سجالٌ حول العلاقة مع دمشق وكيفية التواصل معها , وتجارة بالنازحين
المستقبل :
بخلاف كل ما سبقها من تحليل وتهويل وصل بعضه إلى حد «التهليل» بقرب انفراط عقد التضامن الحكومي، انعقدت جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا أمس وسط أجواء من النقاشات الهادئة حلّت برداً وسلاماً على المناخ الوزاري العام تحت مظلة رئاسية نجح خلالها رئيسا الجمهورية والحكومة ميشال عون وسعد الحريري في تفكيك «الصواعق» الخلافية التي سعى البعض إلى زرعها على أرضية التوازنات التوافقية، بحيث بدا التناغم واضحاً على طول الخط الرئاسي لا سيما مع تشديد كل منهما على ضرورة النأي بمجلس الوزراء عن أي ملف خلافي وإيلاء الأهمية والأولوية في هذه المرحلة الوطنية النهضوية إلى «قضايا الناس».
ففي الاستهلاليتين الرئاسيتين، سجل عون بدايةً تنويهه بإنجازات الجيش والقوى الأمنية وبتعاون الفصائل الفلسطينية في مخيم عين الحلوة إزاء تسليم المطلوبين مع تحذيره في الوقت عينه من مغبة تحوّل مخيمات اللاجئين والنازحين إلى بيئة حاضنة للإرهاب، بينما طرح الحريري ضرورة وضع خطة أمنية تلحظ إجراءات أمنية وميدانية واستباقية فعالة من بينها نزع السلاح المتفلت مع دعوته وزارة العدل إلى إعادة النظر ببعض عقوبات السجن لجهة التشدد بمعاقبة مرتكبي الجرائم الجنائية. وعن مجريات الجلسة، أوضحت مصادر وزارية لـ«المستقبل» أنّ
ملف عودة النازحين أثير على طاولة النقاش إثر مطالبة الوزير علي قانصو بتفاوض الحكومة مع حكومة النظام السوري في هذا الملف، الأمر الذي ردّ عليه رئيس مجلس الوزراء بالتشديد على كون «هذه المسألة من المواضيع الخلافية» وقال: «نحن نريد عودة النازحين السوريين الى بلادهم اليوم قبل الغد، لكن نعتبر أن ذلك من مسؤولية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها والتي عليها أن تضع خطة آمنة لعودتهم»، مذكراً بالاتفاق «منذ تشكيل الحكومة على وضع المسائل السياسية الخلافية جانباً ولا حاجة بالتالي لطرح مواضيع تسيء إلى التوافق الحكومي القائم»، الأمر الذي أيّده فيه عدد من الوزراء ومن بينهم الوزير طلال أرسلان الذي لفت إلى أنّ مثل هذه المسألة الخلافية لا يجب بحثها على طاولة مجلس الوزراء إنما على طاولة حوار وطني برئاسة رئيس الجمهورية. وفي سياق متكامل مع توجّه رئيس الحكومة، حسم عون النقاش في هذا الملف متوجهاً إلى الوزراء بالقول: «أتركوا لنا هذا الموضوع أناقشه مع دولة الرئيس وعلى كل حال من يريد من النازحين العودة إلى سوريا لا شيء يمنعه من ذلك».
أما في ملف الكهرباء، فأرجئ البحث بمستجداته ربطاً بغياب وزير الطاقة سيزار أبي خليل عن جلسة الأمس بداعي السفر، في حين نقلت المصادر أنّ أمين عام مجلس الوزراء فؤاد فليفل أكد لعدد من الوزراء أنّ التباين الذي كان قد ظهر بسبب خطأ مطبعي بين نص قرار مجلس الوزراء بشأن المعامل العائمة وبين نص الإحالة إلى إدارة المناقصات بهذا الخصوص تم تصحيحه.
عملية عرسال
وفي ما يتصل بالعملية العسكرية النوعية في مخيمات النازحين في عرسال والتي انتهت إلى تفكيك خلية انتحارية كانت تُعد لتنفيذ هجمات إرهابية في الداخل اللبناني، برز إبداء مجلس الوزراء تقديره لدور الجيش وما قام به من عملية استباقية في ملاحقة الإرهابيين، رافضاً في المقابل «كل صوت يُشكك بصدقية» هذا الدور، مع التأكيد بأنّ تحقيقات ستُجرى لتثبت أنّ المؤسسة العسكرية ملتزمة «التزاماً كاملاً بالواجبات القانونية والإنسانية». وفي الإطار عينه كان رئيس الجمهورية قد نبّه إلى وجوب تجنب إغراق البلد في أي جدل بيزنطي، مستذكراً «واقعة محاصرة محمد الفاتح القسطنطينية فيما كان أهلها منشغلين بالجدال حول جنس الملائكة في جدل بيزنطي لا ينتهي ويصرف الجهد عن الجوهر»، علماً أنّ وزير الدفاع يعقوب الصراف وضع المجلس أمس في الملابسات الحقيقية لوفاة أربعة أشخاص من الموقوفين في عملية عرسال مؤكداً أن الوفاة ناتجة عن «سكتة قلبية».
وفي السياق عينه، أعربت مصادر عسكرية لـ«المستقبل» عن تأسفها لبعض «حملات التشويه» التي يتعرض لها إنجاز الجيش في مخيمات عرسال للنازحين، مذكرةً بأنّ «أي من المدنيين لم يسقط خلال العملية التي لولا نجاحها لكان الأمن الوطني برمته بخطر بعد ما تكشف من مخطط انتحاري كان الإرهابيون يتحضرون لتنفيذه في عدد من المناطق اللبنانية». وكشفت أنّ هذه العملية كان من المقرر تنفيذها في وقت سابق إثر «معلومات استخباراتية حول وجود عبوات وأحزمة ناسفة وغرف لصناعتها» في هذه المخيمات، غير أنّ الجيش آثر تأخير التنفيذ حرصاً منه على اختيار توقيت ملائم وظروف مؤاتية محكمة للإطباق على الإرهابيين من دون المساس بأي من المدنيين، لافتةً الانتباه في هذا السياق إلى أنّ أحد العسكريين فقد بصره خلال العملية جراء محاولته حماية فتاة سورية نازحة.
وعما أثير حول وفاة أربعة موقوفين، أشارت المصادر العسكرية إلى أنهم توفوا قبل التحقيق معهم نتيجة سكتة قلبية بخلاف ما أشيع عن تعرضهم للتعذيب علماً أن شخصين توفيا للسبب عينه فور توقيفهم، لافتةً إلى أنّ التأخير بالإعلان عن وفاة الموقوفين الأربعة مردّه إلى انتظار المؤسسة العسكرية صدور تقرير الطب الشرعي لتبيان أسباب الوفاة، تمهيداً لرفع تقريرها بذلك إلى القضاء المختص المسؤول عن الإعلان عن الأمر.
الأمم المتحدة: طوعية العودة
في الغضون، برز في الحوار الإعلامي الذي أجراه كل من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ ونائب المنسق الخاص والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان فيليب لازاريني حول دور الأمم المتحدة وأولوياتها في لبنان، تجديدهما التأكيد بالنسبة إلى موضوع عودة اللاجئين إلى سوريا، على موقف الأمم المتحدة المتمسك بأنّ «أي عودة للاجئين إلى بلادهم يجب أن تكون طوعية وفي ظروف تتسم بالسلامة والكرامة»، مع التشديد على أنه «مبدأ مركزي للقانون الدولي».
وإذ لفتا إلى استحالة «الإجابة الآن عن إمكانية وجود مناطق يمكن أن يكون اللاجئون مستعدين للعودة إليها في المستقبل القريب، لأن الوضع (في سوريا) لا يزال هشاً للغاية والصراع مستمر»، أكدت كاغ على كون وجود اللاجئين السوريين في لبنان هو «وجود موقت» نافيةً في المقابل وجود أي بحث في موضوع توطينهم.
الديار :
اقتحم ملف النازحين السوريين جلسة مجلس الوزراء، أمس، انما من دون ان يفجرها، بحيث بقي الخلاف حول مبدأ الحوار مع الدولة السورية، تحت السيطرة، على قاعدة ان «امن الحكومة فوق كل اعتبار».
ولأن ضرورات التوافق تحكم هذه المرحلة، فقد تم احتواء السجالات الجانبية التي نبتت على ضفاف الجلسة وجرى تجنب حسم الخيار المفترض اتباعه في معالجة ازمة النزوح السوري، وبالتالي يمكن الاستنتاج ان مجلس الوزراء قرر المضي في الهروب الى الامام لحماية جسمه الهش، مؤجلا البت في آلية المعالجة.
وقد انقسم الوزراء بين مُطالب بفتح حوار مع دمشق لترتيب عودة النازحين الى المناطق الآمنة ( 8آذار والتيار الوطني الحر)، وبين داع لحصر التنسيق في هذا المجال بالامم المتحدة من غير اي انفتاح على السلطات السورية ( 14آذار والحزب التقدمي الاشتراكي)، فيما رفع الوزير علي قانصو السقف مؤكدا ان لبنان ملزم بالتواصل مع الدولة السورية لتأمين عودة النازحين، وهذا ما لم يعجب الوزير ميشال فرعون الذي رد على رئيس «القومي» معتبرا ان موقفه هو رأي شخصي لا يلزم الحكومة اللبنانية.
وحذر الرئيس ميشال عون من تحول المخيمات النازحين السوريين الى بيئة حاضنة للارهابيين، داعيا الجيش والقوى الامنية والشعب الى التعاون من أجل مواجهتهم ومنعهم من ارتكاب جرائمهم.
وامتدادا لسياسة تدوير الزوايا التي يعتمدها الرئيس سعد الحريري منذ تشكيل الحكومة، أشار الى ان هناك خلافات داخلية حول كيفية التعامل مع العديد من الملفات، ولكن نحن نريد تسيير أمور البلد والمواطنين، وينبغي ايجاد صيغ لتجاوز هذه الخلافات، من دون ان يفرض أحد رأيه على الآخر.
وفي نهاية المطاف، اكد مجلس الوزراء تقديره للعملية الاستباقية التي قام بها الجيش، في اطار ملاحقة الارهابيين وعدم تمكينهم من استغلال مخيمات النازحين، مشددا على ان كل صوت يشكك في صدقية الجيش مرفوض.
حزب الله
وبالنسبة الى «فضيحة» الافراج عن عدد كبير من الاشخاص الذين سبق ان أوقفوا بتهمة اطلاق النار في الهواء، عُلم ان الوزير حسين الحاج حسن قدم مداخلة صريحة وجريئة ردا على بعض الايماءات والايحاءات بان حزب الله ضغط للافراج عن عدد من هؤلاء وعن آخرين متورطين في قضايا مخدرات وغيرها، فقال في الجلسة: نحن نُتهم باننا ضغطنا على القضاء ليُفلت بعض مطلقي النار او أصحاب الارتكابات وهذا غير صحيح بتاتا، بل اننا نطلب التحقيق مع القضاة المتهاونين الذين اطلقوا سراح المتورطين في كل انواع الجرائم وكشف هوية الجهات السياسية التي تدخلت.
وتابع الحاج حسن: اننا لا نغطي أحدا في هذا المجال وليست لنا علاقة باي شخص من الذين اوقفوا وأطلقوا، لا من قريب ولا من بعيد، وليس مقبولا ان يوجه الينا الاتهام بينما نحن أكثر من يلح على الدولة كي تؤدي واجباتها وتفرض القانون.
الى ذلك، جرى تصحيح القرار المحال الى ادارة المناقصات والمتعلق بملف استئجار بواخر الكهرباء، حيث أعاد الامين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل تصويب نص القرار، وفق ما كان قد صدر سابقا في البيان الرسمي للحكومة.
السفير السوري
وربطا بالنقاش المحتدم حول ملف النازحين السوريين، قال السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي لـ «الديار» ان بعض القوى التي ترفض الحوار مع سوريا انما تكابر وتقفز فوق حقائق التاريخ والجغرافيا، لافتا الانتباه الى ان هذه القوى التي تشكو الآن من الارهاب هي ذاتها كانت تضغط لاخلاء سبيل موقوفين من الارهابيين بحجة انهم جيش حر او ثوار.
ويعتبر علي ان اصحاب المواقف المعارضة للتنسيق مع الدولة السورية لا يتحلون بالمسؤولية ويتكلمون في الفراغ، فقط لارضاء السعودية وجهات اقليمية ودولية، منبها الى ان ملف النازحين لا يُحل بتجاهل الواقع والكذب على الذات ولا يُحل طبعا عبر سياسة النأي بالنفس التي ثبت عمليا انها ادت الى توريط لبنان وليس النأي به، وذلك بفعل الاستجابة لضغوط اقليمية ودولية.
ويستغرب السفير السوري كيف ان البعض يطالب بالتواصل مع الامم المتحدة حصرا، في حين ان المنظمة الدولية ذاتها تعترف بالسلطة السورية وتتعامل معها، داعيا الاطراف اللبنانية الى الاحتكام للاتفاقيات الناظمة للعلاقة بين الدولتين وللروابط المميزة التي تجمعهما.
ويلفت علي الانتباه الى ان الاطراف المعترضة لا وزن لها، وبالتالي فهي ليست مؤهلة للكلام حول دولة صمدت في مواجهة الارهاب ورعاته كل هذه السنوات، ولذلك فان ما يمكن ان يزعجنا هو ثناء هذه الاطراف علينا وليس انتقادها لنا.
ويعتبر السفير السوري ان الكلام الرافض للحوار مع الدولة السورية يسيء الى لبنان بالدرجة الاولى لانه يعكس تناقضا بين مكونات السلطة اللبنانية، مشيرا الى ان مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون من المقاومة والازمة في سوريا هي معروفة ونحن ننسجم معها.
ويتساءل: كيف يؤكد الحريري في كل مناسبة ان لبنان سيكون منصة لاعادة اعمار سوريا ثم يقول انه لا يريد ان يتكلم مع دمشق.. هل يتصور الحريري انه سيهبط على سوريا بالمظلة؟
ويشدد السفير السوري على ان عودة النازحين لا يمكن ان تتم او تكتمل من دون الحوار بين الدولتين اللبنانية والسورية، مشيرا الى ان من يحاول تجاهل هذه الحقيقة هو كمن يحاول تشييد مبنى من دون أساسات، ومعتبرا ان الواقعية السياسية والمصلحة اللبنانية قبل السورية تقتضيان التعاون والتنسيق في ملف النازحين.
ويبدي علي ترحيب الدولة السورية بكل ابنائها الراغبين في العودة، لافتا الانتباه الى ان المصالحات تكبر، ومعربا عن التقدير للعملية الاستباقية التي نفذها الجيش اللبناني في بعض مخيمات عرسال.
مقاربة الجيش
وماذا عن موقف الجيش اللبناني من ملف النازحين وتداخله مع خطر الارهاب، وكيف يصف العملية الاخيرة والمفاعيل التي ترتبت عليها؟
قالت مصادر عسكرية رفيعة المستوى، في الجيش، لـ «الديار» ان العمليات النوعية التي ينفذها الجيش تكتسب عموما أهمية خاصة، كونها تتم في معظم الاحيان بصورة استباقية، الامر الذي يجنب المواطنين خسائر وشيكة في الارواح والممتلكات، وربما يجنب المؤسسة العسكرية ايضا المخاطر.
وتضيف المصادر: اما بالنسبة الى العملية التي نفذها الجيش مؤخرا في بعض مخيمات عرسال فان اهميتها ناجمة عن توقيف العديد من الارهابيين، وضبط خمسة انتحاريين أقدموا على تفجير أنفسهم في وجه قوى الجيش التي تعرضت ايضا لتفجير عبوات ناسفة ورمي قنابل يدوية، ووفق المعلومات المؤكدة لدى الجيش فان هؤلاء الارهابيين كانوا بصدد الاعداد لعمليات انتحارية داخل المدن والقرى اللبنانية.
وعن دلالات تغلغل بعض الارهابيين بين النازحين السوريين في المخيمات، توضح المصادر العسكرية ان هناك بين النازحين انفسهم اشخاصاً على تواصل مع المجموعات الارهابية او يحملون الفكر التكفيري، كما ان هناك بعض الارهابيين التابعين لتلك المجموعات يعمدون الى التسلل بين الحين والآخر الى داخل المخيمات للقاء أقاربهم او بغية تجنيد عناصر لصالحهم، او بهدف التحضير لتنفيذ عمليات ارهابية، والدليل على ذلك هو توقيف اعداد من هؤلاء وضبط كميات كبيرة من الاسلحة والذخائر والمتفجرات خلال عمليات الدهم.
وفي حين تلفت المصادر العسكرية الانتباه الى ان الارهابيين الموجودين داخل المخيمات يشكلون قلة من النازحين، تنبه في الوقت ذاته الى ان خطرهم كبير جدا، سواء على النازحين انفسهم او على المواطنين اللبنانيين.
وعما إذا كانت المخيمات السورية أصبحت تشكل عبئا امنيا، تشير المصادر العسكرية الى ان مخيمات النازحين السوريين القريبة من الحدود تشكل عبئا اضافيا على الجيش اللبناني، كونها قريبة من مراكز التنظيمات الارهابية، ما يسمح بين الحين والآخر بتسلل بعض الارهابيين اليها، او استخدامها لأغراض أمنية، ومن هنا يعمد الجيش باستمرار الى تكثيف اجراءاته الامنية حول هذه المخيمات.
وهل حان الأوان لايجاد حل جذري لازمة النزوح الى لبنان؟
تؤكد المصادر العسكرية ان هذا الامر مطلوب في كل وقت، لكن القرار فيه يعود الى السلطة اللبنانية كما الى الامم المتحدة والسلطة السورية، لاجراء التنسيق والترتيبات اللازمة التي تكفل للنازحين حق العودة والاستقرار في مناطق آمنة داخل سوريا، معربة عن اعتقادها بان معالجة هذه المسألة ليست صعبة، إذا توافرت الارادة المشتركة لدى الاطراف المعنية.
وكيف يرد الجيش على بعض الاصوات اللبنانية والسورية التي اتهمته بالاساءة الى كرامة النازحين وانتهاك حقوقهم الانسانية عبر العملية العسكرية الاخيرة؟
تشدد المصادر العسكرية على ان هذه الاتهامات ليست في محلها على الاطلاق، والجيش لا يريد ان يشكك في جميع هذه الاصوات لان بعضها لا يدرك الواقع والحقيقة، مشيرة الى ان قيادة الجيش تشدد دائما على وجوب تقيد العسكريين بالقانون الدولي والانساني، وشرعة حقوق الانسان في كل العمليات العسكرية، ولا يجب ان ننسى الظروف والاخطار التي أحاطت بالعملية الاخيرة، خصوصا لجهة استهداف مجموعة من الانتحاريين قوى الجيش المداهمة وتفجير العبوات ورمي القنابل اليدوية في اتجاهها، ما ادى الى جرح عدد كبير من العسكريين، وهذا الواقع جعل القوى العسكرية تأخذ في الحسبان وجود انتحاريين او ارهابيين آخرين، ما دفعها الى تشديد الاجراءات الاحترازية.
وهل يخشى الجيش من ردود فعل ارهابية بعد انهيار معاقل لـ «داعش» في العراق وسوريا؟
تلفت المصادر العسكرية الانتباه الى ان خطر الارهاب قائم في كل الظروف والاوقات، والجيش يأخذ بالاعتبار انعكاس الهزائم التي منيت بها التنظيمات الارهابية في سوريا والعراق، وقد اتخذ المزيد من الاجراءات والتدابير الوقائية على الحدود لمنع تسلل الارهابيين الى داخل الاراضي اللبنانية.
وما هو احتمال الحسم العسكري في جرود عرسال اذا اخفقت محاولات اقناع المجموعات المسلحة بالانسحاب من تلك المنطقة؟
تجيب المصادر: كل الاحتمالات تبقى واردة، وقرارنا حاسم في دحر الارهابيين بصورة نهائية، اما توقيت تنفيذ هذا القرار فيعود الى توافر الظروف المناسبة التي تضمن نجاحه بالكامل.
وعما إذا كان الجيش قد بات قادرا من الناحية العملانية على الحسم إذا صدر القرار السياسي في هذا الشأن، تؤكد المصادر العسكرية ان الجيش لديه القدرة القتالية الكاملة على تنفيذ هذه العملية، مع الاشارة الى ان الواقع الحالي للحدود اللبنانية- السورية، يفترض وجود عوامل داخلية وخارجية تساعد في اتمام تلك العملية.
«أمن الدولة»
وفي سياق امني متصل، قال المدير العام لجهاز «أمن الدولة» اللواء طوني صليبا لـ «الديار» ان التنسيق بين الاجهزة الامنية آخذ في التطور لمواجهة مخاطر الارهاب، لافتا الانتباه الى ان الاجتماع الاخير الذي انعقد في اليرزة كان منتجا ومفيدا.
واوضح ان مرحلة عيد الفطر كانت حساسة الا ان الاجهزة نجحت عبر جهودها ويقظتها في منع حدوث اختراقات امنية.
وأكد ان هناك تشددا في مراقبة مخيمات النازحين السوريين ورصد اي تحرك مشبوه داخلها، لحماية النازحين كما اللبنانيين من اي تهديد، لافتا الانتباه الى ان الحجم الكبير للمخيمات يتسبب في بعض الصعوبات على صعيد الإحاطة بكل مجريات الامور فيها، لكننا عموما اعتدنا على هذا النمط من العمل، وبالتالي يمكن القول ان وضع المخيمات هو تحت السيطرة الى حد كبير.
الجمهورية :
تتجه الانظار اليوم الى هامبورغ التي ستشهد لقاء القمة الاول بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في وقت تباطأت مفاوضات استانا حول الأزمة السورية على نحو بَدا وكأنّ المتفاوضين قرروا انتظار نتائج هذا اللقاء للبناء عليها. إذ يُنتظر أن تكون لهذه النتائج أيضاً انعكاسات لافتة على مستقبل الاوضاع في لبنان والمنطقة، خصوصاً أنّ الازمة السورية ستكون من أبرز مواضيع البحث بين الجانبين، وهي أزمة يتلقى لبنان كثيراً من تداعياتها وأبرزها عبء النازحين المتفاقم والذين يقرب عددهم من المليونين. لم يكن متوقعاً خروج جلسة مجلس الوزراء أمس، التي تناولت في جانب منها أزمة النازحين، بأكثر ممّا خرجت به، ولا ان تتخذ قرارات مصيرية في شأن ملفات نارية من شأنها ان تطيح بالبلاد واستقرارها. لكنّ المواقف السياسية خلالها لم تكن عادية، إذ مرّر خلالها كل فريق ما يدور في فلك خطه السياسي لتسمع الكنّة والجارة معاً.
فقد حازت أزمة النزوح السوري على القسط الاكبر من البحث خلال جلسة مجلس الوزراء، فأدلى كل فريق بدلوه، وأعادت النقاشات منظومتي 8 و 14 آذار الى الاذهان لجهة التعاطي بالملف السوري، فانقسم مجلس الوزراء بين رافض ايّ شكل من التواصل مع الحكومة السورية في شأن النازحين، وتصدّر الرافضين وزراء تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الاشتراكي»، وبين مؤيّد هذا التواصل لأنّ الحل الأنسب والأسرع يكون بالتنسيق مع الجانب السوري، وتصدّر المؤيدين وزراء «حزب الله» وحركة «امل» والحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار «المردة».
وعلمت «الجمهورية» انّ النقاشات التي حصلت ظلت مضبوطة ولم تتحول سجالات حادة، خصوصاً في ملفّي النزوح وإطلاق النار العشوائي. وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ المجلس تجنّب وسيتجنّب ايّ تفجير يمكن ان تحدثه مقاربة الملفات الخلافية، وهذا الامر متّفق عليه من الآن وحتى الانتخابات النيابية.
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون واضحاً في اكثر من مكان عندما يصل فيه النقاش الى طريق مسدود بترك الملف في عهدته للمعالجة، وهذا ما لمّح اليه ايضاً رئيس الحكومة سعد الحريري عندما ابلغ الى المجلس «اننا اتّفقنا من البداية على وضع الملفات الخلافية جانباً حتى لا تؤثر في عمل الحكومة واستقرارها».
وفيما كان متوقعاً إثارة ملف الكهرباء والالتباس حول النص الذي رفع الى ادارة المناقصات، وبينما كان يستعد الوزراء لبدء الجلسة فوجئوا بأنّ الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل أعلن انه صحّح الخطأ وأعاد صَوغ النص بما يتطابق وقرار المجلس وأرسله الى الادارات المختصة.
وكان واضحاً انّ اتفاق ما حصل بين عون والحريري على استئناف التعيينات والتحضير لها ولكن ليس وفق الآلية المعتمدة، وهذا الامر أثير خلال الجلسة حيث طلب كل منهما الاسراع في تحديد الشغور والطلب من الوزارات تقديم الاقتراحات في شأنها.
فسأل بعض الوزراء عن الآلية وهل سيُستغنى عنها؟ فكان الجواب أنّ اعتمادها يمكن ان يؤخّر التعيينات في الفترة القصيرة من عمر الحكومة. فاعترض الوزيران علي حسن خليل ومحمد فنيش وطلبا الابقاء على اعتماد الآلية.
وتوقف متابعون لمناقشات وقرارات مجلس الوزراء عند النقاط الآتية:
1- حرص عون على ترسيم حدود الصلاحيات من خلال تشديده على تطبيق الدستور، لا سيما المادة 52 منه، حيث أكد أنه يرفض توقيع اي مرسوم يتعلق باتفاقات خارجية من أي نوع كان ما لم يكن قد درسه واطَّلع على تفاصيله ودقائقه.
واللافت أنّ هذا الموقف يصدر قبَيل سفر رئيس الحكومة الى واشنطن وباريس وموسكو. ومعلوم أيضاً انّ وزارات تَعقد اتفاقات ذات طابع دولي مع دول أخرى تحت تسمية «البروتوكول» من دون المرور في مجلس الوزراء، في حين أنها عملياً اتفاقات دولية.
2- فيما مَحض عون دعمه الكامل والمطلق للجيش، طالب الحريري بالتحقيق في وفاة 4 موقوفين سوريين لدى الجيش في المستشفى لكشف ملابسات حصول الوفيات. وأدّى هذا التباين الطفيف إلى أن يحسم المجلس الموقف بتوصية جاء فيها: «انّ أي صوت يشكّك بصدقية دور الجيش مرفوض».
3- كشف مجلس الوزراء أنّ معالجة الهدر في المراكز الجمركية بدأت تعطي نتائج، حيث كشفت الأرقام أنّ واردات الرسوم الجمركية خلال 80 يوماً زادت بنسبة 6,4% على رغم تراجع حركة الاستيراد من الخارج.
4- برز في الجلسة إجماع على وجود تقاعس في أداء القضاء وارتفاع نسبة التدخل السياسي في شؤونه، ما حتّم طلب الحكومة من الهيئات القضائية تحمّل المسؤولية وتسريع المحاكمات ورفض التدخلات والتشدد في القبض على المطلوبين.
5- كشفت مناقشات مجلس الوزراء تشكيكاً في إقرار الموازنة بسهولة إذ لا تزال أطراف حكومية ونيابية تربطها بمسألة قطع الحساب التي دعا الحريري إلى مقاربتها من منطلق توافقي، لافتاً الى انّ ثمة تلازماً بين مقاربة مواضيع الموازنة والاصلاحات وسلسلة الرتب والرواتب للحؤول دون زيادة العجز المالي للدولة.
6- أكد مجلس الوزراء مجدداً وجود خلاف قوي في ملف النازحين على مستويين: خلاف بين مكوّناته حول مقاربة الملف، وآخر بين الدولة اللبنانية والامم المتحدة التي كررت بلسان منسقتها الخاصة في لبنان سيغريد كاغ ونائبها فيليب لازاريني أنّ «أي عودة للاجئين إلى بلادهم يجب أن تكون طوعية وفي ظروف تَتسِم بالسلامة والكرامة»، وقالت: «من المستحيل الاجابة الآن عن إمكانية وجود مناطق يمكن أن يكون اللاجئون مستعدون للعودة إليها في المستقبل القريب. ويبدو أننا لا نزال بعيدين عن هذا المستوى، لأنّ الوضع لا يزال هشّاً جداً والنزاع مستمر».
ورأت مصادر وزارية انّ موقف الامم المتحدة يلتقي مع موقف فريق في الحكومة ضد موقف فريق آخر، ما يضع الحكومة اليوم أمام مسؤولياتها. ورجّحت ان يتمّ تشكيل لجنة وزارية مصغّرة للبحث في الامر، في وقت انّ المفاوضات مع النظام السوري جارية على قدم وساق عبر القنوات الامنية والعسكرية، علماً انّ دفعة من العائلات السورية المقيمة في مخيمات عرسال عادت الى بلداتها منذ اسبوعين بالتنسيق مع النظام السوري، وتستعد دفعة ثانية للعودة.
خليل
وكشف خليل لـ«الجمهورية» انه طلب من مجلس الوزراء تخصيص جلسة استثنائية لبحث الوضعين المالي والاقتصادي، وقال: «شددنا على الالتفاف حول الجيش وعدم السماح بخروق تؤثر على مسار عمله، وطالبنا بالتشدد أكثر في الاماكن التي تشهد تقصيراً من الاجهزة الامنية وخصوصاً في بعلبك ـ الهرمل».
وأكّد وجوب مقاربة ملف النازحين «من باب المصلحة الوطنية التي تفرض علينا التواصل مع الحكومة السورية، ولا يجب ان يكون هناك قنوات مقطوعة بيننا وهذا الامر لمصلحتنا قبل مصلحة الجانب السوري، خصوصاً انّ علاقات ديبلوماسية تربط البلدين، والسفير السوري معترف به ويقوم بزيارات رسمية. فالواقع يقول إننا نعاني أزمة كبيرة اسمها ملف النازحين ويجب البحث في كل السبل لمعالجتها».
حمادة
وقال الوزير مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «نحن مع عودة آمنة للنازحين وليس قسرية وفق الأصول الدولية، ولن نقبل أن ينتقل النازحون الى السجون السورية».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنه «على رغم حماوة المواضيع المطروحة في الجلسة فإنّ النقاش حافظ على هدوئه المعتاد، وتحديداً في ملفي اللاجئين وكلام السيد حسن نصرالله، فيما سارع الأمين العام لمجلس الوزراء إلى تصحيح ما كنّا طالبنا بتصحيحه في ملف الكهرباء من خلال العودة إلى ما أعلن في البيان الرسمي لجهة إحالة الملف إلى إدارة المناقصات».
وأشارت المصادر الى انّ الوزير بيار بوعاصي أظهر موقف «القوات» لجهة ضرورة عودة النازحين إلى سوريا التي بات الوضع فيها يسمح بذلك، رافضاً ايّ تنسيق مع دمشق، ومتسائلاً: هل علينا ان ننسّق مع «داعش» و«النصرة» لإعادة اللاجئين إلى المناطق الخاضعة لسيطرتهم؟ ومعتبراً انّ قرار عودتهم هو لبناني صرف، والحكومة اللبنانية هي التي تقدِّر الوضع.
وأمّا لجهة كلام نصرالله فقاطع الحريري بوعاصي قائلاً: «انّ هذا الموضوع هو من المواضيع الخلافية التي يجب نقاشها خارج المجلس»، لكنّ بو عاصي أصرّ على موقفه معتبراً «انّ الكلام عن فتح الحدود يشكّل انتهاكاً للسيادة وانتقاصاً من دور الدولة وتهديداً لأمن لبنان واللبنانيين»، ومؤكداً انّ «الحدود من مسؤولية الدولة حصراً».
واعتبر «انّ التهجّم على السعودية يُسيء إلى دولة صديقة، ويهدد العلاقة اللبنانية-السعودية، ويضرّ بلبنان، ويعرِّض مصالح اللبنانيين في السعودية للخطر».
وردّ الوزير محمد فنيش على بوعاصي معتبراً «انّ موقف السيد نصرالله فُهم خطأ، والمقصود أنه في حال حصول اي مواجهة لن تكون محصورة بلبنان بل مفتوحة على العالم الاسلامي، وان موقف الحزب سياسي بامتياز ولا يلزم أيّ طرف به»، وقال «إذا كان هناك من يعتبر انّ التهجّم على السعودية يؤذي المصالح اللبنانية، فنحن نعتبر بدورنا انّ التهجّم على سوريا يؤذي مصلحة لبنان».
الجيش والتشويش
في هذا الوقت، تواصلت تفاعلات العملية العسكرية التي نفّذها الجيش في مخيمات النزوح في منطقة عرسال، وكان اللافت في هذا المجال استمرار بعض السياسيين في التباكي على تلك المخيمات على رغم ثبوت أنها تشكّل مأوى للارهابيين، متجاهلين الانجاز الذي تحقق بهذه العملية خصوصاً لجهة إحباط عمليات إرهابية خطيرة كانت ستطاول مختلف المناطق.
واستغربت جهات معنية «محاولة التشويش على هذا الانجاز والتعمية عليه عبر تعمّد إثارة مسائل إنسانية تضع الجيش في موقع الاتهام، وتعذيب الموقوفين الذين قُبض عليهم خلال العملية، ونشر أرقام كبيرة عن وفيات حصلت نتيجة التعذيب».
وقالت مصادر أمنية رفيعة لـ«الجمهورية»: «انّ بيان قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه أوضحَ الصورة بكاملها، وأشار الى حصول 4 وفيات هم: مصطفى عبد الكريم عبسة، خالد حسين المليص، أنس حسين الحسيكي وعثمان مرعي المليص».
وأكدت «انّ عدد الوفيات 4 وليس اكثر، وسبب الوفاة هو نتيجة أزمة قلبية، وهو ما يؤكده الاطباء الذين كشفوا على الجثث الـ4 اضافة الى الكشف على سائر الموقوفين الذين تبيّن انّ من بينهم 7 يعانون مشكلات صحية وأحيلوا الى مستشفيات مدنية، فيما سُلّمت جثث الـ4 الى ذويها».
وأكدت المصادر «انّ كذبة تعذيب هؤلاء يدحضها اولاً وضعهم الصحي، وثانياً انّ هؤلاء لم يكونوا قد خضعوا للتحقيق بعد». وقالت إنّ عملية الجيش «لم يكن هدفها فتح معركة مع النازحين بل توقيف مطلوبين بناء على معلومات دقيقة تفيد عن تحضير لتنفيذ عمليات إرهابية في مناطق عدة».
ولفتت الى انّ الوحدات العسكرية «فوجئت خلال تنفيذ العملية بحجم ردّة فعل الإرهابيين ونوعيتها، وذلك من خلال تفجير مجموعة من الانتحاريين أنفسهم بين عائلاتهم، ما أدى الى مقتل فتاة كان يتولى احد العسكريين حمايتها خلال التفجير، وأصيب هذا العسكري في عينيه، مع التأكيد أنه خلال تلك العملية لم يتعرض أي مدني في تلك المخيمات للأذى من الجيش، علماً انّ 19 جريحاً سقطوا في صفوفه».
وأكدت المصادر انّ الجيش «يتعاطى مع ملف تلك المخيمات بحكمة استثنائية ومن دون أي خطوات متسرّعة، ولو كان في نيّته أذية المدنيين لكان انتهى من موضوع الجرود منذ زمن بعيد، فما يؤخّر ذلك حتى الآن هم المدنيون. وما يجب ان يكون معلوماً لدى الجميع، وخصوصاً تلك الاصوات المتباكية، هو انّ تلك المخيمات تشكّل بيتاً آمناً للإرهابيين، فمن بين الـ330 موقوفاً بيّنت التحقيقات التي بدأت معهم وجود 38 من الرؤوس الكبيرة والخطيرة في «داعش» و«النصرة» وبعضهم له مراكز قيادية عالية في هذين التنظيمين الارهابيين، ما يعني انّ الخطر جاثم هناك، وهذا دليل اضافي على انّ عملية الجيش كانت اكثر من ضرورية».
وتوجّهت المصادر الى الجميع بالقول: «لا يجوز التصويب على الجيش في موضوع الوفيات الـ4، وهي وفيات طبيعية نتيجة ظروف صحية لا علاقة للجيش بها، وتَناسي الانجاز الذي تمّ.
فعندما دخل الجيش فوجىء بعدد الانتحاريين وبحجم العبوات الناسفة المزروعة قديماً وحديثاً في المنطقة، ولو لم يكتشفها، وكانوا على وَشك تفجيرها، لحصلت مجزرة فظيعة.
واكتشف غرفة من «الباطون المسلح» كان يستخدمها الارهابيون لصنع العبوات الناسفة، كلّ ذلك يؤكّد الخطورة التي تمثّلها تلك المنطقة، وتخيّلوا لو انّ هذه العملية العسكرية لم تحصل، وانّ تحضيرات الارهابيين كانت جاهزة للتنفيذ ونجح الارهابيون والانتحاريون في التسلل الى الداخل اللبناني، فماذا ستكون النتيجة في هذه الحال؟ يجب النظر الى هنا وليس الى أيّ مكان آخر».
اللواء :
تجاوز مجلس الوزراء المسائل الخلافية، التي لامست جدول اعماله، وبدا لغالبية الوزراء ان الاقتراب من النقاط الخلافية بمثابة «الخط الأحمر» حرصاً على الاستقرار واستمرار التسوية السياسية، التي أتت برئيس الجمهورية وحكومة «استعادة الثقة» الممثلة لغالبية الكتل والتيارات الطائفية والحزبية.
وبصرف النظر عن الكلام الحاسم للرئيس سعد الحريري بأن لا حاجة لمسألة خلافية من نوع عودة النازحين السوريين تطرح على مجلس الوزراء، وهي بالأساس مسؤولية الامم المتحدة التي عليها ان تضع خطة آمنة لعودتهم. هذا الكلام الذي حسم الجدل، بالاضافة الى كلام الرئيس ميشال عون الذي نوه في مستهل الجلسة بدور الجيش والقوى الامنية، محذرا من تحوّل مخيمات النازحين الى بيئة حاضنة للإرهاب، متوجهاً الى الوزراء بالقول: «إن الجدل البيزنطي يصرف النظر عن الجوهر»..
والسؤال الذي فرض نفسه، لماذا اثارة موضوع اعادة النازحين السوريين اليوم، لا سيما بعد عملية عرسال، واعادة قسم من هؤلاء عبر مفاوضات غير مباشرة كان لحزب الله دور فيها؟
وفي معرض الاجابة، كشف مصدر واسع الإطلاع انه ما يشبه أمر عمليات أفضى بوضع هذا الموضوع على الطاولة من زاوية ان السوريين الذي عادوا بضمانة حزب الله، والتفاهم الذي جرى لم يلتزم به النظام، اذ طالب هؤلاء العائدين الى مناطقهم بالتجنيد الاجباري، والانخراط في الحرب الدائرة لمصلحة النظام، الامر الذي حمل قسم كبير من هؤلاء الى الهرب والعودة الى لبنان، وهذا الامر فرض على الساعين الى عودة النازحين تنظيم العودة باتصالات وتنسيق مباشرين بين الحكومتين اللبنانية والسوري، وهو الأمر الذي يعطي النظام في سوريا ورقة يحتاجها في هذه المرحلة من دون ان تكون هناك ضمانات بأن تجري العودة الى اماكن آمنة في سوريا وبرعاية الأمم المتحدة.
مجلس الوزراء
وبحسب معلومات «اللواء» فإن كل الملفات السياسية الخلافية وغير الخلافية، طرحت في مجلس الوزراء، الذي تحول الى ما يشبه «سوق عكاظ سياسي»، باستثناء بند الكهرباء، رغم انه ملف حيوي يتعلق بحياة الناس وحاجاتهم، بسبب غياب وزير الطاقة سيزار ابي خليل في واشنطن، لكن الرئيس عون فاجأ الوزراء المعترضين على ما كانوا وصفوه «بالتلاعب» في قرار مجلس الوزراء بخصوص احالة ملف استئجار بواخر الكهرباء الى ادارة المناقصات، طالبا من الامين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل تصحيح القرار بما يتلاءم مع النص الذي تلاه وزير الاعلام ملحم رياشي في حينه، وهكذا كان، وتم سحب هذا الملف «بعملية استباقية».
ومثلما كان متوقعا، او ربما مرسوما للجلسة خاض معظم الوزراء تقريباً، وعلى مدى نحو ساعتين من اصل وقت الجلسة الذي استغرق 4 ساعات في نقاش عقيم حول ملف النازحين السوريين، من دون ان يتوصلوا الى قرار في هذا الشأن، بفعل الانقسام العمودي الحاد بينهم في كيفية حل هذا الملف، الى درجة اعادت الى الاذهان التموضع السياسي القديم بين فريقي 14 و8 آذار، حيث ظهر بوضوح، مطالبة وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي والمردة بضرورة التنسيق مع النظام السوري، والتفاوض معه لاعادة النازحين السوريين الى المناطق الامنة في سوريا، في حين اعتبر وزراء «المستقبل» والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، ان هذه العودة هي مسؤولية الامم المتحدة، وان الحوار مع النظام السوري يعني الاعتراف به، وهو امر مرفوض.
ولم يخل النقاش في هذا الملف والذي لم يتدخل فيه وزير حركة «امل» من مشادات بين الوزراء، ولا سيما بين الوزيرين ميشال فرعون وعلي قانصوه، انتهى بتدخل من الرئيس عون الذي طلب من الاثنين ان يتوجها اليه في حال أرادا الكلام، بدل الخوض في نقاش بينهما، داعيا الى تفادي الجدال والانصراف الى معالجة الجوهر، مستذكراً واقعة محاصرة محمّد الفاتح للقسطنطينية فيما كان اهلها منشغلين في جدال حول جنس الملائكة.
اما الرئيس الحريري الذي دعا الى وضع المسائل السياسية الخلافية، جانباً، فقد اعتبر ان مسألة التفاوض مع النظام السوري في موضوع عودة النازحين هي من المواضيع الخلافية بين فريق يريد هذا التفاوض وفريق يرفضه، محددا موقفه من هذا المسألة قائلاً: «نحن نريد عودة النازحين السوريين الى بلادهم اليوم قبل الغد، لكننا نعتبر ذلك من مسؤولية الامم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها، والتي عليها ان تضع خطة آمنة لعودتهم».
دعم الجيش
وكان سبق هذا النقاش تقرير رفعه وزير الدفاع يعقوب الصراف عن العملية العسكرية الاستباقية التي نفذها الجيش في مخيمات جرود عرسال، مقترحاً صدور بيان عن مجلس الوزراء بدعم الجيش في هذا الاطار، فحذر الرئيس عون من تحول مخيمات النازحين الى بيئة حاضنة للارهابيين، مكررا ما كان قد ذكره خلال زيارته الاخيرة لمقر قوى الامن الداخلي عن المخاطر الناتجة عن تمدد الارهابيين، ووجوب التحوط من احتمال انتقالهم الى مخيمات لبنان بعد طردهم من سوريا والعراق، داعيا الجيش والقوى الامنية والشعب الى التعاون من اجل مواجهتهم.
ولفت الرئيس الحريري من جهته الى حادثة وفاة اربعة موقوفين سوريين في المستشفى، لافتا الى ان علامات استفهام اثيرت حول ذلك لا بد من توضيحها من خلال فتح تحقيق يكشف ملابسات ما حصل واعلانه للرأي العام لوضع حد للتساؤلات المطروحة.
وفي ضوء المداولات بهذا الخصوص، اكد مجلس الوزراء «تقديره لدور الجيش وما قام به من عملية استباقية في ملاحقة الارهابيين وعدم تمكينهم من استغلال مخيمات النازحين للقيام بأعمال ارهابية تستهدف امن اللبنانيين وتهديد أمن النازحين». معلنا ان «كل صوت يشكك بصدقية دور الجيش مرفوض»، واعداً «باجراء التحقيقات لتثبت ان الجيش ملتزم التزاما كاملا بواجباته القانونية والانسانية».
واعتبر مصدر وزاري لـ«اللواء» ان مجلس الوزراء حافظ بهذه النتيجة التي توصل اليها، على قواعد التسوية السياسية التي انتجت قيام هذا العهد، وأبقى على ربط النزاع السياسي بين القوى السياسية من خلال تأجيل الخلافات الى حين تكون الاجواء السياسية اكثر هدوءاً ملائمة لاعادة بحث الملف في جولة ثانية، من دون ان يوضع في عهدة رئيس الجمهورية مثلما اقترح بعض الوزراء.
سجال المشنوق – جريصاتي
على ان النقاش الساخن حول ملف النازحين، عاد وتجدد بين وزيري الداخلية والمشنوق والعدلية سليم جريصاتي، على خلفية اطلاق الموقوفين باطلاق النار في المناسبات، اذ شكك جريصاتي بصحة الارقام التي اعلنها المشنوق لعدد الموقوفين الذين اطلقوا من قبل القضاء، واعدا برفع ملف الى مجلس الوزراء خلال 15 يوما بعدد الموقوفين الذين اطلقوا في موضوع اطلاق النار عشوائياً على اعتبار ان التحقيقات تأخذ وقتاً، في حين اوضح المشنوق انه لم يقصد ادانة القضاء، بل انه يريد ان يرفع السياسيون يدهم عن القضاء وعدم التدخل به، معتبرا ظاهرة اطلاق النار في المناسبات عاراً علينا جميعاً وعلى البلد.
وفي السياق، دعا الرئيس عون القضاء، الى لعب دور اساسي في الحد من الفلتان الامني بالتنسيق مع القوى الامنية، فيما اقترح الرئيس الحريري، وضع خطة امنية تلحظ اجراءات امنية وميدانية واستباقية فعالة قد يكون من بينها نزع السلاح من ايدي مرتكبي حوادث اطلاق النار العشوائي، ولفت نظر وزير العدل الى وجوب اعادة النظر ببعض عقوبات السجن المطبقة، لا سيما لجهة التشدد بها لمعاقبة مرتكبي الجرائم الجنائية وعدم تطبيق معيار السنة السجنية عليهم والابقاء عليها بالنسبة الى الجنح والجرائم العادية.
آلية التعيينات وقطع الحساب
واوضحت المصادر الوزارية، ان موضوعات التعيينات الادارية وملء المراكز الشاغرة في وظائف الدولة، وكذلك الموازنة ومسألة قطع الحساب وسلسلة الرتب والرواتب، لم تغب عن الجلسة، في حين ابلغ الرئيس الحريري الوزراء بأنه سوف يزور واشنطن في 22 تموز الحالي للقاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وانه سيزور باريس في شهر آب وموسكو في ايلول، مثلما أشارت «اللواء» أمس، لافتاً إلى انه سوف يتم تشكيل الوفد التي سترافقه تباعاً.
ولم يطرح على بساط البحث، ومن ضمن جدول أعمال الجلسة الذي يتألف من 92 بنداً، مشروع القانون المعجل المكرر الذي يرمي إلى رفع سن تقاعد السفراء إلى سن 68، أسوة بالقضاة، كما أرجئ بند إنشاء الجامعة الأرثوذكسية لمزيد من البحث من ضمن ملف الجامعات الذي طرحه وزير التربية والتعليم العالي.
وكان الرئيس عون أشار في مداخلته الاستهلالية إلى أهمية إقرار الموازنة ومعالجة مسألة قطع الحساب.
فأوضح الرئيس الحريري ان الموازنة تدرس حالياً في مجلس النواب، وانه لا بدّ من مقاربة مسألة قطع الحساب من منطلق توافقي، مشيراً إلى تلازم بين مقاربة مواضيع الموازنة والاصلاحات وسلسلة الرتب والرواتب للحؤول دون زيادة العجز المالي للدولة.
وفي موضوع التعيينات، رأى الحريري ضرورة ملء الشواغر بعد الاتفاق على أمرين: إما المضي باعتماد الآلية المطبقة منذ أعوام أو أن نعلق العمل بها، طالباً من الوزراء تقديم اقتراحاتهم لدرسها في مجلس الوزراء وفقاً للأصول، لافتاً إلى إنه علينا إتخاذ القرار المناسب في هذا المجال لتنطلق عملية التعيينات.
وأوضح وزير الإعلام ملحم رياشي انه لم يتم حسم موضوع الآلية خلال هذه الجلسة، على أن تعاد دراسته بشكل دقيق خلال الجلسة المقبلة أو التي تليها، لتوضع بعدها التعيينات كبند أساسي على جدول الأعمال.
الانتخابات الفرعية
إلى ذلك، أكدّ الوزير المشنوق المعلومات التي نشرتها «اللــواء» حول اجراء الانتخابات النيابية الفرعية في 10 أيلول المقبل، في كل من كسروان للمقعد الماروني الشاغر بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، والمقعدين العلوي بوفاة النائب بدر ونوس، والأرثوذكسي باستقالة النائب روبير فاضل.
الاخبار :
لا مجال للتفاوض إذاً. هذا ما أعلنه، يوم أمس، البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الرباعي في القاهرة. كل التكهنات التي جرى الحديث عنها بشأن «تليين» قائمة المطالب السعودية الإماراتية، والاقتصار منها على ما يمكن تنفيذه دون أن يظهر كعملية &am