة التي تُهدّد البلد، ولا سيّما منها معضلة النزوح السوري. فلا خطة لدى الدولة اللبنانية أساساً في ملف النازحين، ولا رؤية ولا قرار، فيما تتحوّل مخيّمات النزوح بيئاتٍ حاضنة للإرهاب والإرهابيين من جهة، ويعاني اللبنانيون من احتلال ديموغرافي واقتصادي واجتماعي يجتاح بلادهم بلا حسيب ولا رقيب من جهةٍ ثانية. ويوماً بعد يوم تُغرق السلطة البلدَ بمزيدٍ من الأزمات والمشكلات المستعصية، فمثلما فشلت في ملفّات الكهرباء والنفايات وسلسلة الرتب والرواتب والموازنة والملفّات المعيشية، إنسَحب فشلها الذريع على ملفّ النزوح السوري، من دون أن يرفَّ لها جفنٌ، خصوصاً أنّ هذه الكارثة تهدّد الكيان بالزوال.
فيما يستمر الجيش اللبناني في معركته ضد الارهاب، وتتردد واسعاً في الداخل والخارج اصداء عمليته الاخيرة في منطقة عرسال، يتكرّس الانقسام اللبناني حول سبلِ معالجة ملف النازحين السوريين، ويستمر الجدل حول طريقة عودتهم، في موازاة تمسّك دمشق بالحوار المباشر معها في شأنهم لا بالواسطة، وقد اطلقَ سفيرها في بيروت علي عبد الكريم علي امس مواقفَ اثارت التباسات عدة ووجَد فيها مراقبون حملات وتوصيفات اعتبروها مسيئةً للقوى السياسية وتدفع الى «معاودة العزف مجدّداً على وتر عهد الوصاية السورية والإملاءات التي كانت تحصل خلالها، وهو ما تبدّى في إطلاق رصاص الاتهام في اتجاهات سياسية معينة وضَعها في خانة العداء لسوريا».
وفي هذا السياق أكد رئيس الحكومة سعد الحريري أنّ «هناك مزايدات من نوع جديد، تستخدم مأساة إخواننا النازحين السورين، لتحقيق نقاط سياسية رخيصة، من دون التنبّه إلى أنّها تهدد الاستقرار، عبر محاولة توريط الحكومة اللبنانية بالاتصال مع النظام المسؤول أساساً عن مأساة النازحين، لا بل عن مأساة جميع السوريين».
وأشار إلى أنّ «هذه الضغوط تشكّل خروجاً مرفوضاً على قواعد النأي بالنّفس التي توافَقنا عليها ولا وظيفة لها إلّا تقديم خدمات سياسية وأمنية مجّانيّة لنظام الأسد».
ورأى أنّ «الذين يحملون دعوةَ التواصل مع النظام، هم حلفاء له، ويقاتلون معه داخل الأراضي السوريّة، وبعضهم مَن يتبجّحون بأنهم عكسوا المعادلة غير المأسوف عليها في لبنان وأصبحوا جزءاً من الوصاية على النظام في سوريا.
حسناً فليَضغطوا على النظام لتسهيل إقامة مناطق آمنة على الجانب السوري من الحدود، ومخيّمات بإشراف الأمم المتّحدة تستوعب النازحين العائدين من لبنان، بدلاً من الدعوة الى توريط الحكومة اللبنانية باتصالات نتيجتُها فتحُ بابٍ جديد لابتزاز لبنان من دون أي معالجة حقيقية لتداعيات النزوح؟
أو انّهم يتقنون فقط المزايدة على بلدكم، وحكومة بلدكم وأهل بلدكم؟». وجَزم «أننا لن ندفع بالنازحين الى مصير مجهول، ولكن في الوقت ذاته، لن نتهاون مع أي محاولة لجعل أماكن النزوح بيئة حاضنة للإرهاب والتطرّف».
باسيل
ومن جهته رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل لفتَ الى «أنّ عودة النازحين تتم بالتنسيق مع الحكومة السورية، ولا ضرورة لضمانات دولية لهذه العودة، فالامم المتحدة شجّعت على اندماج النازحين في المجتمعات التي نزَحوا إليها حتى إعطاء الجنسية، ولدينا مشكلة معها في هذا الموضوع، وفي القانون الدولي هناك شيء اسمُه «تقاسم المسوؤليات» ولكن ماذا تكفلَ عنّا المجتمع الدولي».
وأشار الى أنّ «هناك علاقات ديبلوماسية وعسكرية وأمنية ومالية اليوم مع سوريا، فنحن ندفع لها شهرياً مقابل ما نشتريه منها من كهرباء منذ سنوات طويلة»، مشيراً إلى أنه «إذا كانت مصلحة لبنان تقضي عودة النازحين فيجب القيام بما يلزم لتحقيقها من دون عقد، إذ إنّ عدد النازحين يرتفع، على عكس ما يقولون، ولديّ الأرقام».
«حزب الله»
وإلى ذلك جدّد «حزب الله» عبر بيان كتلة «الوفاء للمقاومة» تأكيده «انّ التفاهم المباشر مع الحكومة السورية من شأنه تسريع الخطوات واختصار كثير من الوقت والجهد والنفقات والحؤول دون الاستغلال السياسي والتوظيف الرخيص على حساب معاناة النازحين»،
قانصو
ودعا وزير الحزب السوري القوي الاجتماعي علي قانصو مجلس الوزراء الى «تشكيل لجنة وزارية مهمّتها إجراء حوار مع السلطات السورية المعنية لترتيب برنامج لعودة آمنة للنازحين السوريين في لبنان». واعتبَر «انّ سحب الموضوعِ من مجلس الوزراء هو هروب من المشكلة». وقال لـ«الجمهورية»: «الويل لنا اذا قبلنا كلبنانيين كلامَ الامم المتحدة بأن تكون عودة النازحين طوعيّة، ففي هذه الحال سيبقى السوريون في لبنان.
إذن، منطلق البحث في هذا الملف هو رفضُ ما يسمّى العودة الطوعية. نحن نقبل بالعودة الآمنة بمعنى ان يعود السوريون الى منطقة آمنة، وعلى اللبنانيين ان يُجمعوا على عودة جميع السوريين عودةً آمنة الى بلدهم ويرفضوا أيّ طوعية في هذا الامر حفاظاً على لبنان. من مصلحة البلد التسريع في عودة السوريين عودةً آمنة، وكلّما تأخّر لبنان، اصبَحت هذه العودة أكثر صعوبة، فلا احد يعرف غداً عندما تطبَخ الحلول السياسية هل ستطبَخ على حسابنا، ام لا.
لذلك نصرخ ونقول فلتَفتح الحكومة اللبنانية حواراً مع الحكومة السورية حول هذا الأمر، وعلى من يرفض ان يعيدَ النظر في موقفه، وأن يحسبَ حساب المصلحة الوطنية العليا وليس الحسابات السياسية واعتبارات رضى هذه الدولة علينا أو تلك، وإملاءات ما يسمّى المجتمع الدولي أو الامم المتحدة. فإذا لم نسارع الى تدارُك نتائج هذا الملف سيكون حلّه مستقبلاً على حسابنا، وأقصرُ الطرق هو الحوار مع الحكومة السورية».
وعن رفض البعض الحوار مع الحكومة السورية «لعدم تعويم النظام»، قال قانصو: «ليس هم من يحددون شرعية الرئيس السوري، فهو لا يستمدّها من وزير او من نائب لبناني، بل استمدّها من شعبه ومن تحالفاته مع روسيا وايران والصين والبرازيل وكوبا وكوريا الشمالية والجزائر والعراق. نحن لا نقول بإقامة علاقة استثنائية، بل علاقة طبيعية مِثل العلاقة بين ايّ دولتين متجاورتين تحكمها مصلحة الطرفين.
وفي رأيي مصلحةُ لبنان أوّلاً». ورأى «انّ اكبر ردّ على متّهمي الرئيس الاسد بأنه هو هجَّر النازحين يتمثّل في مشهد زحفِ هؤلاء الى السفارة السورية زرافاتٍ ووحدانا، أبّان الانتخابات الرئاسية في سوريا لكي ينتخبوه عام 2014».
زهرا
وفي المقلب الآخر، قال عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب انطوان زهرا لـ«الجمهورية»:
«أولاً، إنّ السفير السوري تدخّلَ في حوار لبناني ـ لبناني بنحو وقِح وغير مبرّر. فعندما يتساجل اللبنانيون حول موضوع، ليس للسفير السوري ان يتدخل في هذا السجال. وشأن داخلي ان يقرّروا إذا أرادوا التحدّث مع السلطة السورية ام لا.
ثانياً، مَن دعا الى الحوار مع السلطة السورية قال: كي يعودوا عودةً آمنة بإرادتهم، هذا ما اعلنَه الشيخ نعيم قاسم. من يريد العودة عودةََ آمنة بارادته لا يريد تفاوضاً بل يكون مقتنعاً بأنّ عودته آمنة ويقرّر ان يرجع. وبالتالي حتى الدعوة الى الكلام مع النظام السوري لم يكن الهدف منها إلّا اعتراف علنيّ من الدولة اللبنانية التي تقول انّ هناك اشكالية حول شرعية النظام في سوريا لأنها تعترف بشرعية هذا النظام بحجة التخلّص من عبء النازحين.
ولكن من اللحظة الاولى معروف انّه نظام مشكوك في شرعيته، او على الأقلّ جزء كبير من شعبه لا يعترف بشرعيته ويعتبره نظاماً قاتلاً ومجرماً، المنظمات الدولية هي من تضمن أجزاء من اراضيه وليس هو أو حلفاؤه في لبنان او في المنطقة».
وذكّر زهرا بأنه «عندما قرّرَت الحكومة النأيَ بالنفس فَعلت ذلك على اساس انّ هذا النظام ليس نظاماً شرعياً بالنسبة الى شعبه، وبالتالي لا يمكن ان تتعاطى معه على اساس انه نظام سيّد على ارضه ويمثّل الشرعية الرسمية، فالجميع يدركون انه احتفَظ بمناطق سيطرةٍ بتدخّلٍ خارجي من ايران وميليشياتها ولاحقاً من روسيا وبالتالي بغضّ النظر عن قدرات جيشه وسلطته المركزية أوّلاً لا يزال موجوداً لأنه مدعوم من الخارج، وثانياً، لا احد في العالم، ولو تعاطى معه كأمر واقع، يتعاطى معه كمنظمات دولية مسؤولة عن ايجاد حلول وسلام وتأمين الاستقرار، وليس من منطلق دولة جارة تعترف بشرعية هذا النظام كما يريدون للبنان ان يفعل بحجّة التنسيق لعودة النازحين.
فهؤلاء هربوا من ظلم هذا النظام، وإذا ضغَطت الدولة اللبنانية بالتنسيق مع النظام تكون قد سلّمت المعارضين. إذا كان هناك من موالين له فــ»الله مع دواليبن»، امّا ان نتفاوض مع الدولة التي هجّرتهم ليعودوا وندّعي انّها عودة آمنة، فيبدو انّ بعض من عاد أجبِر على التجنيد في جيش النظام والقتال الى جانبه، فكيف نكون قد أمّنا عودةً آمنة لهؤلاء؟
عودة النازحين ملِحّة للبنان ولكن لا كلام مع هذا النظام، وعلى السفير الذي خرَج بكلامه عن الاصول واللياقة وتجاوَز دورَه وتطاوَل على رموز في السلطة اللبنانية ان يكون اديباً بمقدار ما يدّعي القربى والصداقة والجيرة، هذا سفير تطاوَل على رئيس الحكومة وفريق كبير من اللبنانيين وحاوَل وضع شروطٍ مدّعياً انه قوي، فيما الكل يدرك من أين تأتي قوة النظام.
عليه ان ينتبّه و«يوعا ع حالو»، واقترَح على الديبلوماسية اللبنانية ان تستدعيَه وتنبهه لعدم تجاوزِ اللياقات والاصول وأن لا يتدخّل في شؤون داخلية لبنانية لا علاقة له بها».
الجميّل
وبدوره رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، قال :»لو كنّا مكان السلطة القائمة لكنّا طالبنا بإحالة ملف اللجوء الى الامم المتحدة بالدرجة الاولى لتكون المسؤولية مشتركة، ولكن للاسف لم تستنفد هذه السلطة أيّ جهد لإيجاد قنوات رسمية دولية تشكّل صلة وصل بيننا وبين دمشق، ولا خطة للدولة اللبنانية أساساً في ملف النازحين.
سعَيد لـ«الجمهورية»
وقال رئيس «لقاء سيّدة الجبل» الدكتور فارس سعيد لـ«الجمهورية»: «يشكّل النزوح السوري في لبنان عبئا كبيراً على جميع اللبنانيين بلا تمييز مناطقي او طائفي، بدليل أحداث برجا أمس، وبالتالي على الحكومة اللبنانية مجتمعةً إيجاد حلّ لإدارة وجودهم في لبنان وللآليات المطلوبة من اجل عودتهم الى ارضِهم. واستغرَب أن يُسحب هذا الموضوع من مداولات مجلس الوزراء تحت عنوان انه يشكّل انقساماً بين اللبنانيين، وأسأل: إذا لم يُناقش داخل المجلس فأين يناقَش؟ هل على شاشات التلفزة؟
ام على المنابر الاعلامية وبطريقة شعبوية؟ نطالب بإعادة هذا الملف الى مجلس الوزراء واتّخاذ موقف لبناني يقضي أوّلاً بإدارة شؤون النازحين الداخلية وثانياً عودتهم حيث يمكن ان يعودوا. ومن يحدّد اماكن هذه العودة ويضمنها هي الأمم المتحدة المسؤولة عن هذا الملف.
العودة الطوعية هو موقف الامم المتحدة، امّا موقف لبنان فهو اذا كان هناك مناطق آمنة بضمان الامم المتحدة على لبنان ان يطالب باسمِ حكومته الامم المتحدة بتجاوز الطوعية في العودة، وبعودتهم الى اراضيهم .
ويطلب لبنان من الامم المتحدة وليس من قبَل ايّ جهات اخرى تنفيذَ هذه الآلية، لأنّ نظام بشّار الأسد و»حزب الله» هما من هجّر النازحين، فبمقدار ما يقاتل الحزب هؤلاء على ارضهم بمقدار ما يكبر عدد النازحين على ارضنا، وبالتالي قتاله داخل سوريا يؤدي الى مفعول عكسي، ومطلبُه أن تتحاور حكومة لبنان مع نظام الاسد لتعويمه هو مطلب سياسي وليس مطلباً تقنياً يؤمّن عودة النازحين. ما يؤمّن عودتهم هو ضمان عودتهم، ومن يضمنها هي الجهات الدولية وليس ايّ جهات اخرى».
ابراهيم
واستوضَحت «الجمهورية» المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بعد الحديث عن تكليفه التواصلَ مع دمشق من اجل معالجة ملف النازحين، فلم ينفِ ولم يؤكّد، لكنّه ابدى استعداده لتنفيذ «القرار السياسي». وقال لـ«الجمهورية»: «أنا في تصرّفِ السلطة السياسية، ومستعدّ لتنفيذ ايّ مهمة تُطلب منّي، والمهم ان يكون هناك قرار سياسي بها». وعن العلاقة مع دمشق أكّد إبراهيم «انّ التنسيق الامني مع المعنيين لم يتغيّرعمّا كان عليه في الفترات السابقة بما تقتضيه المصلحة الامنية بين البلدين».
مرجع امني
في هذا الوقت، قال مرجع امني لـ«الجمهورية» إنّ «الجيش لن يتأثر بكلّ الاصوات التي تَصدر من هنا وهناك بقصد التشويش على المهمات التي ينفّذها وفي حماية وصونِ الاستقرار الداخلي وأمن البلاد، وخصوصاً العملية الاخيرة في منطقة جرود عرسال ضد المجموعات الارهابية». ولفتَ المرجع الى «انّ الامن هو الاولوية الاولى والاخيرة والدائمة بالنسبة الى الجيش، وسيقوم بكلّ ما عليه في هذا الاتجاه ولن يثنيَه عن ذلك شيء».
وأضاف: «إنّ الجيش مستمر في حملته ضد الارهاب، وفي الحفاظ على الامن والاستقرار مهما كلّفه ذلك من اثمان». وكشف «انّ الالتباسات التي اثيرَت بالتزامن مع العملية العسكرية في منطقة عرسال ستتّضح عبر تقرير مفصّل يُنشر قريباً».
ولفت الى «أنّ اللقاءات التي حصلت بين قيادة الجيش ومسؤولين أمميين وسفراء، والاتصالات التي جرت تخلّلها عرضٌ من القيادة لتفاصيل الوضع على ارض المعركة وكيف كان قرار الجيش التمييز بين المدنيين والارهابيين، وهذا الامر بالنسبة الى الجيش بمثابة خط احمر بعدم المسّ بالمدنيين، على رغم انّ الارهابيين يستغلّون المدنيين ويَحتمون بهم».
وأشار المرجع الى انّ السفراء «اثنوا على دور الجيش ونوّهوا بأدائه في محاربة الارهاب واكّدت القيادة العسكرية انّها تعتمد الشفافية في كل عمل تقوم به، وأولويتُها تبقى دائماً أمن لبنان وحفظ استقراره وحماية المدنيين وعدم المسّ بهم»
زيارة الحريري لواشنطن
من جهةٍ ثانية وتحضيراً لزيارته المقررة في 21 الجاري لواشنطن التقى الحريري بعد ظهر امس سفيرة الولايات المتحدة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد.
وفي معلومات لـ«الجمهورية» انّ اللقاء تناوَل الترتيبات الخاصة بالزيارة وجدول اعمالها، حيث ستدوم أربعة ايام، ولم يتطرّق البحث الى جدول المواعيد وبرنامجها التفصيلي واللقاءات الرسمية وتلك المتوقعة في مجلسَي النواب والكونغرس وجهاز الأمن القومي.
وقالت مصادر مطّلعة إنّ الملفات التي ستُطرح في هذه اللقاءات متشعّبة، وهي تنطلق من القضايا المتصلة بالمساعدات العسكرية للجيش اللبناني والقوى الأمنية وتلك المتصلة بالدعم الاقتصادي والمساهمة الأميركية في كلفة النزوح السوري، امتداداً إلى قضايا المنطقة، من الأزمة السورية وتردّداتها على دول الجوار السوري، إلى القضية الفلسطينية ومصير الحوار بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصير المبادرة العربية.
وإلى الزيارة الأميركية، أفادت المعلومات انّ موعد زيارة الحريري لموسكو حُدِّد مبدئياً في 11 أيلول المقبل، وذلك قبل ايام على مشاركة لبنان في اجتماعات الجمعية العمومية السنوية للأمم المتحدة المقرّرة بعد 23 منه وتستمر حتى نهايته.
اللواء :
في 22 حزيران اقرت «وثيقة بعبدا»، لملء الفراغ المفترض ان يكون ممتلئاً خلال 11 شهرا تفصل عن اجراء الانتخابات النيابية وفقاً لقانون جديد اعتمد المبدأ النسبي.
في 5 تموز استأنف مجلس الوزراء جلساته، بعد عطلة الفطر في محاولة لبرمجة جدول الاعمال تشريعياً، وادارياً، والموازنة، وسلسلة الرتب والرواتب، اضافة الى الكهرباء في ذات الجلسة، تضع الحكومة على المحك على خلفية اثارة مفاجئة لمسألة مزمنة، هي قضية عودة او اعادة النازحين السوريين الى بلادهم، او على الاقل في المناطق الآمنة.
وفي غمرة هذه الازمة الجديدة – القديمة، ووسط تصاعد الخلاف بين الامم المتحدة ممثلة بالمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ ونائب المنسق الخاص والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الانسانية للامم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني، ولبنان، ممثلاً ببعض اطراف الحكومة، ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل على وجه التحديد لجهة توقيت عودة النازحين السوريين والضمانات الدولية المطلوبة، والشروط المطلوبة سوريا ودوليا، بدت المواقف الوزارية، كمن يغرد على ليلاه، ولكن تحت سقف عدم الذهاب مجددا الى ازمة تعيد الوضع اللبناني الهش إلى الوراء.
وزير الاتصالات جمال الجراح رد على سفير سوريا في لبنان علي عبد الكريم، مشيرا الى ان عودة النازحين السوريين تتم من خلال آليات دولية على النظام ان يتعامل معها.
وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق دعا، اذا تكرر اطلاق النار لمناسبة صدور نتائج البكالوريا اللبنانية غدا الى الثورة، مطالبا بأن يرفع السياسيون يدهم عن القضاء، مشيرا الى ان قوى الامن تدور من الناقورة للنهر الكبير لتأتي بلوائح الاسماء ولم تمر دقائق حتى يفرج عن بعض مطلقي النار.
وزير الدولة لشؤون حقوق الانسان ايمن شقير طالب امس، القيادة العسكرية والقضاء المختص فتح تحقيق شفاف في كل ما تم تداوله من صور واخبار عن عملية توقيف في عرسال واسباب ادت الى وفاة عدد من الموقوفين، وذلك حرصا على صورة الجيش ومنع اية شائعات قد تكون مغرضة.
الوزير باسيل، فاجأ المشاهدين، بخطوة مثيرة للاهتمام، ولكنها اتت خارج السياق الطبيعي (القضاء والمجلس الدستوري لجهة التصريح عن امواله) إذ وضع بتصرف مقدم برنامج «كلام الناس» من على شاشة الـ LBCI مارسيل غانم كتابا ممهورا بتوقيعه، وطلب اليه قراءته فقرأه عبر الشاشة، وفيه انه يفوضه رفع السرية المصرفية عن حساباته في المصارف.
وفي السياسة، اعتبر وزير الخارجية باسيل ان عودة النازحين السوريين يمكن ان تتم عبر الحكومة السورية او غيرها.. متجنباً فتح اي سجال مع اي طرف داخلي، ومدافعاً عن نظام النسبية، ومؤكدا ان المرحلة الانتقالية لم تبدأ بعد لتطبيق المادة 95 في ما خصّ وظائف الدولة ما خلا الفئة الاولى، التي هي مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.. مع العلم ان وثيقة الطائف نصت صراحة على هذا الإلغاء.
واقترح الرئيس الحريري حلاً ممكناً لأزمة النزوح، وذلك بأن بضغط حلفاء النظام السوري، والذين يقاتلون معه داخل الأراضي السورية عليه «لتسهيل إقامة مناطق آمنة على الجانب السوري من الحدود» ومخيمات بإشراف الأمم المتحدة تستوعب النازحين العائدين من لبنان، بدل الدعوة إلى توريط الحكومة باتصالات نتيجتها فتح باب جديد لإبتزاز لبنان من دون أية معالجة حقيقية لتداعيات النزوح.
وأكد على حماية قواعد الاستقرار السياسي والابتعاد عن أي أفكار تثير البلبلة وتنقل المسائل الخلافية المعروفة، إلى طاولة مجلس الوزراء.
وأكد: نحن لن ندفع بالنازحين إلى مصير مجهول، وفي الوقت نفسه لن نتهاون مع أي محاولة لجعل أماكن النزوح بيئة حاضنة للإرهاب والتطرف.
وفي سياق الملف السوري، استبعدت مصادر سياسية متابعة للملف لـ«اللواء» موافقة النظام السوري على اجراء حوار مع الجانب اللبناني بشخص موفد رئاسي بحسب ما تردّد اذا لم يكن هذا الحوار على المستوى الحكومي، معتبرة أن كل ما يقال عن ضرورة التنسيق والحوار هو من أجل الضغط على الدولة اللبنانية من خلال هذا الملف، الذي لا يمكن التغاضي عنه، مؤكدة أن الأزمة موجودة فعلاً وعلينا مناقشتها وبحثها بجدية وموضوعية ضمن الأصول وبعيداً عن التشنجات والعصبيات، لكنها شددت على ان الجهة الصحيحة التي يمكن الوثوق بها هي الامم المتحدة والتي لا يمكن اجبار اي نازح سوري بالعودة الى دياره طالما الحرب في سوريا مستمرة، وهناك مناطق تعتبر غير آمنة.
زيارة واشنطن
وبعد قرابة اسبوعين، وتحديداً السبت في 22 تموز الجاري، يغادر الرئيس الحريري إلى الولايات المتحدة يرافقه وفد وزاري يضم وزير الخارجية جبران باسيل، بانتظار تشكيل باقي أعضاء الوفد.
وفي برنامج الزيارة لقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وشيوخ ونواب ووزراء في الكونغرس والادارة الأميركية.
وكشف مصدر مطلع أن الوضع اللبناني بكل حيثياته سيكون حاضراً في جدول محادثات الرئيس الحريري، لا سيما موضوعي النازحين السوريين، والعبء اللبناني المتفاقم، فضلاً عن العقوبات المالية الأميركية ضد حزب الله وعدم جواز شمولها لمؤسسات مدنية واجتماعية، تؤثر سلباً على النسيج اللبناني.
التوقيفات والتحقيقات
أمنياً، أعلنت قيادة الجيش أن مديرية المخابرات احالت 3 سوريين ممن كانوا قد أوقفوا خلال عملية الدهم الأخيرة في مخيمات عرسال، الى القضاء المختص، وأن هؤلاء اعترفوا بانتمائهم إلى التنظيمات الإرهابية في جرود المنطقة ومشاركتهم في القتال إلى جانبها في معركة عرسال ضد وحدات الجيش بتاريخ 2 آب 2014.
وكشف البيان أن 190 موقوفاً سورياً احيلوا الى الأمن العام لتجولهم على الأراضي اللبنانية بصورة غير قانونية، علماً أن عدد الموقوفين السوريين في عملية الدهم فاق الـ350 شخصاً.
إلى ذلك، اشارت معلومات وردت من واشنطن أن عدداً من أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي يعتزم طلب عقد جلسة خاصة للجنة يستدعى إليها وزير الدفاع للاستماع الى ما لديه من معلومات في شأن دهم عناصر من الجيش اللبناني مخيمات في عرسال وتوقيف نحو 360 سورياً ومصادرة أسلحة وذخائر وصواريخ وأحزمة ناسفة ومشغل تفخيخ، والاستيضاح منه حقيقة الصور المنشورة حول كيفية التوقيف، ووفاة أربعة من الموقوفين.
ولفتت المعلومات إلى أن أهمية القضية اميركياً تكمن في كون الولايات المتحدة تمد الجيش اللبناني بالسلاح ويفترض ان تبقى على اطلاع حول وجهة استخدامه.
ولم تستبعد المصادر أن تكون زيارة السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيث ريتشارد للرئيس الحريري، أمس، تأتي في هذا الإطار، علماً ان الزيارة اندرجت في سياق التحضير للزيارة التي سيقوم بها رئيس الحكومة لواشنطن في نهاية الشهر الحالي.
الاخبار :
قد يكون من سوء حظ الجيش اللبناني أن تترافق عملية عرسال مع وفاة أربعة من الموقوفين، فلا يتوقف أحد من المدافعين عن النازحين السوريين أمام وجود أربعة انتحاريين بأحزمتهم الناسفة وأربع عبوات معدة للتفجير، وأمام الإصابات التي تعرض لها عدد من الجنود في وجوههم واحتمال تعرضهم لإصابة دائمة في عيونهم وحرمانهم من النظر.
وبين «تقديس» الجيش بالمطلق والتعامل معه على أنه فوق الشبهات وقيام حملات ترويجية دعماً له، وبين التذرع بحقوق الإنسان كلافتة جذابة تسويقية أمام الدوائر الغربية المعنية سياسية وإعلامية، لإطلاق النار على الجيش والتعامل مع المخيمات أيضاً على أنها فوق الشبهات لمجرد أنها تضم نازحين، من المفيد إعادة التذكير بأن الأمر نفسه حصل في القاع قبل عام تقريباً. حينها تحولت العمليات الانتحارية المتسلسلة في دقائق، إلى تحليلات واجتهادات سعت الى التخفيف من وطأة ما حصل وتحويل النظر عن استشهاد عدد من أبناء البلدة اللبنانيين لمصلحة الكلام عن حملة السلاح من المدنيين. وقبل ثلاثة أعوام أيضاً، حصل الأمر نفسه حين تعرض الجيش لكمائن في عرسال انتهت بخطف عسكريين لبنانيين لا يزال مصيرهم مجهولاً، وسقوط عدد من الشهداء. فيما الخشية اليوم أن يتحول الضغط في ملف النازحين بعد عملية عرسال، الى مطية يراد منها «تشريع» بعض الممارسات في المخيمات، سواء عبر طرق البناء أو من خلال وقوعاتهم الشخصية التي ردد نازحون بعد الحرائق الأخيرة أنهم فقدوها.
وقد يكون من سوء حظ الجيش أيضاً أن تأتي أحداث عرسال بعد الزيارة التي قام بها تلامذة المدرسة الحربية لمعلم سياحي تابع لحزب الله، علماً بأن الزيارة نفسها سبق أن جرت خلال السنوات الماضية، ما زاد من حدة مواقف خصوم الحزب، من دون تغطية سياسية كبيرة، منتقدين المؤسسة العسكرية بقيادتها الجديدة، التي يفترض أن تكون في طور تقويم الأخطاء إذا حصلت، وهي تخوض أولى استحقاقاتها الجدية، من أجل المحافظة على الإنجازات التي تحققت، ومنها عملية عرسال.
في المقابل، قد يكون من حسن حظ الجيش أيضاً أن توقيت ما جرى أتى في لحظة سياسية يسعى فيها رئيس الحكومة وفريقه السياسي الى التهدئة التامة، فلا يفتعل مشكلة سياسية مع الجيش، ولا يصوب ضد «ممارساته» حتى لو كانت موجّهة ضد نازحين (وليس أبناء عرسال)، كما كانت تفعل قيادات فيه، لئلا يطلق رصاص الرحمة على شراكة أساسية مع العهد الذي تُحتسب قيادة الجيش عليه بالكامل، ويحظى بتغطية سياسية كاملة. لذا تحولت المطالبة بلجنة تحقيق بوفاة الموقوفين الأربعة، مضبوطة الإيقاع، لأن جميع الأفرقاء يريدون إبقاء التطبيع القائم على حاله. وانتقل النقاش السياسي تبعاً لذلك الى موضوع الحوار مع دمشق، كمادة ينفّس فيها المختلفون اعتراضاتهم فتبقى مشروعة، من دون تماس مباشر مع الجيش وخلق ارتدادات لا تفيد أحداً في الوقت الراهن. وبما أن العلاقة مع سوريا تحتمل الكثير من التأويلات رفضاً أو تأييداً، صارت الشغل الشاغل للسياسيين وتصريحاتهم، لينشأ جدال عقيم آخر، يعرف القائمون به أن لا أفق له. ومفارقة الأيام الأخيرة أن القوى السياسية اعترفت من خلال أحداث الأيام الأخيرة وجلسة مجلس الوزراء بأن خلافاتها السياسية لا تزال على حالها، وأن ما يحكمها هو اتفاق سياسي بالحد الأدنى فقط، وأن «المواضيع الخلافية» ستترك جانباً فلا يقاربها أي طرف، كي لا تنفجر الحكومة. وعلى هذا المنوال، ستوضع قضايا أخرى جانباً، وستحل أخرى وفق أسلوب التهدئة كما أقر قانون الانتخاب في اللحظة الأخيرة، وعولج الخلاف حول الكهرباء ومن ثم الإحالة الى دائرة المناقصات، وستعالج قضايا أخرى على الطريق بالأسلوب نفسه. ورغم أن جميع الأفرقاء ملتزمون التهدئة السياسية، إلا أن العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة تبقى الأكثر تمايزاً، كونها ذللت عقبات عدة أخيراً، وساهمت في إطفاء خلافات وحرائق سياسية في أكثر من ملف. وهو يحاول من خلال تعزيز موقعه من خلال ملفات عدة تمر في مجلس الوزراء وخارجه، من دون أي إشكالات، وهو يعترض في الدوائر الضيقة ويوجه رسائل داخلية حين تدعو الحاجة معترضاً أو مستفسراً من دون ضجة إعلامية. وليس أمراً بسيطاً أن يبتعد الحريري وفريقه الخاص عن دائرة الضوء في مقاربة ملف عرسال وتداعياته، ساحباً كل توتر يمكن أن يرتد في الشارع الذي لا يزال يدين بالولاء له.
لكنّ ثمة استحقاقاً أساسياً يفترض بالقوى السياسية والعسكرية أن تأخذه في الحسبان أيضاً في إطار التزامها التهدئة، وهو أن الأخطاء غير مسموحة في الوقت الراهن الذي يعاين فيه الأميركيون تحديداً الوضع الداخلي، وخصوصاً أن المرحلة المقبلة ستشهد سفر رئيس الحكومة الى واشنطن وسفر قائد الجيش إليها أيضاً، فيما يوضع ملف العقوبات المفترضة على لبنان وحزب الله على النار الأميركية، ومعه التلويح بخفض وزارة الخارجية (لا الدفاع) مساعدتها للجيش اللبناني، علماً بأن التبرير المعطى أميركياً هو أن الخفض يشمل عدداً من الدول، لا لبنان وحده.