تجاوز مجلس الوزراء المسائل الخلافية، التي لامست جدول اعماله، وبدا لغالبية الوزراء ان الاقتراب من النقاط الخلافية بمثابة «الخط الأحمر» حرصاً على الاستقرار واستمرار التسوية السياسية، التي أتت برئيس الجمهورية وحكومة «استعادة الثقة» الممثلة لغالبية الكتل والتيارات الطائفية والحزبية.
وبصرف النظر عن الكلام الحاسم للرئيس سعد الحريري بأن لا حاجة لمسألة خلافية من نوع عودة النازحين السوريين تطرح على مجلس الوزراء، وهي بالأساس مسؤولية الامم المتحدة التي عليها ان تضع خطة آمنة لعودتهم. هذا الكلام الذي حسم الجدل، بالاضافة الى كلام الرئيس ميشال عون الذي نوه في مستهل الجلسة بدور الجيش والقوى الامنية، محذرا من تحوّل مخيمات النازحين الى بيئة حاضنة للإرهاب، متوجهاً الى الوزراء بالقول: «إن الجدل البيزنطي يصرف النظر عن الجوهر»..
والسؤال الذي فرض نفسه، لماذا اثارة موضوع اعادة النازحين السوريين اليوم، لا سيما بعد عملية عرسال، واعادة قسم من هؤلاء عبر مفاوضات غير مباشرة كان لحزب الله دور فيها؟
وفي معرض الاجابة، كشف مصدر واسع الإطلاع انه ما يشبه أمر عمليات أفضى بوضع هذا الموضوع على الطاولة من زاوية ان السوريين الذي عادوا بضمانة حزب الله، والتفاهم الذي جرى لم يلتزم به النظام، اذ طالب هؤلاء العائدين الى مناطقهم بالتجنيد الاجباري، والانخراط في الحرب الدائرة لمصلحة النظام، الامر الذي حمل قسم كبير من هؤلاء الى الهرب والعودة الى لبنان، وهذا الامر فرض على الساعين الى عودة النازحين تنظيم العودة باتصالات وتنسيق مباشرين بين الحكومتين اللبنانية والسوري، وهو الأمر الذي يعطي النظام في سوريا ورقة يحتاجها في هذه المرحلة من دون ان تكون هناك ضمانات بأن تجري العودة الى اماكن آمنة في سوريا وبرعاية الأمم المتحدة.
مجلس الوزراء
وبحسب معلومات «اللواء» فإن كل الملفات السياسية الخلافية وغير الخلافية، طرحت في مجلس الوزراء، الذي تحول الى ما يشبه «سوق عكاظ سياسي»، باستثناء بند الكهرباء، رغم انه ملف حيوي يتعلق بحياة الناس وحاجاتهم، بسبب غياب وزير الطاقة سيزار ابي خليل في واشنطن، لكن الرئيس عون فاجأ الوزراء المعترضين على ما كانوا وصفوه «بالتلاعب» في قرار مجلس الوزراء بخصوص احالة ملف استئجار بواخر الكهرباء الى ادارة المناقصات، طالبا من الامين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل تصحيح القرار بما يتلاءم مع النص الذي تلاه وزير الاعلام ملحم رياشي في حينه، وهكذا كان، وتم سحب هذا الملف «بعملية استباقية».
ومثلما كان متوقعا، او ربما مرسوما للجلسة خاض معظم الوزراء تقريباً، وعلى مدى نحو ساعتين من اصل وقت الجلسة الذي استغرق 4 ساعات في نقاش عقيم حول ملف النازحين السوريين، من دون ان يتوصلوا الى قرار في هذا الشأن، بفعل الانقسام العمودي الحاد بينهم في كيفية حل هذا الملف، الى درجة اعادت الى الاذهان التموضع السياسي القديم بين فريقي 14 و8 آذار، حيث ظهر بوضوح، مطالبة وزراء التيار الوطني الحر وحزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي والمردة بضرورة التنسيق مع النظام السوري، والتفاوض معه لاعادة النازحين السوريين الى المناطق الامنة في سوريا، في حين اعتبر وزراء «المستقبل» والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، ان هذه العودة هي مسؤولية الامم المتحدة، وان الحوار مع النظام السوري يعني الاعتراف به، وهو امر مرفوض.
ولم يخل النقاش في هذا الملف والذي لم يتدخل فيه وزير حركة «امل» من مشادات بين الوزراء، ولا سيما بين الوزيرين ميشال فرعون وعلي قانصوه، انتهى بتدخل من الرئيس عون الذي طلب من الاثنين ان يتوجها اليه في حال أرادا الكلام، بدل الخوض في نقاش بينهما، داعيا الى تفادي الجدال والانصراف الى معالجة الجوهر، مستذكراً واقعة محاصرة محمّد الفاتح للقسطنطينية فيما كان اهلها منشغلين في جدال حول جنس الملائكة.
اما الرئيس الحريري الذي دعا الى وضع المسائل السياسية الخلافية، جانباً، فقد اعتبر ان مسألة التفاوض مع النظام السوري في موضوع عودة النازحين هي من المواضيع الخلافية بين فريق يريد هذا التفاوض وفريق يرفضه، محددا موقفه من هذا المسألة قائلاً: «نحن نريد عودة النازحين السوريين الى بلادهم اليوم قبل الغد، لكننا نعتبر ذلك من مسؤولية الامم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها، والتي عليها ان تضع خطة آمنة لعودتهم».
دعم الجيش
وكان سبق هذا النقاش تقرير رفعه وزير الدفاع يعقوب الصراف عن العملية العسكرية الاستباقية التي نفذها الجيش في مخيمات جرود عرسال، مقترحاً صدور بيان عن مجلس الوزراء بدعم الجيش في هذا الاطار، فحذر الرئيس عون من تحول مخيمات النازحين الى بيئة حاضنة للارهابيين، مكررا ما كان قد ذكره خلال زيارته الاخيرة لمقر قوى الامن الداخلي عن المخاطر الناتجة عن تمدد الارهابيين، ووجوب التحوط من احتمال انتقالهم الى مخيمات لبنان بعد طردهم من سوريا والعراق، داعيا الجيش والقوى الامنية والشعب الى التعاون من اجل مواجهتهم.
ولفت الرئيس الحريري من جهته الى حادثة وفاة اربعة موقوفين سوريين في المستشفى، لافتا الى ان علامات استفهام اثيرت حول ذلك لا بد من توضيحها من خلال فتح تحقيق يكشف ملابسات ما حصل واعلانه للرأي العام لوضع حد للتساؤلات المطروحة.
وفي ضوء المداولات بهذا الخصوص، اكد مجلس الوزراء «تقديره لدور الجيش وما قام به من عملية استباقية في ملاحقة الارهابيين وعدم تمكينهم من استغلال مخيمات النازحين للقيام بأعمال ارهابية تستهدف امن اللبنانيين وتهديد أمن النازحين». معلنا ان «كل صوت يشكك بصدقية دور الجيش مرفوض»، واعداً «باجراء التحقيقات لتثبت ان الجيش ملتزم التزاما كاملا بواجباته القانونية والانسانية».
واعتبر مصدر وزاري لـ«اللواء» ان مجلس الوزراء حافظ بهذه النتيجة التي توصل اليها، على قواعد التسوية السياسية التي انتجت قيام هذا العهد، وأبقى على ربط النزاع السياسي بين القوى السياسية من خلال تأجيل الخلافات الى حين تكون الاجواء السياسية اكثر هدوءاً ملائمة لاعادة بحث الملف في جولة ثانية، من دون ان يوضع في عهدة رئيس الجمهورية مثلما اقترح بعض الوزراء.
سجال المشنوق – جريصاتي
على ان النقاش الساخن حول ملف النازحين، عاد وتجدد بين وزيري الداخلية والمشنوق والعدلية سليم جريصاتي، على خلفية اطلاق الموقوفين باطلاق النار في المناسبات، اذ شكك جريصاتي بصحة الارقام التي اعلنها المشنوق لعدد الموقوفين الذين اطلقوا من قبل القضاء، واعدا برفع ملف الى مجلس الوزراء خلال 15 يوما بعدد الموقوفين الذين اطلقوا في موضوع اطلاق النار عشوائياً على اعتبار ان التحقيقات تأخذ وقتاً، في حين اوضح المشنوق انه لم يقصد ادانة القضاء، بل انه يريد ان يرفع السياسيون يدهم عن القضاء وعدم التدخل به، معتبرا ظاهرة اطلاق النار في المناسبات عاراً علينا جميعاً وعلى البلد.
وفي السياق، دعا الرئيس عون القضاء، الى لعب دور اساسي في الحد من الفلتان الامني بالتنسيق مع القوى الامنية، فيما اقترح الرئيس الحريري، وضع خطة امنية تلحظ اجراءات امنية وميدانية واستباقية فعالة قد يكون من بينها نزع السلاح من ايدي مرتكبي حوادث اطلاق النار العشوائي، ولفت نظر وزير العدل الى وجوب اعادة النظر ببعض عقوبات السجن المطبقة، لا سيما لجهة التشدد بها لمعاقبة مرتكبي الجرائم الجنائية وعدم تطبيق معيار السنة السجنية عليهم والابقاء عليها بالنسبة الى الجنح والجرائم العادية.
آلية التعيينات وقطع الحساب
واوضحت المصادر الوزارية، ان موضوعات التعيينات الادارية وملء المراكز الشاغرة في وظائف الدولة، وكذلك الموازنة ومسألة قطع الحساب وسلسلة الرتب والرواتب، لم تغب عن الجلسة، في حين ابلغ الرئيس الحريري الوزراء بأنه سوف يزور واشنطن في 22 تموز الحالي للقاء الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وانه سيزور باريس في شهر آب وموسكو في ايلول، مثلما أشارت «اللواء» أمس، لافتاً إلى انه سوف يتم تشكيل الوفد التي سترافقه تباعاً.
ولم يطرح على بساط البحث، ومن ضمن جدول أعمال الجلسة الذي يتألف من 92 بنداً، مشروع القانون المعجل المكرر الذي يرمي إلى رفع سن تقاعد السفراء إلى سن 68، أسوة بالقضاة، كما أرجئ بند إنشاء الجامعة الأرثوذكسية لمزيد من البحث من ضمن ملف الجامعات الذي طرحه وزير التربية والتعليم العالي.
وكان الرئيس عون أشار في مداخلته الاستهلالية إلى أهمية إقرار الموازنة ومعالجة مسألة قطع الحساب.
فأوضح الرئيس الحريري ان الموازنة تدرس حالياً في مجلس النواب، وانه لا بدّ من مقاربة مسألة قطع الحساب من منطلق توافقي، مشيراً إلى تلازم بين مقاربة مواضيع الموازنة والاصلاحات وسلسلة الرتب والرواتب للحؤول دون زيادة العجز المالي للدولة.
وفي موضوع التعيينات، رأى الحريري ضرورة ملء الشواغر بعد الاتفاق على أمرين: إما المضي باعتماد الآلية المطبقة منذ أعوام أو أن نعلق العمل بها، طالباً من الوزراء تقديم اقتراحاتهم لدرسها في مجلس الوزراء وفقاً للأصول، لافتاً إلى إنه علينا إتخاذ القرار المناسب في هذا المجال لتنطلق عملية التعيينات.
وأوضح وزير الإعلام ملحم رياشي انه لم يتم حسم موضوع الآلية خلال هذه الجلسة، على أن تعاد دراسته بشكل دقيق خلال الجلسة المقبلة أو التي تليها، لتوضع بعدها التعيينات كبند أساسي على جدول الأعمال.
الانتخابات الفرعية
إلى ذلك، أكدّ الوزير المشنوق المعلومات التي نشرتها «اللــواء» حول اجراء الانتخابات النيابية الفرعية في 10 أيلول المقبل، في كل من كسروان للمقعد الماروني الشاغر بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، والمقعدين العلوي بوفاة النائب بدر ونوس، والأرثوذكسي باستقالة النائب روبير فاضل.