تتجه الانظار اليوم الى هامبورغ التي ستشهد لقاء القمة الاول بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في وقت تباطأت مفاوضات استانا حول الأزمة السورية على نحو بَدا وكأنّ المتفاوضين قرروا انتظار نتائج هذا اللقاء للبناء عليها. إذ يُنتظر أن تكون لهذه النتائج أيضاً انعكاسات لافتة على مستقبل الاوضاع في لبنان والمنطقة، خصوصاً أنّ الازمة السورية ستكون من أبرز مواضيع البحث بين الجانبين، وهي أزمة يتلقى لبنان كثيراً من تداعياتها وأبرزها عبء النازحين المتفاقم والذين يقرب عددهم من المليونين. لم يكن متوقعاً خروج جلسة مجلس الوزراء أمس، التي تناولت في جانب منها أزمة النازحين، بأكثر ممّا خرجت به، ولا ان تتخذ قرارات مصيرية في شأن ملفات نارية من شأنها ان تطيح بالبلاد واستقرارها. لكنّ المواقف السياسية خلالها لم تكن عادية، إذ مرّر خلالها كل فريق ما يدور في فلك خطه السياسي لتسمع الكنّة والجارة معاً.
فقد حازت أزمة النزوح السوري على القسط الاكبر من البحث خلال جلسة مجلس الوزراء، فأدلى كل فريق بدلوه، وأعادت النقاشات منظومتي 8 و 14 آذار الى الاذهان لجهة التعاطي بالملف السوري، فانقسم مجلس الوزراء بين رافض ايّ شكل من التواصل مع الحكومة السورية في شأن النازحين، وتصدّر الرافضين وزراء تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الاشتراكي»، وبين مؤيّد هذا التواصل لأنّ الحل الأنسب والأسرع يكون بالتنسيق مع الجانب السوري، وتصدّر المؤيدين وزراء «حزب الله» وحركة «امل» والحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار «المردة».

وعلمت «الجمهورية» انّ النقاشات التي حصلت ظلت مضبوطة ولم تتحول سجالات حادة، خصوصاً في ملفّي النزوح وإطلاق النار العشوائي. وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ المجلس تجنّب وسيتجنّب ايّ تفجير يمكن ان تحدثه مقاربة الملفات الخلافية، وهذا الامر متّفق عليه من الآن وحتى الانتخابات النيابية.

وكان رئيس الجمهورية ميشال عون واضحاً في اكثر من مكان عندما يصل فيه النقاش الى طريق مسدود بترك الملف في عهدته للمعالجة، وهذا ما لمّح اليه ايضاً رئيس الحكومة سعد الحريري عندما ابلغ الى المجلس «اننا اتّفقنا من البداية على وضع الملفات الخلافية جانباً حتى لا تؤثر في عمل الحكومة واستقرارها».

وفيما كان متوقعاً إثارة ملف الكهرباء والالتباس حول النص الذي رفع الى ادارة المناقصات، وبينما كان يستعد الوزراء لبدء الجلسة فوجئوا بأنّ الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل أعلن انه صحّح الخطأ وأعاد صَوغ النص بما يتطابق وقرار المجلس وأرسله الى الادارات المختصة.

وكان واضحاً انّ اتفاق ما حصل بين عون والحريري على استئناف التعيينات والتحضير لها ولكن ليس وفق الآلية المعتمدة، وهذا الامر أثير خلال الجلسة حيث طلب كل منهما الاسراع في تحديد الشغور والطلب من الوزارات تقديم الاقتراحات في شأنها.

فسأل بعض الوزراء عن الآلية وهل سيُستغنى عنها؟ فكان الجواب أنّ اعتمادها يمكن ان يؤخّر التعيينات في الفترة القصيرة من عمر الحكومة. فاعترض الوزيران علي حسن خليل ومحمد فنيش وطلبا الابقاء على اعتماد الآلية.

وتوقف متابعون لمناقشات وقرارات مجلس الوزراء عند النقاط الآتية:

1- حرص عون على ترسيم حدود الصلاحيات من خلال تشديده على تطبيق الدستور، لا سيما المادة 52 منه، حيث أكد أنه يرفض توقيع اي مرسوم يتعلق باتفاقات خارجية من أي نوع كان ما لم يكن قد درسه واطَّلع على تفاصيله ودقائقه.

واللافت أنّ هذا الموقف يصدر قبَيل سفر رئيس الحكومة الى واشنطن وباريس وموسكو. ومعلوم أيضاً انّ وزارات تَعقد اتفاقات ذات طابع دولي مع دول أخرى تحت تسمية «البروتوكول» من دون المرور في مجلس الوزراء، في حين أنها عملياً اتفاقات دولية.

2- فيما مَحض عون دعمه الكامل والمطلق للجيش، طالب الحريري بالتحقيق في وفاة 4 موقوفين سوريين لدى الجيش في المستشفى لكشف ملابسات حصول الوفيات. وأدّى هذا التباين الطفيف إلى أن يحسم المجلس الموقف بتوصية جاء فيها: «انّ أي صوت يشكّك بصدقية دور الجيش مرفوض».

3- كشف مجلس الوزراء أنّ معالجة الهدر في المراكز الجمركية بدأت تعطي نتائج، حيث كشفت الأرقام أنّ واردات الرسوم الجمركية خلال 80 يوماً زادت بنسبة 6,4% على رغم تراجع حركة الاستيراد من الخارج.

4- برز في الجلسة إجماع على وجود تقاعس في أداء القضاء وارتفاع نسبة التدخل السياسي في شؤونه، ما حتّم طلب الحكومة من الهيئات القضائية تحمّل المسؤولية وتسريع المحاكمات ورفض التدخلات والتشدد في القبض على المطلوبين.

5- كشفت مناقشات مجلس الوزراء تشكيكاً في إقرار الموازنة بسهولة إذ لا تزال أطراف حكومية ونيابية تربطها بمسألة قطع الحساب التي دعا الحريري إلى مقاربتها من منطلق توافقي، لافتاً الى انّ ثمة تلازماً بين مقاربة مواضيع الموازنة والاصلاحات وسلسلة الرتب والرواتب للحؤول دون زيادة العجز المالي للدولة.

6- أكد مجلس الوزراء مجدداً وجود خلاف قوي في ملف النازحين على مستويين: خلاف بين مكوّناته حول مقاربة الملف، وآخر بين الدولة اللبنانية والامم المتحدة التي كررت بلسان منسقتها الخاصة في لبنان سيغريد كاغ ونائبها فيليب لازاريني أنّ «أي عودة للاجئين إلى بلادهم يجب أن تكون طوعية وفي ظروف تَتسِم بالسلامة والكرامة»، وقالت: «من المستحيل الاجابة الآن عن إمكانية وجود مناطق يمكن أن يكون اللاجئون مستعدون للعودة إليها في المستقبل القريب. ويبدو أننا لا نزال بعيدين عن هذا المستوى، لأنّ الوضع لا يزال هشّاً جداً والنزاع مستمر».

ورأت مصادر وزارية انّ موقف الامم المتحدة يلتقي مع موقف فريق في الحكومة ضد موقف فريق آخر، ما يضع الحكومة اليوم أمام مسؤولياتها. ورجّحت ان يتمّ تشكيل لجنة وزارية مصغّرة للبحث في الامر، في وقت انّ المفاوضات مع النظام السوري جارية على قدم وساق عبر القنوات الامنية والعسكرية، علماً انّ دفعة من العائلات السورية المقيمة في مخيمات عرسال عادت الى بلداتها منذ اسبوعين بالتنسيق مع النظام السوري، وتستعد دفعة ثانية للعودة.

خليل

وكشف خليل لـ«الجمهورية» انه طلب من مجلس الوزراء تخصيص جلسة استثنائية لبحث الوضعين المالي والاقتصادي، وقال: «شددنا على الالتفاف حول الجيش وعدم السماح بخروق تؤثر على مسار عمله، وطالبنا بالتشدد أكثر في الاماكن التي تشهد تقصيراً من الاجهزة الامنية وخصوصاً في بعلبك ـ الهرمل».

وأكّد وجوب مقاربة ملف النازحين «من باب المصلحة الوطنية التي تفرض علينا التواصل مع الحكومة السورية، ولا يجب ان يكون هناك قنوات مقطوعة بيننا وهذا الامر لمصلحتنا قبل مصلحة الجانب السوري، خصوصاً انّ علاقات ديبلوماسية تربط البلدين، والسفير السوري معترف به ويقوم بزيارات رسمية. فالواقع يقول إننا نعاني أزمة كبيرة اسمها ملف النازحين ويجب البحث في كل السبل لمعالجتها».

حمادة

وقال الوزير مروان حمادة لـ«الجمهورية»: «نحن مع عودة آمنة للنازحين وليس قسرية وفق الأصول الدولية، ولن نقبل أن ينتقل النازحون الى السجون السورية».

«القوات»

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنه «على رغم حماوة المواضيع المطروحة في الجلسة فإنّ النقاش حافظ على هدوئه المعتاد، وتحديداً في ملفي اللاجئين وكلام السيد حسن نصرالله، فيما سارع الأمين العام لمجلس الوزراء إلى تصحيح ما كنّا طالبنا بتصحيحه في ملف الكهرباء من خلال العودة إلى ما أعلن في البيان الرسمي لجهة إحالة الملف إلى إدارة المناقصات».

وأشارت المصادر الى انّ الوزير بيار بوعاصي أظهر موقف «القوات» لجهة ضرورة عودة النازحين إلى سوريا التي بات الوضع فيها يسمح بذلك، رافضاً ايّ تنسيق مع دمشق، ومتسائلاً: هل علينا ان ننسّق مع «داعش» و«النصرة» لإعادة اللاجئين إلى المناطق الخاضعة لسيطرتهم؟ ومعتبراً انّ قرار عودتهم هو لبناني صرف، والحكومة اللبنانية هي التي تقدِّر الوضع.

وأمّا لجهة كلام نصرالله فقاطع الحريري بوعاصي قائلاً: «انّ هذا الموضوع هو من المواضيع الخلافية التي يجب نقاشها خارج المجلس»، لكنّ بو عاصي أصرّ على موقفه معتبراً «انّ الكلام عن فتح الحدود يشكّل انتهاكاً للسيادة وانتقاصاً من دور الدولة وتهديداً لأمن لبنان واللبنانيين»، ومؤكداً انّ «الحدود من مسؤولية الدولة حصراً».

واعتبر «انّ التهجّم على السعودية يُسيء إلى دولة صديقة، ويهدد العلاقة اللبنانية-السعودية، ويضرّ بلبنان، ويعرِّض مصالح اللبنانيين في السعودية للخطر».

وردّ الوزير محمد فنيش على بوعاصي معتبراً «انّ موقف السيد نصرالله فُهم خطأ، والمقصود أنه في حال حصول اي مواجهة لن تكون محصورة بلبنان بل مفتوحة على العالم الاسلامي، وان موقف الحزب سياسي بامتياز ولا يلزم أيّ طرف به»، وقال «إذا كان هناك من يعتبر انّ التهجّم على السعودية يؤذي المصالح اللبنانية، فنحن نعتبر بدورنا انّ التهجّم على سوريا يؤذي مصلحة لبنان».

الجيش والتشويش

في هذا الوقت، تواصلت تفاعلات العملية العسكرية التي نفّذها الجيش في مخيمات النزوح في منطقة عرسال، وكان اللافت في هذا المجال استمرار بعض السياسيين في التباكي على تلك المخيمات على رغم ثبوت أنها تشكّل مأوى للارهابيين، متجاهلين الانجاز الذي تحقق بهذه العملية خصوصاً لجهة إحباط عمليات إرهابية خطيرة كانت ستطاول مختلف المناطق.

واستغربت جهات معنية «محاولة التشويش على هذا الانجاز والتعمية عليه عبر تعمّد إثارة مسائل إنسانية تضع الجيش في موقع الاتهام، وتعذيب الموقوفين الذين قُبض عليهم خلال العملية، ونشر أرقام كبيرة عن وفيات حصلت نتيجة التعذيب».

وقالت مصادر أمنية رفيعة لـ«الجمهورية»: «انّ بيان قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه أوضحَ الصورة بكاملها، وأشار الى حصول 4 وفيات هم: مصطفى عبد الكريم عبسة، خالد حسين المليص، أنس حسين الحسيكي وعثمان مرعي المليص».

وأكدت «انّ عدد الوفيات 4 وليس اكثر، وسبب الوفاة هو نتيجة أزمة قلبية، وهو ما يؤكده الاطباء الذين كشفوا على الجثث الـ4 اضافة الى الكشف على سائر الموقوفين الذين تبيّن انّ من بينهم 7 يعانون مشكلات صحية وأحيلوا الى مستشفيات مدنية، فيما سُلّمت جثث الـ4 الى ذويها».

وأكدت المصادر «انّ كذبة تعذيب هؤلاء يدحضها اولاً وضعهم الصحي، وثانياً انّ هؤلاء لم يكونوا قد خضعوا للتحقيق بعد». وقالت إنّ عملية الجيش «لم يكن هدفها فتح معركة مع النازحين بل توقيف مطلوبين بناء على معلومات دقيقة تفيد عن تحضير لتنفيذ عمليات إرهابية في مناطق عدة».

ولفتت الى انّ الوحدات العسكرية «فوجئت خلال تنفيذ العملية بحجم ردّة فعل الإرهابيين ونوعيتها، وذلك من خلال تفجير مجموعة من الانتحاريين أنفسهم بين عائلاتهم، ما أدى الى مقتل فتاة كان يتولى احد العسكريين حمايتها خلال التفجير، وأصيب هذا العسكري في عينيه، مع التأكيد أنه خلال تلك العملية لم يتعرض أي مدني في تلك المخيمات للأذى من الجيش، علماً انّ 19 جريحاً سقطوا في صفوفه».

وأكدت المصادر انّ الجيش «يتعاطى مع ملف تلك المخيمات بحكمة استثنائية ومن دون أي خطوات متسرّعة، ولو كان في نيّته أذية المدنيين لكان انتهى من موضوع الجرود منذ زمن بعيد، فما يؤخّر ذلك حتى الآن هم المدنيون. وما يجب ان يكون معلوماً لدى الجميع، وخصوصاً تلك الاصوات المتباكية، هو انّ تلك المخيمات تشكّل بيتاً آمناً للإرهابيين، فمن بين الـ330 موقوفاً بيّنت التحقيقات التي بدأت معهم وجود 38 من الرؤوس الكبيرة والخطيرة في «داعش» و«النصرة» وبعضهم له مراكز قيادية عالية في هذين التنظيمين الارهابيين، ما يعني انّ الخطر جاثم هناك، وهذا دليل اضافي على انّ عملية الجيش كانت اكثر من ضرورية».

وتوجّهت المصادر الى الجميع بالقول: «لا يجوز التصويب على الجيش في موضوع الوفيات الـ4، وهي وفيات طبيعية نتيجة ظروف صحية لا علاقة للجيش بها، وتَناسي الانجاز الذي تمّ.

فعندما دخل الجيش فوجىء بعدد الانتحاريين وبحجم العبوات الناسفة المزروعة قديماً وحديثاً في المنطقة، ولو لم يكتشفها، وكانوا على وَشك تفجيرها، لحصلت مجزرة فظيعة.

واكتشف غرفة من «الباطون المسلح» كان يستخدمها الارهابيون لصنع العبوات الناسفة، كلّ ذلك يؤكّد الخطورة التي تمثّلها تلك المنطقة، وتخيّلوا لو انّ هذه العملية العسكرية لم تحصل، وانّ تحضيرات الارهابيين كانت جاهزة للتنفيذ ونجح الارهابيون والانتحاريون في التسلل الى الداخل اللبناني، فماذا ستكون النتيجة في هذه الحال؟ يجب النظر الى هنا وليس الى أيّ مكان آخر».